بيروت – «القدس العربي» : مازالت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة ترخي بثقلها على شريحة واسعة من المواطنين اللبنانيين وتحرمهم من التمتع بعيد الأضحى بشكل طبيعي بعد تراجع قدرتهم الشرائية نتيجة احتجاز أموالهم في المصارف أو نتيجة تدنّي قيمة رواتبهم قياساً للدولار الأمريكي. وقد انعكست هذه الحالة سلباً على العائلات التي باتت تجد صعوبة في الذهاب إلى السوبرماركت لتبضّع المأكولات الضرورية فيما هي عاجزة كلياً عن التوجّه إلى المجمعات التجارية لشراء ثياب جديدة لأفراد العائلة، خصوصاً أن أقل قطعة ثياب من الأسواق الشعبية هي بحدود مليون ليرة؛ أي ما يوازي 11 % من راتب الموظف في القطاع العام بعدما صار يتقاضى ثلاثة أضعاف راتبه السابق الذي كان ثلاثة ملايين ليرة لبنانية؛ أي 2000 دولار عندما كان سعر الدولار يساوي 1500 ليرة. أما اليوم فإن هذا الراتب المضاعف والذي يبلغ 9 ملايين ليرة لا يساوي إلا 100 دولار. وقد انعكس هذا الواقع غياباً للزيارات التي كانت تتم للمعايدة، خصوصاً أن سعر هدية الحلويات بات يكلّف نحو 20 دولاراً، وغياباً لأطباق الدجاج واللحمة التي أصبحت بمثابة كماليات، وليست طبقاً رئيسياً في العيد.
وفي جولة لـ «القدس العربي» على بعض المناطق اللبنانية وجدنا أن مجمّع «سيتي سنتر» القريب من الحازمية والضاحية الجنوبية لا يعجّ كثيراً بالزوار، وتقتصر فيه الحركة على من يتقاضون رواتبهم بالدولار. وأوضح أحد العاملين في محل تجاري معروف للألبسة أن «حركة البيع موسمية، وكثيراً ما نرى مواطنين يدخلون ويتفرّجون على البضاعة، وعندما يسألون عن السعر يغادرون آسفين».
وعن أسعار الثياب يقول: «تتراوح بين 30 و100 دولار»، لكنه يضيف: «يمكن أن تجد بجانبنا متجراً لديه أسعار ما بين 9 و40 دولاراً بما يناسب طاقة بعض العائلات». أما بخصوص سوبرماركت «كارفور» داخل المجمّع الذي يبيع المأكولات وبعض مستلزمات المنازل، فكانت الحركة فيه أقل من عادية مع العلم أن هذا السوبرماركت أعلن عن عروض لمناسبة عيد الأضحى.
بالانتقال إلى صيدا، تسأل الإعلامية هنادي السمرا «بأي حال عدت يا عيد»، وقالت لـ «القدس العربي»: «هذا ما يصح قوله عشية عيد الأضحى الذي يتزامن في لبنان مع أزمة اقتصادية خانقة، وانهيار في كافة القطاعات، وسط احتدام سياسي ودستوري على محور الشغور الرئاسي والصلاحيات الحكومية وتداعيات ملف النزوح».
وأضافت: «وسط كل ذلك، يحمل العيد بغض النظر عن معانيه السامية، غصّة عند المسلمين بشكل خاص، لا بل عند اللبنانيين جميعاً، فإذا كان البعض قادراً على الصمود نتيجة لدعم الأبناء في دول الاغتراب، فالبعض الآخر تراه لا يجد قوت عياله، فكيف بالحري التفكير في متطلبات العيد من مأكل وملبس، وأين نحن من أيام العز؟ حينها، كان العيد يعتبر فرصة للتلاقي بين الأحباء والأصدقاء ويجتمعون على ولائم الكرم والوفرة ويتبادلون العيديات».
في مدينة عاليه، قررت البلدية بالتعاون مع جمعية تجار المدينة إنارة الشارع الرئيسي بالأضواء جذباً للسيّاح، خصوصاً أن المدينة إضافة لبحمدون وصوفر كانوا يعتبرونها في الخمسينيات والستينيات حتى منتصف السبعينيات من أهم مراكز الاصطياف للرعايا العرب، الذين يملكون فيلات وعقارات هناك.
وقد لاحظنا بداية حركة في المطاعم والمقاهي المنتشرة على جانبي الطريق في سوق عاليه الرئيسي والتي يأمل مسؤولون في جمعية التجار أن تنشط أكثر في الأيام القليلة المقبلة مع عودة مغتربين لبنانيين ومع توقّع قدوم مجموعات من الدول العربية والخليجية.
إلى بعلبك، تنشط جمعية «سيف سايد» مع الجالية اللبنانية في دبي لمساعدة العائلات اللبنانية المحتاجة. ويقول رئيس الجمعية، حسين ياغي لـ «القدس العربي»: «ترسل الجالية اللبنانية، للجمعية ملبوسات مستعملة، فنقوم بغسلها وكيّها وتوزيعها على العائلات المحتاجة، كما نقوم بتوزيع حصص غذائية وحلوى العيد على المساجد بعد صلاة العيد».
ويضيف: «الحركة في سوق بعلبك مقبولة نوعاً ما، لأن هناك مغتربين يأتون من الخارج، ما يجعل هذه السوق تتنفّس وتشهد إقبالاً من قبل السيّاح، وهذا نتيجة الخطة الأمنية الموضوعة، فالوضع الأمني الممسوك في بعلبك الهرمل أكثر من آمن خلافاً للروايات التي كان يضيء عليها الإعلام، فبعلبك لم يكن ينقصها سوى الأمن والآن بعد اكتمال الخطة الأمنية أصبحنا متفائلين بدورة اقتصادية في المنطقة».
أما طرابلس فتبدو التحديات فيها أكبر، حيث إن عاصمة الشمال تضم أحياء فقيرة وشعبية أصابتها الأزمة الاقتصادية والمعيشية في الصميم. وفيما يشكو مواطنون في ساحة النور من عدم التفاتة مسؤولي المدينة بشكل كاف إلى أبناء مدينتهم المحتاجين، فالأمر لا يخلو من مبادرات إنسانية تظهر التكافل الاجتماعي، فيما يشكو مواطنون من عدم قدرتهم على أداء فريضة الحج بسبب التكلفة العالية لتذاكر السفر والإقامة.
يبقى أن عيد الأضحى هو مناسبة غالية على قلوب المسلمين، وإذا كانت فرحة العيد لن تدرك طريقها إلى كثير من العائلات اللبنانية التي تآكلت قدراتها المادية فإن المبادرات الإنسانية مازالت تولد من رحم الأزمات، ومازال المغتربون اللبنانيون يقفون جنباً إلى جنب مع أقاربهم لتخطي هذه المرحلة الصعبة من تاريخ الوطن والتي يأمل الشعب اللبناني ألا تطول.