الدور الإقليمي لـ»حزب الله» على المحك اليوم، وهو يمر حالياً بمأزق صعب نتيجة الغضب الشعبي، وخيبة أمل الشيعة اللبنانيين أنفسهم وموقف المسيحيين. فهل ستكون الغلبة لإعلان الأخوّة الموقع من البابا، والداعي إلى بناء علاقة بين المسيحيين والسنة والشيعة على أساس مبدأ المواطنة المشتركة، في جميع البلدان؟ أم لتحالف الأقليات ضد السنّة؟
في لبنان كما في إيطاليا أيضاً عندما يستقيل رئيس الوزراء «يصعد إلى التلة»، لأن القصر الرئاسي يقع على إحدى تلال العاصمة. وعندما قرر رئيس الوزراء سعد الحريري التوجه إلى القصر الرئاسي، لتقديم استقالته لرئيس الجمهورية، أظهر بالتأكيد الشجاعة السياسية، التي اعترف بها الجميع لوالده على الدوام، وإن لم ينسبها إليه أحد قبل اليوم. ولكن ما هي الشجاعة التي يجب أن يتحلى بها رئيس وزراء يستقيل من منصبه، في بلد يحتل أربعة أخماس سكانه الساحات مطالبين باستقالته؟ وما هي الشجاعة التي يجب أن يتمتع بها رئيس وزراء يعرف أنه يرأس وزارة تصريف مصالح، ويؤمن غطاء لحكومة لا تمثله، لأنها حكومة أعدائه من حزب الله حلفاء إيران، وحكومة رئيس الجمهورية الماروني ميشيل عون؟ إن شجاعة سعد الحريري المستقيل تكمن في أنه نزع الغطاء الأخير عن أولئك الذين يحولون دون تشكيل حكومة تكنوقراط، حتى لو كان الثمن تأجيج حرب أهلية، تلك الحكومة التي قد تكون المخرج الوحيد لتفادي الحرب الأهلية في غياب السلطة التنفيذية، فلماذا؟
تحول لبنان منذ سنوات إلى أول أهداف الهجوم الخميني الرامي إلى إعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية القديمة، لتمتد من طهران حتى ضفاف البحر المتوسط، وإلى تصدير ثورة آية الله الخميني إلى ساحل بحرنا المتوسطي، وتعزيز مكانتها لتحتل موقع الصدارة في العالم الإسلامي. فإذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، فسيتمكن أتباع الخميني من السيطرة ليس على طهران فقط، بل على عواصم الخلافات الإسلامية السالفة، في بغداد ودمشق، وعلى الموانئ المطلة على البحر الأبيض المتوسط أيضاً، وبالتحديد على الموانئ اللبنانية، نظراً لأن الموانئ السورية خاضعة للسيطرة الروسية.
الانتفاضة الشعبية ضد الوضع الذي أفقر اللبنانيين، أظهرت حقيقة أن الشيعة في لبنان لم يعودوا يؤمنون بحزب الله بشكل أعمى
هذه الإمبراطورية الجديدة تحتاج إلى دعم المسيحيين للحصول على شرعيتها، ونفي صفتها كسلطة إمبريالية مستعمرة، والتأكيد على كونها ناتجاً لتحالف الأقليات الدينية في المنطقة، والأقلية الدينية الشيعية المسلمة ضد الأغلبية المسلمة السنية، المصنفة كمسبب أساسي لكل شرور المنطقة.
إن سعد الحريري، السني، يعلم تماماً استحالة اعتماده على أغلبية عددية لمواجهة هذا المخطط، الذي يستمد قوته من ميليشيات حزب الله المسلحة، ومن الغطاء المسيحي الذي يمنحها الشرعية اللازمة أمام الغرب، نازعاً عنها صفتها الجهادية، ومحولاً إياها إلى ميليشيات «مقاومة» للإرهاب، هكذا وجد الحريري أن الطريقة الوحيدة للوقوف بوجه هذه الميليشيات هي إنشاء حكومة تصريف مصالح، تخدم مصالح الجميع، مصالحه بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى مصالح الآخرين أيضاً، علّها تؤجل القرارات المهمة التي يجب اتخاذها، وذلك بانتظار ما ستفضي إليه التطورات في أماكن أخرى خاصة في العراق وسوريا.
إن الانتفاضة الشعبية ضد كل هذا الوضع الذي أفقر غالبية السكان، أظهرت حقيقة لم تكن في الحسبان، وهي أن الشيعة في لبنان لم يعودوا يؤمنون بحزب الله بشكل أعمى، فما فعله الحزب في سوريا ضد الملايين من أخوتهم العرب وأشقائهم المسلمين أزال الغشاوة عن عيونهم. هكذا نجد أنفسنا اليوم أمام أزمة بالغة الحساسية: إذا قبل حزب الله بحكومة تقنية خسر تمويله من خلال حكومة تصريف المصالح السابقة الذكر، لأن هذه الأموال ضرورية لبقائه، خاصة في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه وعلى ممولته إيران. إن الترسانة العسكرية مكلِفة شأنها شأن الميليشيات، وتستلزم غطاء حكومياً لشبكات حزب الله العاملة في التهريب على صعيد دولي، والممتدة حتى المكسيك والنيجر. كل ذلك يمر عبر موانئ ومطارات لبنان. تضاف إلى ذلك صورة حزب الله نفسها: كيف له أن يقبل بطرده من حكومة بلده، في الوقت الذي يعمل فيه على تغيير حكومات بلدان أخرى في سوريا واليمن والعراق؟
إن البعد الإقليمي الهائل لهذه الأزمة يكمن في هذه النقطة بالذات، فالمسألة تتعلق بدور حزب الله الإقليمي، الذي يواجه وضعاً حرجاً بسبب الغضب الشعبي، وخيبة الأمل لدى الشيعة اللبنانيين أنفسهم وموقف المسيحيين. إن سعد الحريري باستقالته هذه كشف عن وجود صدع داخل أسرة الجنرال عون نفسها: فصهره الأكثر شهرة والذي يشغل منصب وزير الخارجية حالياً، يريد السير قدماً في تحالفه مع حزب الله، بدون أي تردد، أما صهره الآخر فله رأي معاكس تماماً. لكن أهم المسائل وإن لم يرد ذكرها حتى الآن، هي استعداد الرأي العام الشيعي والسني والمسيحي للسير على الطريق الذي خطه البابا فرنسيس، واختيار المواطنة المشتركة والمتساوية. هذا الأمر بطبيعة الحال يقض مضاجع كل الذين أدركوا مدى قوة هذا الخطاب المزلزل. لهذا السبب فإن رئيس البرلمان نبيه بري، سيد كل الحروب، الشيعي غير المنتمي إلى حزب الله والمتحالف معه لأسباب طائفية، دعا إلى الحوار بين جميع التيارات السياسية، متجاهلاً الأبعاد الطائفية للأزمة، وإن كانت الرهانات لا تتعلق بلبنان فقط بل لها أبعاد إقليمية، إن لم نقل عالمية أيضاً. من الواضح أن موقف نبيه بري يضعف حزب الله، الذي اتهم ثلاثة ملايين لبناني من أصل ثلاثة ملايين ونصف مليون لبناني بالغباء، أو بكونهم ممولين من الخارج. وعلى الرغم من الدور الكبير الذي تمتع به نبيه بري على الدوام، فقد تحول اليوم إلى مجرد لاعب احتياطي لحزب الله، لذا فهو يعرف تماماً أنه سيستفيد من إضعاف حزب الله سياسياً، لكن ذلك قد لا يكون كافياً لإنقاذ لبنان.
على المحك الآن امبراطورية تمولها إيران بمليارات الدولارات منذ عام 1982. ونحن اليوم أمام دليل ملموس على إمكانية حصول تحول تاريخي للعلاقات الإسلامية المسيحية، لا يلبي رغبات قادة الميليشيات، بل يعكس طموحات الملايين من العرب على اختلاف عقائدهم. ومن يدري إن كان العالم أو أوروبا، هذا إذا كان هناك وجود سياسي لأوروبا الموحدة أصلاً، سيأخذان هذا الأمر بعين الاعتبار في نهاية المطاف.
كاتب صحافي إيطالي
ترجمه من اللغة الإيطالية: سامي حداد أستاذ الأدب العربي في جامعة نابولي
الشرعي الشجاع فقط هو من يستقيل تحت رغبة الثائرين اما الميلشيات الجبانة القابعة في الكهوف والمؤتمرة بمن يزودها بأسباب الحياة وليس لديها الآية شرعية فستبقى تراوغ لكن سقوطها سيكون مدوي ان شاء الله لان الخائن مصيره الغواية والزوال فالله لايهدي كيد الخائنين، ولقد فضحت التمثيليات كل ما يدور ويدعمه الغرب هو ضد المكون الأساسي لكل بلاد العرب وليس الدخلاء ، كفى تحريفاً للتاريخ متى كان هم الخائن العميل فلسطين وتحريرها ، الكل لعب على نفس الوتر بتمثيليات فضحها الله بعد حين، وانتظروا أنا منتظرون.
إن كان المسؤول السياسي الاول عن ما وصل اليه لبنان من فساد شامل قد صار بطلا باستقالته فهل يمكن وصف مبازك والبشير وبوتفليقة انهم ابطال أيضا؟
لم يخرج الحريري يوما من عباءة آل سعود أولياء نعمته الذين ارتهنوا لبنان بتنصيبه عنوة في رئاسة الحكومة لضمان مصالحهم السياسية ولجم قوة حزب الله وتوجهاته..ولست ادري حقيقة هل يوجد تعريف للعمالة أوضح من هذا ام انه يجب التذكير بالضرب والاهانات التي تلقاها في الريتز لانه فشل في بعض ما تم تكليفه به.
على كل حال فانهم كثر اوائك الذين يتم استعمالهم لتخريب الاوطان ثم تعلق لهم نياشين الشجاعة قبل ان يلقى بهم في مزبلة التاريخ.. ولله الامر من قبل ومن بعد.