شهد لبنان يوم أمس حدثا أمنيا خطيرا غير مسبوق، حيث لقي ثمانية حتفهم وأصيب 2750 من عناصر حزب الله بجروح منهم 200 في حالة حرجة، إثر انفجارات متزامنة لأجهزة اتصال يحملونها في مناطق مختلفة في لبنان تعدّ معاقل للحزب. وكان بين المصابين السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني. وهذا الحدث أكبر خرق أمني منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ينذر بتصعيد خطير على الجبهة اللبنانية، ترافق مع دعوة رئيس مجلس مستوطنة «شلومي» في الجليل الغربي القريبة من الحدود اللبنانية السكان إلى البقاء قرب الملاجئ، كما أعلنت إسرائيل إعادة تجهيز 97 غرفة طوارئ في مستوطنات الجليل.
تزامن هذا الحدث مع جولة عاموس هوكشتاين المبعوث الأمريكي الخاص، التي تقول أهدافها المعلنة إنها تسعى إلى الحيلولة دون انزلاق التصعيد بين الاحتلال و«حزب الله» إلى حرب شاملة، تخشى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن تشترك فيها إيران مباشرة، إلى جانب قوى تابعة لمحورها في لبنان واليمن والعراق.
وهذه الجولة السادسة لهوكشتاين تكسر الرقم القياسي الذي سجله وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في عدد الجولات إلى المنطقة.
هوكشتاين ظلّ يتفاوض مع «حزب الله» عبر وساطة من رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بصفة أساسية، أو على نحو شكلي مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. أما لدى دولة الاحتلال فهو اجتمع ويواصل الاجتماع مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش يوآف غالانت، ورئيس الكيان إسحق هرتسوغ.
دون طائل حتى الساعة، أو تحديداً في هذه الجولة بالذات حين تتوحد حكومة نتنياهو مع جنرالات الجيش وأجهزة الأمن وغالبية أحزاب المعارضة في المطالبة بتوسيع العمليات العسكرية على جبهة الشمال مع «حزب الله» تحت ذريعة إعادة سكان المستوطنات إلى بيوتهم التي تمّ إجلاؤهم عنها بعد تسخين إطلاق الصواريخ من الاحتلال إلى جنوب لبنان وبالعكس.
لكن هذا التوافق على إشعال جبهة الشمال لم يمنع تفاقم الخلافات بين نتنياهو والمجموعات المتطرفة داخل حزب الليكود والوزراء القوميين المتدينين والمتطرفين الفاشيين داخل الائتلاف الحاكم من جهة، ووزير الجيش وعدد من أبرز الجنرالات ورؤساء الأجهزة الأمنية الحاليين أو المتقاعدين من جهة مقابلة، حول تعنت نتنياهو في إدامة حرب الإبادة وتعطيل التوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والأسرى.
والمفارقة الأولى أن هوكشتاين اجتمع مع غالانت حول خفض التصعيد في الشمال، في وقت يشهد تزايد المعلومات عن عزم نتنياهو إقالة الأخير وتعيين جدعون ساعر بدلاً عنه، حتى إذا كان قرار كهذا سوف يعني انحناء نتنياهو أمام منشق عن الليكود وخصم شخصي سابق. المفارقة الثانية هي أن هوكشتاين يتوجب أن ينسق بشكل وثيق مع وضع متعطل ينخرط فيه برت ماكغورك مبعوث بايدن الخاص إلى الشرق الأوسط، الذي يجهد بدوره لاستكمال جهود بلينكن لإتمام صفقة تُنجي كامالا هاريس نائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي من انعكاسات ضارة على الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ولا يلوح أنه شفعت لجهود هوكشتاين وقائعُ سيرة ذاتية إسرائيلية، مثل ولادته في مدينة القدس المحتلة لأسرة يهودية أمريكية هاجرت إلى دولة الاحتلال، وخدمته في الجيش الإسرائيلي قبل عودته إلى أمريكا، وسلسلة المواقف المنحازة التي اتخذها لصالح الاحتلال على مدار الوظائف التي شغلها ابتداء من 2011 سواء في منصب المبعوث الخاص لتنسيق مسائل الطاقة الدولية أو كمساعد لوزيري الخارجية هيلاري كلنتون وجون كيري.
وإذا حالف الفشل جولة هوكشتاين السادسة هذه، كما هو متوقع، فإن النتيجة سوف تسجل كسر رقم قياسي جديد في فشل إدارة بايدن، أسوة بإدارات أمريكية سبقتها وستلحق بها، في تليين عريكة مجرم حرب مثل نتنياهو، تظل نجاته الشخصية ومستقبله السياسي والقضائي هي الأجندة الأولى والأولوية الكبرى.