المخاوف من إيقاظ الفتنة تتأتى من أن الدولة الحقيقية لم تقم بعد أو لم يُسمَح لها بأن تقوم ويُمنَع عليها أن تدخل إلى مناطق تُعتبر مقفلة كالضاحية.
بيروت ـ «القدس العربي»: صحيح أن 47 عاماً مرّت على ذكرى اندلاع الحرب في لبنان في 13 نيسان/إبريل 1975 التي يتم إحياؤها كل سنة، إلا أن الذكرى هذه السنة اكتسبت طابعاً مختلفاً لأن هناك شعوراً لدى البعض بأن بوسطة عين الرمانة التي كانت شرارة الحرب هناك من يريد عودتها وإعادة تصليحها وتعبئتها بالوقود، وللمفارقة فإن الذين ينفضون الغبار عن تلك البوسطة ليسوا الذين خاضوا المعارك بل من يتباهون بأنهم ليسوا من أمراء الحرب ولا دماء على كفّهم.
وما يعزّز فكرة عودة البوسطة في أي وقت رغم توقف المدفع هو ما شهدته وتشهده بعض المناطق من إشكالات سواء في خلدة مع عرب العشائر السنّة أو في شويا مع المشايخ الدروز أو في عين الرمانة مع أهالي المنطقة المسيحيين بعد أحداث 7 ايار/مايو في بيروت، وتصل هذه الإشكالات إلى حد الصدام المسلّح بفعل الاحتقان الذي يتسبّب به إستقواء فريق بسلاحه وتمسّكه به تحت حجة المقاومة، فيما الأحزاب الأخرى سبق أن سلّمت سلاحها بعد اتفاق الطائف وترغب أن تعيش في كنف الدولة وسلاحها الشرعي.
اما المخاوف من إيقاظ الفتنة وتكرار التجربة المريرة فهي تتأتى من أن الدولة الحقيقية والقادرة لم تقم بعد أو لم يُسمَح لها بأن تقوم إلا في بعض المناطق ويُمنَع عليها أن تدخل إلى مناطق تُعتبر مقفلة عليها كالضاحية حيث لا حضور فعلياً للجيش. وكما الضاحية كذلك بعض قرى وبلدات الجنوب وبعلبك وصولاً حتى إلى لاسا في أعالي كسروان وجبيل حيث يتم وضع اليد على أراض لمطرانية جونية المارونية، وتحول سطوة السلاح دون حل هذه الإشكاليات التي تهدّد في كل لحظة في حدوث فوضى وتفجير، وآخر دليل على ضعف الدولة هو عدم قدرة عناصر شرطة بلديات المتن وكسروان أو عناصر أي شركة أمنية من ضبط العمل في مطمر الجديدة الذي تحوّل إلى دويلة تُعرَف بـ «دويلة النبّاشين» الذين يتهافتون على آليات النفايات للحصول على بقايا البلاستيك والحديد لبيعها بالدولار الفريش دون أن يجرؤ أحد على منعهم، فيما الجيش يستقوي على أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت ويمنعهم من التعبير عن رأيهم أمام رئيس الجمهورية ميشال عون.
والأخطر من السلاح هو الفكر العقائدي الذي بدأ يغزو مناطق نفوذ حزب الله وتحديداً في الضاحية الجنوبية وبعض مدارس الجنوب والبقاع الشمالي حيث تركّز قيادة حزب الله على ما تسمّيه «التربية العاشورائية والحسينية» واعتبارها «مدرسة قائمة بذاتها أنجبت المجاهدين والمجاهدات ورفعت من قيمة الاستعداد للتضحية والعطاء» كما أعلن نائب أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم.
ولا يرى قاسم غرابة في أن يأتي أحد إلى الضاحية الجنوبية ويشعر أنه في إيران أو في النجف الأشرف، سائلاً «هل هذه تهمة، وهل تريدون أن يدخل الواحد إلى الضاحية فيشعر أنه في المراقص أو في لوس أنجلوس أو في فرنسا؟» مضيفاً «هذه البيئة ضرورية ولو لم تكن هذه البيئة لما أمكننا أن نتابع ونخرّج ويتربّى هؤلاء الأطفال على الطاعة الحسينية».
والواقع أن حزب الله بنى دولته الخاصة ويمنع على الآخرين التفكير ببناء الدولة التي يطمحون إليها حيث يسود السلام والاستقرار بعيداً عن الحروب وعن تعكير علاقات لبنان بمحيطه العربي كما حدث أخيراً مع الدول الخليجية التي استدعت سفراءها للتشاور، قبل أن تنجح الاتصالات والالتزامات التي أطلقها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في عودتهم إلى بيروت لتأكيد وقوف الأشقاء العرب إلى جانب وطن الأرز وعدم التخلّي عنه والسماح بعزله وتغيير هويته.
وفي ضوء عودة سفراء الدول الخليجية إلى العاصمة اللبنانية فإن التوازن الوطني الذي فُقِد لصالح محور الممانعة بدأ يعود نسبياً على المستوى السياسي خصوصاً بعد الفجوة الكبيرة التي تسبّب بها عزوف الرئيس سعد الحريري وتياره عن خوض الانتخابات النيابية. ولكن اللافت أنه في مقابل جمع السفير السعودي وليد البخاري الحلفاء المتفرّقين في قوى 14 آذار/مارس سابقاً، وفي مقابل الدعوات التي يطلقها مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان والرئيس فؤاد السنيورة وبعض الشخصيات السنية للمشاركة في الاستحقاق الانتخابي وعدم المقاطعة لعدم إخلاء الساحة السنية والوطنية لحزب الله وحلفائه لنيل الأغلبية النيابية، فإن قيادات «تيار المستقبل» ماضية في قرارها بالخروج من السباق الانتخابي وهو ما أكد عليه أمين عام التيار أحمد الحريري.
وهكذا، فإن الأنظار تتجه إلى نتائج الانتخابات النيابية كمحطة مفصلية لعدم تمكين حزب الله من امتلاك الأغلبية النيابية وخصوصاً عدم امتلاك أكثرية الثلثين في المجلس النيابي أي 86 نائباً كي لا يستطيع أولاً تعديل الدستور وتغيير وجه لبنان الحضاري والمتنوّع وتكريس ثقافته المنغلقة التي تحدث عنها الشيخ نعيم قاسم، وثانياً كي لا يستطيع التصرّف في المجلس كما يشاء ولاسيما في موضوع تحديد هوية رئيس الجمهورية المقبل الذي يريده الحزب أن يكون على صورة الرئيس الحالي ميشال عون الذي سلّمه قرار الدولة ومنحه الغطاء لسلاحه، وقد مهّد السيد حسن نصرالله للاستحقاق الرئاسي بجمع حليفيه المتخاصمين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية.
أما القوى السيادية ففي حال نجحت في امتلاك الثلث المعطّل في المجلس أو أحدثت مفاجأة انتخابية إذا شارك المكوّن السنّي بفاعلية في الانتخابات فستقطع على حزب الله الطريق لانتخاب رئيس يلتصق بمحور الممانعة لست سنوات جديدة، لأن هذه السنوات ستكون كفيلة بوصول البلد إلى قعر جهنّم وبالتأسيس لأزمة وطنية ولتضارب في الخيارات وتهديد الاستقرار، فماذا ستكون عليه ردة فعل حزب الله؟