انتهت «المعجزة اللبنانية» بمعجزة خطة الحكومة!
فالمعجزة لا تنتهي إلا بمعجزة.
قدمت الحكومة «خطتها الإصلاحية» باعتبارها حدثاً تاريخياً، فاللعب مع التاريخ والتلاعب به سمتان ثابتتان في دولة لبنان الكبير.
الاحتفال بمئوية الجنرال غورو يأتي اليوم جنائزياً، والموسيقى المصاحبة له على أنغام كلام عون ودياب هي أشبه بنوبة دفن الموتى.
حاولت الخطة الحكومية إنقاذ جمهورية التجار التي هندسها ميشال شيحا، وورثتها جمهورية المصارف التي أسسها وذهب ضحيتها يوسف بيدس وتمأسست مع قانون السرّية المصرفية. لكن خطة الحكومة أعلنت وفاة هذه الجمهورية بدلاً من إنقاذها. لبنان اليوم جمهورية تتحكّم بها الأوليغارشية فوق حطام الفقر والفاقة والتسوّل.
يقولون ولكن ماذا كان في وسع حكومة التكنوقرط أن تفعل؟ خيارها الوحيد هو صندوق النقد الدولي، لأن مليارات الودائع طارت، كما قال رئيس الحكومة.
المليارات طارت ولكن أين غطت؟
كل الناس يعلمون أنها غطت في جيوب السياسيين الفاسدين وأزلامهم وشركائهم من أصحاب المصارف والمقاولين، لكن رئيس الحكومة لا يعرف كيف يستعيدها أو لا يجرؤ أو لا يريد ذلك. وحين طُرحت فكرة استعادة جزء منها عبر «هير كات» يُفرض على أموال كبار المودعين والأغنياء ومافيات السلطة، قام رئيس مجلس النواب الذي احترف حراسة نظام الطغمة المالية، بدفن الفكرة، وأوعز إلى وزير المالية بسحب مشروع «الهير كات».
التسوّل هو الخيار الوحيد المتبقي، وهو خيار «عقلاني»، على افتراض أن العقل يفرض على أصحاب المصلحة الدفاع عن مصالحهم.
حكومة التكنوقراط ليست حكومة انتفاضة تشرين، مثلما حاول خطابها أن يوحي لحظة تشكيلها، بل هي حكومة ظلال أحزاب السلطة والمافيا. إنها حكومة الثورة المضادة.
يجب أن لا نُعطي للصراعات بين أجنحة السلطة الرأسمالية والمافيوية والطائفية أكثر من حجمها.
صحيح أن جبران باسيل يتديّك، وعون يحلم باستعادة النظام الرئاسي كي يورّث الرئاسة لصهره، وحزب الله يبدو ممسكاً بنظام يتسرّب كالرمل من بين أصابعه، ونبيه برّي في المرصاد المجلسي حامياً للنظام ومُخففاً من غلواء العونيين وطيشهم، وجعجع يتأرجح منتظراً، وجنبلاط والحريري يفتحان النار خوفاً على نفوذهما في السلطة، لكنهم جميعاً يعلمون أنهم في مركب واحد يغرق، وأن مفتاح إنقاذه في يد صندوق النقد الذي تسيطر عليه أمريكا.
لكن الذهاب إلى صندوق النقد الدولي ليس نزهة، فالصندوق لا يفاوض بل يملي شروطه، والذي يذهب لا يستطيع التراجع، لأن الانسحاب له اسم واحد هو الإفلاس الشامل.
ماذا تقول الخطة؟
تحتاج الخطة إلى مناقشة مستفيضة وضع محمد زبيب خطوطها العامة على صفحته في «فيسبوك». لكنني أريد أن أشير هنا إلى بعض المسائل.
النقطة الإيجابية الوحيدة هي شطب رساميل المصارف التي تقدّر بـ 21 مليار دولار، وعلى المصرفيين أن يشتروا مصارفهم من جديد من الأموال التي راكموها من خلال خدمة الدين العام والهندسات المالية. لكن هذا الرقم لا يحلّ المشكلة. عدا عن أن تطبيقه سيواجه الكثير من الصعوبات.
تقترح الخطة ثلاثة إجراءات:
أولاً: إنشاء صندوق توضع فيه الملكيات العامة والشركات التي تملكها الدولة جزئياً أو كلياً، وتجيّر أرباح هذا الصندوق لإطفاء خسائر المصرف المركزي. هذا الصندوق هو المدخل إلى الخصخصة الشاملة، العزيزة على قلب صندوق النقد الدولي. وبذا يستطيع ناهبو مال الناس ومال الدولة أن يشتروا أملاك الناس والدولة بالأموال التي نهبوها.
ثانياً: الشروع في سياسات تقشفية انكماشية تبدأ برفع الدعم عن المواد الأساسية، وإطلاق سعر صرف الليرة من القيود، وتخفيض الأجور وتعديل نظام التقاعد، وانهيار القدرة الشرائية. مع وعود بشبكات ضمان اجتماعي لن تكون سوى أحد وجوه الزبائنية.
ثالثاً: وعود وهمية باستعادة الأموال المنهوبة ووضع حد للفساد، وهو عين المستحيل، فالطبقة التي نظّمت المنهبة والفساد لن تعاقب نفسها، بل ستُلقي بأعباء أزمة صنعتها على الطبقات الوسطى والكادحة.
واللافت أن الخطة تجاهلت مسألة الهدر في الكهرباء، فالكهرباء التي هي مصدر الهدر الأول طُوّبت إقطاعاً لجبران باسيل وشركائه…
من الواضح أن الخطة ليست محاولة للخروج من الأزمة، بل هي أحد فصول الأزمة. فالطبقة الحاكمة صارت عاجزة بشكل كامل، وما الصراع الكوميدي بين حاكم مصرف لبنان ورئيس الحكومة، والذي سُحب من التداول، إلا أحد تعبيرات هذا العجز القاتل.
لكنهم يحاولون الهروب من أزمتهم عبر اللجوء إلى سلاحين:
التهديد بأن هذا المخرج المقترح هو الحل الوحيد وإلا سيسقط كل شيء. واللجوء إلى القمع الذي شهدنا أحد تجلياته في طرابلس، حيث تم وضع الجيش في مواجهة الفقراء والجياع، وسقط فوّاز السلمان شهيداً.
والحلان غير مجديين، السلاح الأول ليس مضموناً، لأن لا أحد يعلم كيف يستطيع حزب الله الخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي، وما هي بدائله. كما أن السلطة لم تقدّر حجم الكارثة التي حلّت بالفقراء، الذين صاروا اليوم أكثرية الشعب اللبناني، وكيف ستكون ردات الفعل الشعبية أمام استشراء الإفقار.
أما القمع فليس حلاً، وشيطنة طرابلس لن تنجح. وعلى السلطة أن تعلم أن هناك أكثر من وجه للعبة القمع، التي سترتد على أصحابها.
ماذا إذن؟
من الواضح أن لا وجود لمن يفاوض حكومة التكنوقراط، ففي ظل غياب النقابات العمالية، تجد أغلبية الناس نفسها في موقع من يتفرج على موته، أو من عليه أن يدافع عن حياته من دون أن يمتلك الأدوات الفعّالة لخوض صراع معقد وطويل.
حكومة التكنو- أوليغارشية تضع أمامنا خيارين، إما الموت جوعاً وإما الموت ذُلاً وإفقاراً.
من قال لهم أننا سنختار بين الخراب والخراب؟
صحيح أن انتفاضة تشرين واجهت مجموعة من الانتكاسات، التي كان وباء كورونا ذروتها، لكن الصحيح أيضاً أن هذه الانتفاضة هي الخيار الوحيد شرط أن تصل وبسرعة إلى بلورة برنامج سياسي اجتماعي للخلاص الوطني، وتبني أدواتها التنظيمية، كي يمتلك الشعب خياره في مواجهة نظام الكابوس والخراب بكل رموزه.
إقتصادات المنطقة ذاهبة للدمار! فمن سيساعد لبنان في محنته؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
بعد مئة سنة من التجربة الفاشلة لا يزال البعض يبحث عن الخلاص الوطني في هذه الكيانات المهترئة. سيستمر الانهيار حتى تستفيق الامة على الحقيقة التاريخية المغيبة عمدا: ان الخلاص الوطني في بلاد الشام لن يتم الا باتحادها. هذا ما يجب ان نطمح اليه. من هنا تكون بداية الخلاص.
شكراً أخي الياس خوري. مازالت هناك فرصة للبنان للخروج من هذه المعجزة التي جاءت بحسان دياب، الانتفاضة يجب أن تستمر فهي الوحيدة القادرة على التأثير على السلطة لتوفير فرصة تجنب الخراب.
*للأسف لا يوجد حل جذري بلبنان
الا بالقضاء ع الطائفية وهذا صعب جدا
وربما مستحيل.