بيروت- “القدس العربي”:
يخطف السباق الرئاسي في لبنان الأنظار منذ أيام في ظل المفاجآت التي تحيط بالاستحقاق الرئاسي وخلط الأوراق بعد تبني “اللقاء الديمقراطي” ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون وإعلان رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية استمراره في الترشح إلى حين الاتفاق على اسم على مستوى المرحلة في جلسة 9 كانون الثاني/ يناير، مشدداً على رئيس “بحجم الرئيس رفيق الحريري”.
وقد رأى البعض في إعلان “اللقاء الديمقراطي” بحضور الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تأييد قائد الجيش “كلمة سر” دافعة نحو تزكية انتخابه بعد عودته من العاصمة الفرنسية، حيث التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان بدوره تشاور مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب على هامش إعادة افتتاح كاتدرائية “نوتردام دو باري”.
إلا أن الإعلان الجنبلاطي أحرج بعض الجهات وأولهم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي رأى صعوبة في انتخاب قائد الجيش لأنه يحتاج إلى تعديل المادة 49 من الدستور بـ86 نائباً. وما لم يقله بري تستشعره أوساط سياسية تقول إن الرئيس بري يريد معرفة تصور الرئيس المقبل للجمهورية للتشكيلة الحكومية وإذا كانت وزارة المال ستبقى من حصة الطائفة الشيعية إضافة إلى عدد من المواقع في الدولة.
ثاني الأطراف الذي استفز رغم اعتراضه المعلَن على قائد الجيش هو “التيار الوطني الحر”، حيث نًقل عن رئيسه النائب جبران باسيل قوله “مش جنبلاط يلّي بيرشّح عن المسيحيين، هيدا هنري حلو تاني…” في إشارة إلى ترشيح جنبلاط في السابق عضو كتلته هنري حلو للتهرب من دعم ترشيح رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع. وقد جاء الرد على “التيار” من نائب عاليه السابق هنري حلو الذي كتب على منصة “إكس”: “مصادر رئيس التيار الوطني الحر تشبه ترشيح اللقاء الديمقراطي للعماد جوزيف عون بأنه هنري حلو تاني. مع تأييدي التام لترشيح قائد الجيش، أعتقد أن الأهم ألا يكون أي رئيس مقبل، كائنًا من كان، ميشال عون تاني”.
ثالث الأطراف التي تشعر بالإحراج هي “القوات اللبنانية” التي بدورها كانت تفضل أن يصدر الترشيح من المسيحيين باعتبار أنهم المعنيون الأساسيون بموقع رئاسة الجمهورية رغم أنها لا تضع فيتو على قائد الجيش، لا بل هي التي وقفت على مدى سنتين وراء اقتراح التمديد له في قيادة الجيش نظراً لتجربته الناجحة، لكنها ترغب في معرفة رؤيته السياسية للمرحلة المقبلة وكيفية تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والقرارات الدولية وحصر السلاح بيد القوى الشرعية فقط.
القوات لا تشكك بنوايا فرنجية: الأحرى به التوحد خلف جعجع لتجنب تشتت الأصوات
وهذا ما يفسّر تريث قوى المعارضة التي عقدت اجتماعها في بكفيا في دارة رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل في دعم ترشيح قائد الجيش في انتظار ما ستحمله التطورات في الأيام القليلة المقبلة، مع العلم أن “القوات” وهي أكبر كتلة نيابية مسيحية حالياً تفضل تأجيل جلسة انتخاب الرئيس لما بعد تسلم الرئيس ترامب مهماته في البيت الأبيض.
وأكد بيان المعارضة الذي تلاه النائب غسان حاصباني في بكفيا “أنها تقارب جلسة التاسع من كانون الثاني بجدية مطلقة، وتعتبر أن التعاطي مع الاستحقاق بما يستلزم من إرادة، يجب أن يفضي إلى انتخاب رئيس للجمهورية يكون مقدّمة لإنقاذ لبنان شرط الابتعاد عن النهج الذي كان سائداً طوال فترة التعطيل والذهاب إلى اختيار شخصية قادرة على قياس متطلبات المرحلة”.
وحول ترشيح “اللقاء الديمقراطي” لقائد الجيش، قال حاصباني: “لم نرشّح أحداً لأننا ما زلنا في مرحلة البحث والتشاور، وقائد الجيش من الأسماء التي نتناقش فيها”.
إلى ذلك، لقي موقف جنبلاط من ترشيح العماد عون قبل أيام من توجهه إلى دمشق للقاء قائد “هيئة تحرير الشام” أحمد الشرع المعروف بأبو محمد الجولاني انتقاداً من صحيفة “الأخبار” التي رأت أنه “في انتظار الجلسة المنشودة، يُمكن القول إن ما حصل من متغيّرات في سوريا كشف مرة جديدة عن أن الفريق الذي ينتحل صفة السيادة زوراً، هو فريق “بلسانين” ويبدّل ولاءه من “الأسدين” إلى الجولاني بثوبه الجديد والباب العالي الذي صارَت طريق الشام تمرّ منه، وهو الطريق الذي سيسلكه قريباً جنبلاط على رأس وفد من طائفة الموحدين الدروز ومن كتلة “اللقاء الديمقراطي” قبل الانتقال إلى دمشق لتهنئة أحمد الشرع بـ”انتصار الشعب السوري وانتصار الحرية في لبنان وسوريا”.
وكان رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية أكد “أننا نريد رئيساً على قدر المرحلة في جلسة 9 كانون الثاني وإلا لن نشارك في إيصال رئيس لا يملأ الموقع المسيحي الأول و”نبقى برّا أشرفلنا”. وأضاف “نريد رئيساً على قد موقع الرئاسة مش على قد الكرسي”.
وتابع “في بكركي عام 2015 كنا طرحنا نظرية الرئيس القوي وكنا حينها نقول إن للبعض حيثية حتى من خارج الأربعة المجتمعين ونحن استمرينا على هذا المبدأ. وأدعو الدكتور جعجع والجميع إلى حضور جلسة الانتخاب ولا يجب التهرب من المسؤولية والتوافق لا يعني الاتيان برئيس لا مشكلة لديه مع أحد”، مذكراً أنه “في ٩ حزيران/ يونيو الماضي دعوتهم للمنافسة ومن موقع القوة، واليوم ورغم الظروف أجدد الدعوة لأن التهرب من المسؤولية خطأ”.
وعلّق عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك على كلام فرنجية بالقول “لا نشكك بنوايا رئيس المردة، لكن بدلاً من أن يطلب ترشُّح الموارنة الأربعة الكبار للرئاسة لضمان الإتيان برئيس قوي، كان أحرى به دعوة هؤلاء للتوحد خلف الأقوى بينهم، وهو سمير جعجع، فنتجنب تناهشهم الأصوات ونوصل رئيساً بحجم فؤاد شهاب وكميل شمعون ورفيق الحريري”.
كذلك، علّق النائب ميشال ضاهر المعروف بتأييده لقائد الجيش على كلام فرنجية قائلاً “أحيّي الوزير فرنجية على موقفه الذي استمر بترشيحه لمنع “التهريبة” في جلسة 9 كانون الثاني”، في إشارة منه إلى محاولة النائب جبران باسيل الاتفاق مع الثنائي الشيعي على انتخاب شخصية لا تتمتع بالمواصفات المطلوبة والتمثيل الحقيقي بأكثرية 65 صوتاً.
وفي انتظار ما ستحمله الأيام المقبلة وإذا كانت جلسة الانتخاب ستكون حاسمة أم سيُضطر الرئيس بري بعد دورات متتالية إلى تأجيلها بسبب تشتت الأصوات بسبب تعدد المرشحين وعدم نيل أحدهم أغلبية 65 صوتاً، فإن الحركة تواصلت على أكثر من خط.
وزار وفد “اللقاء النيابي التشاوري المستقل” الذي يضم النواب الياس بوصعب، إبراهيم كنعان، ألان عون، وسيمون أبي رميا، مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، في دار الفتوى. وبعد اللقاء أشار النائب كنعان الذي يُطرَح كمرشح للرئاسة إلى “أن المطلوب الالتقاء على مشروع انقاذي واضح المعالم بالعودة إلى الدستور والسيادة وتطبيق وثيقة الوفاق الوطني والعودة إلى الشرعية الدولية، كما أن المطلوب عودة الجميع إلى كنف الدولة واحترام الشرعيتين الدستورية والدولية لاستعادة الثقة العربية التي نحتاجها ضمن محيطنا لنعيد بناء الوطن على أسس سليمة”، مشدداً على “أن هناك فرصة استثنائية لتطبيق القرار 1701 والطائف، وعلينا كنواب القيام بواجبنا في 9 كانون الثاني لنخرج من النفق المظلم الذي تعاني منه الدولة والشعب”.
وسئل كنعان عن دعم “اللقاء” الذي ينتمي إليه ترشيحه فأجاب “اسمي طُرح للرئاسة من خلال لائحة صدرت عن بكركي، وقد حصلت اتصالات ومواقف في هذا المجال. ومن الطبيعي أن اللقاء الذي أنتمي إليه يدعم هذا التوجه، ولكن الأهم يبقى أن نتفق على الرؤية الانقاذية والتكاتف حول رئيس يعطي الأمل ويقود الشعب اللبناني إلى طريق الخلاص”.
بموازاة ذلك، يتجه تكتل “الاعتدال الوطني” الذي يضم وجوهاً سنية بالتنسيق مع عدد من النواب لحسم ترددهم بعدما كانوا يصوتون لعبارة “لبنان الجديد” موقفهم من ترشيح قائد الجيش مع العلم أن بعض النواب يأخذ بعين الاعتبار أيضاً التصويت للنائب نعمة أفرام وآخرون للوزير السابق زياد بارود أو اللواء الياس البيسري أو الخبير الدولي في الشؤون المصرفية سمير عساف، الذي زار جعجع علماً أن اسمه متداول في الأروقة الفرنسية إلى جانب بارود.
وفي المواقف، كتب عضو “تحالف التغيير” النائب وضاح الصادق عبر حسابه على “إكس”: “من حق أي نائب أو كتلة طرح مرشحها لرئاسة الجمهورية، وهو حق يكفله الدستور ولا يمكن لأحد سرقته. ومع ذلك، يبدو أن البعض لا يزال يعيش في ديكتاتورية حلفائه في محور سقط إلى الأبد”.
تزامناً، وبعد انتهاء زيارته إلى أنقرة، حيث التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، انتقل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى مصر في زيارة رسمية بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي للمشاركة في أعمال “قمة منظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي”.
ويضم الوفد اللبناني إلى المؤتمر وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب ووزير الاشغال العامة والنقل علي حمية ووزير البيئة ناصر ياسين وسفير لبنان في القاهرة وجامعة الدول العربية علي الحلبي.