كأن باسيل يحضّر الأجواء لإعادة تجربة عون بعد انتهاء الولاية الرئاسية وعدم مغادرة القصر ما لم يتم انتخاب رئيس جديد بشروطه أو تأليف حكومة أيضاً بشروطه.
بيروت ـ «القدس العربي»: 11 يوماً يفصل لبنان عن بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد في ظل ترقّب موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري من هذا الاستحقاق الذي يبدو أنه تبدّل من استعداد للدعوة إلى جلسة لانتخاب الرئيس في الأسبوع الأول من بدء المهلة في ايلول/سبتمبر المقبل إلى انتظار نوع من التوافق على هوية الرئيس المقبل، ومن المتوقّع أن يعبّر بري عن موقفه من جلسة الانتخاب في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر في 31 آب/أغسطس الحالي.
تزامناً، يستمر الصرح البطريركي محطة للقيادات السياسية وللمرشحين للوقوف على رأي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ومواصفاته لرئيس الجمهورية. واللافت هو رفض رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع التجاوب مع طلب رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل من البطريرك الراعي جمع رؤساء الأحزاب المسيحية الأكثر تمثيلاً تحت سقف البطريركية المارونية للبحث في الانتخابات الرئاسية وإيصال رئيس يمثّل أو مدعوم من كتلة مسيحية وازنة، وبعد هذا الموقف لجعجع لوحظ أن باسيل رفع سقف المواجهة متهماً القوات اللبنانية ضمناً بالتفريط بالحقوق والتنازل عن شرط التمثيل للرئيس، ليخلص للقول «إننا حرّاس الحقوق والجمهورية والرئاسة في وجه شياطينها».
وفسّر الإعلام العوني موقف باسيل بأنه «نابع ليس من طموح شخصي بل من باب الحرص على المكتسبات الميثاقية، التي تحققت مع تكريس انتخاب الرئيس القوي بتمثيله الشعبي لبيئته المباشرة، والذي تهدّد سياسة المعاكسة المعتمدة من قبل البعض بتطييرها، تماماً كما طيّروا صلاحيات الرئاسة اللبنانية المسيحية المارونية نكاية بشخص ميشال عون عامي 1989 و1990».
غير أن استحضار باسيل مرحلة عام 1990 وحديثه عن «حرّاس الرئاسة والجمهورية» ذكّر بمرحلة تمرّد عمّه الجنرال ميشال عون ورفضه تسليم قصر بعبدا، وكأن باسيل يحضّر الأجواء لإعادة التجربة بعد انتهاء الولاية الرئاسية في 31 تشرين الأول/أكتوبر وعدم مغادرة القصر ما لم يتم انتخاب رئيس جديد بشروط باسيل أو تأليف حكومة أصيلة أيضاً بشروطه. وقد استهجنت القوات اللبنانية مواقف رئيس التيار العوني و«إدعائه» حماية حقوق المسيحيين، وذكّرت «بحروب عون التدميرية وبتسبّبه بسقوط المساحة الجغرافية التي حافظت على حريتها وتقديمه مفاتيح لبنان في عام 1990 للرئيس السوري حافظ الأسد ثم في عام 2016 للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله».
وقال رئيس جهاز الإعلام والتواصل في القوات شارل جبور لـ «القدس العربي»: «نحن نعتبر أن الاشكالية في البلد اليوم هي اشكالية صراع وانقسام بين مشروعين وطنيين وسياسيين وليس خلافاً مسيحياً مسيحياً حتى لو كان الاستحقاق هو استحقاق رئاسة الجمهورية» موضحاً «أن الخلاف هو بين مشروع ينتمي إليه جبران باسيل وحزب الله وبين مشروع القوات اللبنانية الذي هو مشروع لبنان ضد مشروع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لذلك الخلاف كبير جداً بين باسيل المؤيد لسلاح حزب الله ولمسيّراته ولاستفادة الدولة اللبنانية مما يسمّيه قوة المقاومة».
وأضاف «نحن ضد هذا المنطق، فلا شيء في لبنان إسمه قوة المقاومة ولا يوجد شيء إسمه مقاومة. المقاومة يجب أن تسلّم سلاحها للدولة اللبنانية وهي في وضعية انقلابية على الدولة وعلى الدستور منذ عام 1990. أما لجهة حرّاس الحقوق فهذا شيء مضحك، ونسأل أي حقوق؟ فأين أصبحت حقوق المسيحيين في حكومة عون الانتقالية بين عامي 1989 و1990؟ وهل كانت بتهجيرهم من لبنان وبحروب مدمّرة خاضها من أجل أن يبقى في القصر الجمهوري فقط لا غير؟ وأين هي حقوق المسيحيين في عهد عون؟ هل المسيحي الذي يبحث عن رغيف خبز ليأكله ويقف على محطات البنزين ويُذلّ يومياً في الشارع ويبحث عن جواز سفر للهجرة من البلد بسبب هذا العهد وما أوصل إليه ليس فقط المسيحيين بل كل اللبنانيين؟» لافتاً إلى «أن الحقوق تبدأ من استعادة الاستقرار والازدهار ونمط العيش، من هنا تبدأ الحقوق عندما يتمتع المواطن بالكرامة في وطنه بينما في المرحلتين اللتين حكم فيها عون لم يشعر المواطن اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً سوى بالذل وبالتالي عن أي حقوق يتحدث هؤلاء؟».
وختم جبور «إن منطق الحقوق يبدأ بمنطق الدولة وليس بتغييبها لمصلحة الدويلة، وإن حقوق المسيحيين تبدأ من خلال الخط التاريخي اللبناني المتعلق بدولة وسيادة وحرية واستقلال وشراكة وحياد، فيما كل هذه المفاهيم تمّ تطييرها والانقلاب عليها من قبل هذا الفريق».
إذاً في اعتقاد القوات، أن باسيل «يسرق أدبياتها ويعمل على تشويه جوهرها ومضمونها بمزايدات كل الهدف منها انتزاع المواقع السلطوية على حساب فلسفة إدارة المجتمعات التعددية التي تتطلّب أفضل تمثيل لكل المجموعات ولكن ضمن مشروع واحد وتحت سقف دولة واحدة، وإلا تحوّل هذا التمثيل إلى كانتونات منفصلة بعضها عن بعض ومتناحرة بعضها بين بعض، وبالتالي كل أهمية الفكرة اللبنانية أنها قائمة على المزاوجة بين صحة التمثيل وبين مشروع الدولة الذي يشكّل الإطار الضامن لتعددية متآلفة لا متصادمة». وترى القوات أنه «بدلاً من أن يوظِّف العماد ميشال عون تمثيله الفعلي لبيئته في إطار تحصين مشروع الدولة وبما يتلاءم مع هذه البيئة المؤسِّسة للكيان اللبناني، وظّف هذا التمثيل بما يخدم أهدافه السلطوية وبما يتعارض مع مشروع الدولة ويتناقض مع الخط اللبناني لبيئته». ولكنها تؤكد أنه «بعدما أعادت الانتخابات النيابية الأخيرة تصحيح الخلل في التمثيل المسيحي الذي كان نجح عون في انتزاعه بغفلة من الزمن بشعارات مزيّفة، فإنّ أي مرشّح رئاسي تدعمه «القوات» يكون ممثلاً لبيئته. وقد أسقطت الانتخابات كل مزايدات تيار عون، وأصبح كل من تدعمه «القوات» أو تسمّيه يكون المرشّح الذي يحظى بغطاء بيئته واحتضانها، والفارق الأساس بين مَن يسمّيه الدكتور سمير جعجع وبين مَن يسمّيه الرئيس ميشال عون يكمن في أن هدف الأول انتخاب الرئيس الذي يعيد الاعتبار للدولة ودورها ويسهر على تطبيق الدستور، فيما هدف الثاني انتخاب الرئيس الذي يؤمِّن مصالحه السلطوية على حساب الدولة والشعب اللبناني، وتجربة الست سنوات أكبر دليل وبرهان».