لبنان والعراق: الخطابات لتبرير الانتهاكات!

حجم الخط
14

بعد يوم من إلقاء الرئيس اللبناني ميشال عون خطابا لا يقدّم فيه للمحتجين اللبنانيين بمئات الآلاف أي شيء ذي معنى غير وعود لا يضمن أحد تطبيقها ودعوة خلّبية للمتظاهرين «لمشاركته هواجسهم»، ظهر حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، ليرفع سقف الرفض لاستقالة الرئيس أو الحكومة أو الانتخابات المبكرة أو بإسقاط النظام الطائفي، مفضلا التركيز على الهموم المعيشية، واتهم المحتجين بأن «جهات معروفة» تقودهم. وردا على مطالب كشف السرّية المصرفية للمسؤولين، طالب «الجهات المعروفة» التي تقود الاحتجاجات بـ«كشف السرية المصرفية» خاصتهم، رابطا الحراك بسفارات أجنبية، خالصا في النهاية إلى التهديد المبطن بـ«جر البلد إلى حرب أهلية».
في اليوم نفسه لخطاب نصر الله، ألقى رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي خطابا وعد فيه، كما لمّح عون، بإجراء تعديلات وزارية بعيدا عن المحاصصة، كما وعد، كما فعل رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في «الورقة الإصلاحية» التي اقترحها، تقليص رواتب المسؤولين والوزراء والنواب والدرجات الخاصة والوكلاء والمدراء العامين، إضافة إلى وعود أخرى من وزن الريشة يعود – كزملائه في لبنان ـ لاستخدام المسطرة الحقيقية فيدافع عن لجنة التحقيق بأحداث التظاهرات الأخيرة، ويرفض إجراء انتخابات مبكرة باعتبارها «مغامرة»، ويعتبر استقالة الحكومة «ذهابا نحو الفوضى ومعاداة للإصلاح» ويحمّل الحكومات السابقة مسؤولية الديون الكبيرة التي يحملها العراق، ويرفض قيام تظاهرات «من دون موافقة وزارة الداخلية» الخ.
بعد وقت قصير من إلقاء عبد المهدي خطابه المذكور، والذي وعد فيه بإطلاق سراح جميع المتظاهرين المعتقلين وعدم ملاحقة وسائل الإعلام والاعتراف بخطأ زج القوات المسلحة، كانت آلة القتل تعاود حصد المتظاهرين حيث وقع أكثر من ألف جريح وما زال رقم القتلى غير معروف، وهو ما يعني أن الخطاب كان ستارا دخانيا، وأن المقدمة الافتتاحية عن «ضمان الحريات والأمن وفرص العمل»، والاعتراف بـ«أزمة النظام» كانت كلمة السرّ لـ«خلية الأزمة» التي انكشف سرّها مؤخرا للاستمرار بقتل الحريات والحفاظ على نظام البطش والاستهزاء بالشعب العراقي.
على المستوى اللبناني، فقد نفّذت «بروفة» جديدة لطريقة التعامل مع الاحتجاجات، تمثّلت بظهور مناصرين لـ«حزب الله» في ساحة رياض الصلح وسط بيروت، قبل ساعة من خطاب نصر الله، حيث قاموا بمحاولات لترهيب المحتجين والاعتداء على الإعلاميين، ورشقهم بالحجارة كما اعتصموا أمام مبنى إحدى القنوات التلفزيونية احتجاجا على نقلها المباشر لحركة التظاهرات وأطلقوا الشتائم ضدها، وهكذا فقد قام الخطاب بتجريم الاحتجاجات الشعبية فيما قام المناصرون بمحاولة ترويعها.
يجمع بين الخطابات الرسمية في العراق ولبنان الوعود المعسولة مع رفض التغيير الحقيقي وعرض حلول ترقيعية مؤقتة إضافة إلى تأثيم الحراك الشعبي، بطرق مباشرة أو غير مباشرة، والتحريض بالتالي على إنهائه بطرق عنفيّة، وهو أمر تتكفّل به قوات الأمن في العراق بطريقة وحشيّة، فيما يتمرّن أنصار «حزب الله» وحركة «أمل» و«التيار الوطني» على إظهار قوّتهم لشق الشارع وتذريره مجددا إلى جهات طائفية وأحزاب تعد بتوزيع الرشاوى على محازبيها وأنصارها.
ومقابل محاولات التقسيم والتجزئة والتهشيم التي تتم ممارستها ضد المحتجين، فإن الجمهور، في لبنان والعراق، يقوم بالتمسك براية وطنه، ويعيد نسج السرديّة الوطنيّة التي ضربتها الأحزاب الطائفيّة، ولا يتردد من أجل ذلك في مواجهة الموت.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سوري عتيق:

    أنه الربيع العربي الشامل، الشعب يريد، هذا هو الواقع العربي اليوم، وكل الذين كانوا يعتقدون أن الربيع العربي اندثر كذبتهم هذه الجماهير الهادرة، الثورات المضادة هي التي ستندثر وليس العكس وانا متأكد بأن اوصال هؤلاء ترتعد اليوم امام إصرار الجماهير

  2. يقول عبد القادر:

    خلاصة القول حكم الشيعة يؤدي الى طريق مسدود

  3. يقول آصال أبسال:

    /هذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهيريُّ اليقينيُّ بالصِّرَاعِ بينَ طبقةِ الطُّاغِيَةِ العَتِيِّ وبينَ طبقاتِ الشَّعْبِ المَعْتِيِّ (عَلَيْهِ) أيًّا كانَ في تاريخِ مَدِّهِ، هذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهيريُّ اليقينيُّ الذي تمخَّضَ عن مَدَى القَمْعِ والقَسْرِ والقَهْرِ ومَا تمخَّضَ عنْهَا بدَوْرِهَا من بُؤْسٍ نفسيٍّ-اِجتماعيٍّ مدِيدٍ زائدٍ عنْ حدِّهِ، هذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهيريُّ اليقينيُّ الذي حَطَّ كلاًّ من أنظمةِ الطُّغْيَانِ المَعْنِيَّةِ في مَحَطٍّ مُنْحَطٍّ لَمْ يَعُدْ في مَقْدُورِهِ التَّحَكُّمُ فيهِ بالسِّيادَةِ والسِّيَادِ لَدَى اشتدادِ ذاك الزَّنْدِ، زَنْدِ الشَّعْبِ السُّودَانِيِّ أوِ الجَزَائرِيِّ أوِ اللِّيبِيِّ أوِ المِصْريِّ أوِ اليَمَانِيِّ أوِ العِرَاقيِّ أوِ الأُرْدُنِّيِّ أوِ الفِلَسْطِينِيِّ أوِ السُّورِيِّ أوِ القَادِمِ والقَادِمِ، لا مَحَالَ، لَدَى اشتدادِ ذاك الزَّنْدِ، زَنْدِ الشَّعْبِ الزَّنُودِ في شَدِّهِ/..
    عن القسم (9) من مقال غياث المرزوق «ذلك الغباء القهري التكراري: طغاة التقدم أم بغاة التهدم؟» الذي نُشر في عدة صحف ودوريات عربية قبل أكثر من خمسة شهور.. !!
    يتبع..

  4. يقول بلحرمة محمد:

    تبريرات كثيرة ومتنوعة ومتعددة تكون دائما جاهزة لدى الانظمة العربية لتجريم الاحتجاجات والمظاهرات التي تطالب بالحقوق بشتى انواعها حتى تبرر استعمال القوة المفرطة لقمع الجماهير الغاضبة واخافتها ومحاولة كسر وحدتها والعمل على تفرقتها فحتى لو كنت اعتقد ان المؤامرات الخارجية لديها اليد الطولى في احداث العالم العربي ولكني اؤيد حق الناس في التظاهر طلبا للحقوقها المهضومة من طرف انظمة شهد عليها القاصي والداني بفسادها الشديد وهي بالتالي عنصر اضافي من المؤامرة التي تستهدف الوطن العربي اوطانا وشعوبا فمهما كانت الظروف فالامور ستتغير ان عاجلا او اجلا رغم انف الرافضين.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية