بعد انقضاء أيام على مهمة الموفد القطري الأمني وثلاث جولات للموفد الفرنسي، فالاختراق الوحيد الذي تحقق هو تراجع باريس عن خيار المقايضة بين فرنجية وسلام وبدء الحديث عن الخيار الثالث.
بيروت ـ «القدس العربي»: خلافاً لما كان مقرراً، أرجأ الموفد القطري محمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي زيارته بيروت في إطار المهمة الموكلة إليه للمساعدة في إنجاز الاستحقاق الرئاسي. وتردّد أن أسباب الإرجاء تعود أولاً إلى عدم تحقيق الموفد الأمني جاسم بن فهد آل ثاني اختراقاً في جولته على القيادات اللبنانية التي طرح في خلالها الذهاب نحو «خيار رئاسي ثالث» حيث اصطدم بتمسك الثنائي الشيعي بمرشحه رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية كما اصطدم برفض فرنجية بالذات الانسحاب من المعركة الرئاسية، قائلاً لزائره القطري إنه «لن يسحب ترشيحه وأنه مستمر في السباق الرئاسي مدعوماً بكتلة من 51 نائباً». كما تعود أسباب الإرجاء ثانياً إلى رغبة الخليفي بأن يعود الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان قبله إلى بيروت واستطلاع ما ستؤول إليه جولة لودريان الرابعة في ظل الانقسام الحاد بين الأفرقاء اللبنانيين والذي تُرجم أيضاً بسحب رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوته إلى الحوار بعد رفضها من قبل الأحزاب المسيحية والتقليل من أهميتها ومطالبتها بالذهاب فوراً إلى جلسة مفتوحة بدورات متتالية لانتخاب رئيس.
ولكن على الرغم من هذه المعطيات، واظب الموفد القطري جاسم بن فهد لقاءاته بعيداً عن الإعلام، وأكد في خلال جولته مثابرة بلاده على تحركها ووساطتها بهدف تثبيت الخيار الثالث، ونُقل عنه قوله إن اللجنة الخماسية تعمل بتنسيق في ما بينها لإنجاز مهمتها وإجراء الانتخابات الرئاسية من أجل مصلحة لبنان وحل أزماته المتفاقمة. وفي سياق هذه المبادرة، توجّه الموفد القطري مرة ثانية إلى بنشعي للقاء رئيس «تيار المردة» الذي كان أبدى انزعاجاً من تسريب العرض القطري له بالانسحاب من السابق الرئاسي مقابل ضمانات بالحصول على وزيرين في حكومات العهد المقبلة وتمويل المؤسسات الاجتماعية والخدماتية التابعة له والتوسط لرفع العقوبات الأمريكية عن الوزير السابق يوسف فنيانوس. ولمس الموفد بقاء فرنجية على موقفه ورفضه عرض الدوحة.
كما كانت للموفد القطري محطة في بيت الكتائب مع رئيس الحزب النائب سامي الجميل حيث تم طرح بعض الأسماء التي تشكل خياراً ثالثاً، لكن الجميّل الذي أبدى احترامه لكل تلك الأسماء فضّل عدم إعطاء رأي سلبي أو إيجابي في هذه الأسماء قبل سحب الثنائي الشيعي مرشحه، وإلا نكون ندور في حلقة مفرغة، رافضاً الاستسلام لمشيئة حزب الله. وما سمعه جاسم بن فهد من الكتائب سمعه أيضاً من كتلة «تجدد» التي كانت رشحت النائب ميشال معوض إلى الرئاسة قبل أن يتم الاتفاق مع المعارضة على انسحابه توصلاً إلى حل للمأزق. ولفت أعضاء الكتلة إلى ضرورة عدم تضييع الوقت طالما يقبض حزب الله على زمام الأمور في لبنان ويعرقل انتخاب رئيس في انتظار صفقة مع إيران تحقق لها مكاسب ومصالح، ودعوا إلى ممارسة قطر دوراً مع طهران لتسهيل مهمة اللجنة الخماسية كما فعلت في تسهيل ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل خصوصاً بعدما نجحت وساطة الدوحة الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة.
وفيما لاحظ من التقوا الموفد القطري سعيه للتوصل إلى توافق سياسي بين الأفرقاء المتنازعة على أحد الأسماء المقترحة من قبله، لمس من المعارضة استعداداً تاماً لتسهيل مهمته وعمل اللجنة الخماسية وصولاً إلى خيار ثالث ولكن من دون تسجيل سوابق وأعرافاً غير دستورية ينوي فريق الممانعة فرضها قبل كل انتخابات رئاسية. وتقول أوساط المعارضة «لو كان لبنان وشعبه يشكلان جزءًا من همّ الممانعة وأولوياتها لكانت أفسحت في المجال أمام التوافق على رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة وحكومة مهمتها الأولى إعادة الاستقرار السياسي والمالي واستعادة عامل الثقة، ولكن لا همّ للممانعة سوى ربط الساحة اللبنانية بساحات المواجهة والفوضى في المنطقة».
وكما الموفد القطري الذي يأمل في رؤية مرونة لدى فريق الثنائي الشيعي كالمرونة التي يقابله بها فريق المعارضة، كذلك الموفد الفرنسي يتريّث قبل العودة إلى بيروت ضماناً لتحقيق تقدم خصوصاً في ضوء ما رشح عن آخر اجتماع للجنة الخماسية في نيويورك حول ضرورة وضع سقف زمني للمسعى. ولكن لم يرشح لغاية تاريخه ما يوحي باحتمال تصاعد الدخان الأبيض حيث أن الطريق إلى القصر ما زالت مزروعة بالعثرات إن لم يكن بالالغام، وهو ما عاد ليؤجج التراشق بالاتهامات بين القوى السياسية حول المسؤول عن تأخير انجاز الاستحقاق الرئاسي.
وما بين فريقي الممانعة والمعارضة يبدو رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل متقاطعاً تارة مع المعارضة لاستبعاد سليمان فرنجية وطوراً مع حزب الله لاستبعاد قائد الجيش العماد جوزف عون، مشيراً إلى «أن الخيار الخاطئ في موقع الرئاسة الأولى ستكون له انعكاسات سيئة ربما أخطر من الفراغ».
وعليه، بعد إنقضاء أيام عديدة على مهمة الموفد القطري الأمني وبعد انقضاء ثلاث جولات للموفد الرئاسي الفرنسي يمكن القول إن الاختراق الوحيد الذي تحقق هو تراجع باريس عن خيار المقايضة بين فرنجية والسفير نواف سلام وبدء الحديث عن الخيار الثالث، إلا أن التعقيدات وتضارب المصالح تنسف الرهانات على انفراج رئاسي قريب.