بيروت- “القدس العربي”: طغت المشاهد التي وصفت بـ”الجايمس بوندية” التي نفذتها المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون المحسوبة على رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره على المستجدات السياسية والحكومية، وقد أحدثت سابقة في تاريخ القضاء لم يشهد اللبناني فصولا لها حتى في أيام الحرب المشؤومة أو في زمن سطوة النظام الأمني اللبناني السوري.
فعلى غرار تمرد العماد عون سنة 1989 ورفضه تسليم السلطة بعد تعيينه رئيس حكومة عسكرية انتقالية كذلك تفعل القاضية عون التي تتمرد على قرارات مجلس القضاء الأعلى والمدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات ولا تمثل أمام هيئة التفتيش القضائي بعد استدعائها 4 مرات، لا بل تواصل عملية دهم شركة مالية خاصة عريقة مختصة بشحن الدولار من وإلى لبنان بواسطة الكسر والخلع والتهديد بمؤازرة مجموعة من التيار الوطني الحر، ما ترك صورة سلبية عن القضاء واستقلاليته، في وقت نأت وزيرة العدل ماري كلود نجم المعينة من قبل العهد عن اتخاذ موقف حاسم واكتفت بالأسف لما وصلت إليه أحوال القضاء، من دون إدانة أداء القاضية العونية بل طلب إحالة القضية إلى التفتيش القضائي.
ويعتبر البعض أن القاضية المتمردة لم تكن لتتجرأ على قرارات مجلس القضاء الأعلى وعويدات والتفتيش القضائي لولا أنها مدعومة من مرجعيتها السياسية التي سبق ولم توقع التشكيلات القضائية حماية لغادة عون كي تبقى في منصبها. وكان واضحا كيف دعم رئيس التيار جبران باسيل ومحطة OTV التابعة للتيار تحرك القاضية بقولها “بين أمس واليوم، قاضية تحولت إلى قضية. قضية القضاء على الفساد التي من دونها قضاء على الوطن. فيا أيها اللبنانيات واللبنانيون: فليكن كلامكم جميعا من الآن فصاعدا، نعم نعم للقضاء على الفساد، ولا لا للقضاء على الوطن”. فيما الهيئة السياسية في التيار حيت “كل قاضٍ يتجرأ بالحق ويقوم بواجباته رغم ما يتعرض له أحيانا من ظلم”.
وكانت القاضية توجهت السبت لليوم الثاني على التوالي إلى مكاتب “شركة مكتف للصيرفة” على الرغم من قرار عويدات بتسليم الملف إلى القاضي سامر ليشع الذي فوجئ بوجود زميلته في المكاتب رغم كف يدها، حيث تم بعثرة الأوراق في الشركة في وقت حصلت إشكالات أمام مبنى الشركة بين مناصري التيار العوني وبعض الموظفين والمحامين الذين اعترضوا على طريقة الاقتحام وتجاوز القوانين.
وإزاء ردود الفعل العنيفة التي قوبلت بها القاضية عون، غرد النائب جبران باسيل عبر صفحته على “تويتر” قائلا “إن الكلام عن الإصلاح ومكافحة الفساد لا معنى له إذا لم يكن هناك قضاء مستقل وجريء وفاعل؛ فالثورة الحقيقية هي ثورة القضاء النزيه الذي يلاحق قضايا الناس بوجه بعض القضاة الفاسدين الذين يخبئون بعض الملفات ويقصرون في بعضها ويعطلون بعضها الآخر”. وأضاف باسيل في تغريدة أخرى “عادة في الدول الفاشلة، تنقلب الناس على الأنظمة المستبدة فتطيح بها وتسترد حقوقها المنهوبة؛ أما عندنا، فالمنظومة الفاسدة انقلبت على الناس واستولت على أموالهم وهي تتحضر للانقلاب على أصول الدولة ووجودِها؛ فإلى من يلجأ الناس ليستعيدوا مدخراتهم؟ إلى القضاء الدولي؟ سنتكلم قريبا”.
وتعليقا على “المشهد الهزلي الذي تدور أحداثه على خشبة مسرح قضائي” كما وصفته “كتلة المستقبل” النيابية، فقد أكدت الكتلة في بيان أن “ما تابعه الشعب اللبناني على مدى يومين هو علامة من علامات محاولات استكمال الانقلاب على الدستور والنظام الديمقراطي عبر تعطيل المؤسسات ومحاولة نسخ “نظام الجماهيرية” الذي نتذكره كيف كان يحكم بذلك الاتزان العقلي المشهور”، وحذرت الكتلة “من ازدراء المؤسسات الدستورية ومن عمليات تحريض بعض القضاة على اغتصاب صلاحيات ليست لهم والتمرد على قرارات مجلس القضاء الأعلى ورئيسه والنيابة العامة التمييزية والتفتيش القضائي، عدا عن تحريض بعض القضاة أيضا على الاستنكاف عن المثول أمام المراجع القضائية المختصة، ورفض تبلغ الطلبات القانونية والقرارات القضائية، مما يؤدي إلى انتهاك القوانين والأنظمة وفقدان الشعب ثقته بقضائه”.
وأضافت الكتلة أنها “تستغرب أشد الاستغراب ما صدر من كلام عن وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ساوت فيه بين المرجعية القضائية الرصينة وقاض بات ينطبق عليه وصف “الفار من وجه العدالة”، مؤكدة أنه “لن تقوم جمهورية باختزال المؤسسات بغرفة أوضاع تمادت في استباحتها للدستور والقوانين، ولا يتصور أحد أن رئيس الجمهورية يمكن أن يكون حكما للبلاد بإلغاء السلطات الأخرى وانتهاج أسلوب التعطيل المزمن لعرقلة تشكيل الحكومة والتشكيلات القضائية وحشر لبنان في محور أدى به إلى الفقر والحصار والانهيار المالي والاقتصادي وفقدان الاحترام لدى الدول الشقيقة والصديقة”.
وفي موقف يعكس تقارب في النظرة بين “كتلة المستقبل” و”كتلة التنمية والتحرير” التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد مقدمة إخبارية لقناة NBN سخرت من “تجاوزات تضرب بعرض الحائط ما تبقى في هيكل القضاء عبر فذلكات قانونية”، فإن أمين عام “كتلة التنمية والتحرير” النائب أنور الخليل أعلن في تغريدة على حسابه عبر “تويتر” أن “ما يحدث على صعيد القضاء يكشف الصورة الحقيقية للعهد القوي، والقنابل الدخانية التي يطلقها رئيس تيار الإصلاح لتغطية العورة التي سببتها هذه الأحداث في القضاء لن تخفي حقيقة إخفاق العهد الظاهرة للعيان”.