لبنان من شعارات تشرين «المدنية» إلى هتاف «شيعة شيعة» والعراق ينتخب السيد!

حجم الخط
4

هكذا تبدل المشهد في بيروت، بين مظاهرات ثورة تشرين المدنية، وشعاراتها العلمانية إلى مسيرات آلاف الشباب اللبنانيين يهتفون «شيعة شيعة» مع صوت فتاة تقول لعشرات المقاتلين المدججين بالسلاح «الله يحميكن» قد تكون هذه الفتاة إحدى المشاركات الأوائل في الحراك الشعبي في لبنان، عندما حرق أول إطار سيارات في الضاحية الجنوبية، وكان مناصرو حزب الله وحركة أمل منضوين في الاحتجاجات، قبل أن ينقسم الحراك نفسه، وتتحول مظاهرات أحياء بيروتية كزقاق البلاط والخندق الغميق إلى حركة مناهضة لتشرين، وتعود خطوط التماس بين الأحياء خلال المظاهرات، ومنها خط الشياح عين الرمانة، الذي اندلعت عنده الاشتباكات الأخيرة بين أنصار القوات اللبنانية ومناصري حزب الله وأمل.
ومن الملاحظ أن الكثيرين يحشرون إيران بكل طلقة رصاص تحصل بين فرقاء الحروب الأهلية من العراق للبنان، كما حصل في اشتباك الشياح عين الرمانة، إيران اصبحت شماعة ممجوجة لنزاعاتنا الأهلية، فاشتباك اليوم الذي وقع في محور الشياح-عين الرمانة هو خط تماس قديم بالحرب الأهلية اللبنانية منذ 1975، أي قبل أن يصل الخميني للحكم في طهران! يومها كان الخميني لاجئا بالنجف، يتلقى مساعدات من موسى الصدر اللبناني!
نزاعات الأحياء الأهلية جزء من التوترات المحلية المستمرة، ومنطقة الشياح محور متوتر حتى مع طريق الجديدة السني، وليس فقط عين الرمانة المسيحي، وهناك قصة سبق أن كتبتها عن التوترات بين الشياح وطريق الجديدة، عندما كان ركاب «فان رقم 4» الشيعة يستهدفون مع كل توتر كما حصل عام 2013.
وفي العراق، لا يختلف المشهد كثيرا، فبعد شهور من تظاهرات ثوار تشرين العراقية، وتبنيهم شعارات مدنية، معارضة لأحزاب الحكومة، ينتخب سكان الأحياء الفقيرة كمدينة الصدر والشعب في بغداد السيد مقتدى الصدر، تلك الأحياء التي غذت التظاهرات وثورة تشرين. إذن بعد تعليق آمال على تحول في مزاج الشارع الشيعي ضد الأحزاب الدينية، تفوز الأحزاب نفسها، وتحصل حركة امتداد ممثلة تيار تشرين على 10 مقاعد فقط من 330 مقعدا في البرلمان العراقي. تتبدل اسماء القوائم الانتخابية من انتخابات لأخرى، لكنها تضم الأحزاب الشيعية نفسها، والقادة التيار الصدري وحزب الدعوة المالكي، والمجلس الأعلى وبدر وبقية الفصائل التي تشكلت لاحقا من المنشقين عن هذه الأحزاب كقيس الخزعلي، الذي ترك مقتدى الصدر وانضم للعامري قائد بدر، في تحالف الفتح الانتخابي، وعمليا لم يختلف المشهد الانتخابي في المحافظات الشيعية والكردية عام 2021، عن مثيله في أول انتخابات عراقية نهاية عام 2005، لكن ما يتبدل هو فقط عناوين وتحالفات بشكل آخر، مثلا قائمة العبادي في انتخابات عام 2018 حصلت على نحو 42 مقعدا، لكن بعدها بأسبوعين انشق عنه الفياض وحركة عطاء، والحزب الإسلامي (الإخوان) والمؤتمر الوطني بقيادة نسيب أحمد الجلبي، وهكذا بقي للعبادي 12 مقعدا فقط. منذ البداية، أدرك المتعمقون في فهم هوية المجتمع العربي المشرقي والعراقي تحديدا، مدى رسوخ هذه الانتماءات وهشاشة حركة التغيير المدنية، بل حتى الأمريكيون باتوا يتعاملون بواقعية مع مجتمع له ميول دينية وقبلية، ووضعوا جانبا مشاريع التغيير المدني، رغم محاولاتهم في البداية تحجيم، أو كبح جماح القوى الشيعية، بدعم شيعة علمانيين مثل علاوي، ويقول بول بريمر في مذكراته، إنه حاول تصميم نظام انتخابي يقلل من فرص القوى الإسلامية الشيعية والبعثيين في انتخابات 2005 ويبدو أن محاولاته كانت بلا جدوى.

بعد تعليق آمال على تحول في مزاج الشارع الشيعي، تفوز الأحزاب نفسها، وتحصل حركة «امتداد» ممثلة تيار تشرين على 10 مقاعد فقط

منذ عام 2005 شكلت القوى الشيعية ائتلافا أطلقت عليه «الائتلاف العراقي الموحد» مثّل تحالفا لكل قوى الإسلام الشيعي في العراق، وعلى رأسها حزب الدعوة والمجلس الأعلى وبدر والصدريين، وبالطبع فاز هذا الائتلاف الشيعي بما يقارب نصف المقاعد في الانتخابات الأولى الخاصة بالحكومة المؤقتة، ومن ثم كرر فوزه وإن بعدد أقل من الأصوات في أول انتخابات بعد تشكيل الدستور نهاية عام 2005، وبعدها بستة أشهر شكل المالكي الحكومة الأولى بعد احتلال العراق 2003، وفي الانتخابات اللاحقة عام 2010 و 2014 وحتى الانتخابات الأخيرة في 2021، تهيمن الأحزاب الشيعية نفسها التي كونت سابقا الائتلاف الشيعي، على أصوات المحافظات الشيعية. ولا يختلف المشهد في المحافظات الكردية، حيث يهيمن حزبا البارزاني والطالباني على أصوات الناخبين بعد 15 عاما من أول انتخابات عراقية.
أما المحافظات السنية فقد اختلفت الوجوه، وظل القلق نفسه يخيم على العرب السنة على مصيرهم، بعد تضاؤل دورهم السياسي مقابل الشيعة والكرد، في عراق ما بعد 2003، حيث عملية سياسية تعتمد على انتخابات لا تروق للسنة كثيرا، لسبب بسيط وهو تواضع حجمهم السكاني، الذي حدد سقف دورهم في سلطة يهيمن عليها الشيعة. حتى في عام 2021، وبعد جهود منظمة للتحديث والتوعية، ونشر المفاهيم المدنية العلمانية في العراق، يعود أكثر التيارات الدينية الشعبوية ليتصدر الانتخابات بقيادة معمم شاب، يتعجب البعض: كيف يعود الجمهور الشيعي لينتخب من تولى أفشل الوزارات الحكومية الخدمية كالصحة، الإجابة ببساطة هي أن الجمهور لا يفكر بالخدمات في اختبارات الولاءات لرموزه. رغم شيوع تحليلات عن تلاشي واضمحلال دور الإسلام الشيعي في العراق، تبين أن أحزاب الإسلام السياسي الشيعي لا تزال تحصد النصيب الأكبر من المقاعد الشيعية، بينما حصلت قائمة ناشطي تشرين، (امتداد) نحو عشرة مقاعد فقط، وحتى لو أضفنا الثلاثين مقعدا التي حققها المستقلون فإن نسبة المقاعد الخارجةً عن حصة قوى الإسلام الشيعي تبقى محدودة، واللافت أيضا أن مقاعد حركة امتداد المرتبطة بمحتجي تشرين حصلت على أصواتها حصرا في المحافظات الشيعية دون الكردية والسنية، وهو ما يضعف صورتها كحركة مدنية، عراقية التمثيل، وعابرة للطائفية، وهو ما يعني أن حراك تشرين كان في جزء منه نزاع شيعي شيعي. وطبعا الحديث الدائر الآن بعد الانتخابات يدور حول التزوير، عموما التزوير في الانتخابات إن حصل، فهو يزيد حصة قائمة فائزة أو يخفضها، ولا يعني خلق فائزين! في الحقيقة معظم المناطق معروف الفائز فيها مسبقا، بسبب تحالفات عشائرية، أو ولاءات لمراجع دينية، مدينة الصدر مثلا معروف مسبقا من ستنتخب! وعندما نرى أن مدينة الصدر لا تنتخب الصدريين والكرادة في بغداد تنتخبهم، وقتها يمكن أن نقول إن هذا تزوير جذري.
الانتخابات عكست ميول الشارع العراقي عموما، ونسبة المشاركة التي يجمع عليها المراقبون والتي لا تتجاوز 35%، تعكس عينة كبيرة من المجتمع العراقي، وإن لا يبدو أنها وصلت لنسبة 41% كما ادعت المفوضية. اما من يعتقد أن إيران وحلفاءها بالعراق يسيطرون على كل مفاصل الدولة ويتحكمون حتى بالانتخابات، عليه أن يتساءل؛ كيف إذن سجلت القائمة الاقرب لإيران (الفتح) اسوأ نتائج تقريبا بين الفرقاء الشيعة؟ إذن هناك مبالغة في هذا القول.
النقطة الثانية المثيرة للجدل اليوم هي التوترات بين القوائم الشيعية الفائزة، ومن سيشكل الكتلة الحكومية، في تقديري لن يصل التوتر لمرحلة عصيبة، وحتى إن وقعت اشتباكات، فالمراجع الشيعية وطهران غالبا ما تنجح في إيجاد تسوية لخلافات الفرقاء الشيعة، وما يحصل من تصعيد من الحشد هو بتقديري ضغط للحصول على ما تبقى من مقاعد أولا، وأيضا تهدف القوى الشيعية المتحالفة فيما يسمى التنسيقية الشيعية التي تضم المالكي والحشد وباقي الكتل عدا الصدريين، للتهيئة لأجواء المفاوضات وتشكيل كتلة أكبر ومحاولة الضغط لتشكيل حكومة توافقية، أرى أن للمالكي حظوظا أكبر في ترؤسها، ولنتذكر أنه وفي اخر ثلاثة انتخابات عراقية، لم يكن رئيس الحكومة ينتمي إلى القائمة الأولى الفائزة.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الوضع العراقي هو هو !
    لم ولن يتغير!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول سامح //الأردن:

    *كل التوفيق للعراق الشقيق بغد مشرق مزدهر إن شاء الله بعيدا عن التعصب والطائفية الحمقاء.
    حسبنا الله ونعم الوكيل.

  3. يقول متابع:

    ليس العراق من انتخب مقتدى الصدر
    بل الإمارات

  4. يقول متابع:

    ليس العراق من انتخب مقتدى الصدر
    بل الإمارات هي التي اختارته فائزا لهذه الدورة
    بعد فبركة النتائج في برامج الحاسبات المخترقة من الهاكرز

إشترك في قائمتنا البريدية