تماماً كما لاءات أيهود باراك الأربعة التي صدمت الكثيرين ممن انتظروا بشغف وصوله إلى موقع رئيس الوزراء في إسرائيل نهاية القرن الماضي، خرج رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني الحالي نفتالي بينيت، ليعيد اجترار الماضي بلاءات جديدة قبيل توجهه للقاء الرئيس الأمريكي جو بايدين الأسبوع الماضي: لا حل مع الفلسطينيين، لا قنصلية في القدس، لا لوقف الاستيطان، لا دولة فلسطينية.
المضيفون الأمريكيون في المقابل، ممن كانوا قد أبلغوا القيادة الفلسطينية بأنهم طلبوا من بينيت أن لا يأتي إلى واشنطن خالي الوفاض، وأن يأتي بشيء في جعبته للفلسطينيين، عادوا و»قلّموا» تصريحاتهم خلال وجود الأخير بصورة لا تزعج ملك إسرائيل الجديد، ولا لوبيات الضغط الداعمة له، رأفة بتحالف الحكومة الصهيونية الهش وخوفاً من غضب مناصريها.
الخطاب الأمريكي من الرئيس ووزير خارجيته وكل من أذن لهم بالحديث خلال الزيارة المذكورة، عاد ليشير إلى خطوات اقتصادية مطلوبة من إسرائيل، وهو ما يقدم مفهوماً ظاهره سياسي، وعلى طريقة شمعون بيريز وبنيامين نتنياهو من قبلهم، ألا وهو الحل الاقتصادي. هذا الحديث إنما يخدم حسب الكثيرين مفهوم الحل التكتيكي، الهادف إلى تخفيف الضغط على الفلسطينيين مادياً لا سياسياً، عبر خطوات رأيناها سابقاً، لتشتمل على زيادة عدد تصاريح التنقل المتاحة للفلسطينيين، وزيادة عدد العمال المسموح لهم بالعمل في الداخل المحتل، والإفراج عن الأموال الفلسطينية المتراكمة جراء التقاص الضريبي لدى الاحتلال. ولعل زيارة وزير الحربية الإسرائيلي للمقاطعة في رام الله، قد جاءت في إطار تعزيز مناخ الانفراج الاقتصادي والتكتيكي، حيث أفضت إلى خطوات مهمة هي حق، وليست منة من الاحتلال، بما فيها لمّ شمل خمسة آلاف عائلة فلسطينية، والسماح بتشغيل تقنية الجيل الرابع للاتصالات، وتنسيق دخول المنحة القطرية إلى غزة، لكن تحديد سبل سياسية جذرية لتغيير الواقع القائم على الأرض من قبل الاحتلال بقي غائباً. ومع هذا الغياب لم تتوقف إسرائيل عن مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات وسرقة البيوت وتهويد القدس، وهو ما يعني استمرار إسرائيل في تبني مفاهيم اقتصادية تكتيكية بحتة، جاءت في سياق محاولة التدليل على جدية الإدارة الأمريكية، وفي خطوة ارتبطت بمخرجات لقاء بايدن – بينيت.
الدولة المؤقتة والحل الاقتصادي لن يجلبا الأمن إلى المنطقة، ما لم ترد الحرية للفلسطينيين، ويقيمون دولتهم وعاصمتها القدس
نظرية كسرة الخبز المتجددة، التي قد تعتقد اليوم الإدارة الأمريكية وإسرائيل معها بأنها سترضي الفلسطينيين، وتخفف احتقانهم، وتستجلب رضاهم، وتنسيهم مطلبهم الأكبر في التحرير والاستقلال، لن تنفع، فالفلسطينيون طلاب حرية واستقلال لا محالة. وعليه فإن التحذير من الحل الاقتصادي أمر مهم، خاصة في خضم تنامي الحديث عن خطوات مادية «تشجيعية» يلوثها البعض في دولة الاحتلال عبر توصيف سداد متأخرات التقاص الضريبي وكأنه بمثابة قرضٍ يدفع للسلطة الوطنية الفلسطينية. العودة إلى الماضي عبر مفاهيم مهترئة كالدولة المؤقتة والحل الاقتصادي لن يجلب الأمن إلى المنطقة، ما لم ترد الحرية للفلسطينيين، ويقيمون دولتهم وعاصمتها القدس، ويرون تطبيقاً واضحاً لمقررات الأمم المتحدة. إن سنوات الصراع وما تراكم من خطوات اقتلاعية عنصرية اجتثاثية للفلسطينيين لم تحولهم إلى هنود حمر على أرضهم، لذلك إما الاستقلال وإما استدامة هذا الصراع مهما طال الزمن!
كاتب فلسطيني
ssaidam@gmailcom