تداولت وكالات خبرية إيرانية تقريرا يتطرّق إلى تفاصيل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية. يمكن لتداول هذا التقرير أن يشير إلى بدء السلطات في جمع الخيوط التي ساهمت في نجاح العملية الإسرائيلية، أو، على الأقل، اعتماد رواية محددة عن ذلك الاغتيال، وذلك ضمن استراتيجية لتقليل الخسائر السياسية الناجمة عن الاغتيال، كما لتأمين فهم محدد لطرق اشتغال المخابرات الإسرائيلية بحيث يتم التحسّب لعمليات أخرى، وإدخال المعلومات المجموعة في خطة الرد.
حرص التقرير على تأكيد تنفيذ طهران إجراءات أمنية استثنائية في المرافقة والحماية، بما في ذلك وجود قوات من «أنصار المهدي» (الأمن الرئاسي) واستخبارات الحرس الثوري، غير أن التقرير، بعد هذه التأكيدات، للنقل عن مصادر غير إيرانية، فيعود إلى موقع «سبوتنيك» الروسي، الذي ينقل بدوره عن صحافي لبناني – بلجيكي أن إسرائيل ثبتت برنامج تجسس على هاتف هنية من خلال رسالة «واتساب» مما مكنها من تحديد الموقع الدقيق للمنزل وشن هجوم صاروخي عبر طائرة صغيرة بدون طيار قصفت غرفة هنية مباشرة في الساعة الثانية إلا الربع صباحا.
ينفي التقرير بذلك، وإن بشكل غير مباشر، بعض التحليلات التي تعزو الواقعة الخطيرة جدا إلى احتمال حصول اختراق إسرائيلي لنظم وبروتوكولات أجهزة الأمن الإيرانية، غير أن ما يضعفه، ويجعله نوعا من الاجتهاد الإعلامي أكثر منه تقريرا صادرا فعلا عن مصادر في أجهزة الأمن الإيرانية، أنه يحمّل، بشكل غير مباشر أيضا، أمن حركة «حماس» وزعيمها مسؤولية اختراق جهازه الجوّال، و«خطّ هاتفه» كما قال التقرير. يصعب تأكيد هذا الزعم، من ناحية، وهو لا يقلّل من مسؤولية أجهزة أمن الجمهورية الإسلامية لأن جزءا من مهامها كشف احتمالات وجود برامج تجسس على هواتف ضيوفها الكبار، من ناحية أخرى.
تزايدت التقارير التي تزعم سبر أسرار حادثة الاغتيال أمس، فنشرت قناة «سكاي نيوز» الناطقة بالعربية، وتملك مقرا رئيسيا في الإمارات، تقريرا نسبته لمصادر إيرانية تقول إن المبنى الذي كان يقيم فيه زعيم حركة «حماس» تعرّض لهجوم من مبنى مجاور. يحمل زعم «سكاي نيوز» النقل عن «مصادر إيرانية» احتمالين، الأول والأغلب هو أن تكون المصادر تلك معارضة للجمهورية الإسلامية، وهو زعم يعيد الكرة إلى ملاعب أجهزة الأمن الإيرانية لأنه لا يؤكد معرفة الاستخبارات الإسرائيلية بالمكان الدقيق لوجود هنيّة فحسب، بل يشير إلى أن تلك الأجهزة كانت عاجزة عن كشف هجوم داخليّ قريب.
التقرير الآخر الذي نقلته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن هيئة البث التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك عن عدة مصادر إيرانية وأمريكية وإسرائيلية، يقول إن اغتيال الشهيد هنية تم باستخدام عبوة تفجير تم زرعها قبل أسابيع في مجمع الحرس الثوري الذي كان يقيم فيه، وهذا ادعاء فيه جموح أكبر من السابق لأنه يعني أن الاستخبارات الإسرائيلية عرفت بمكان استضافة هنية قبل أسابيع من حصوله، وواضح أن هذا السيناريو يعيد تحميل المسؤولية إلى أجهزة الأمن الإيرانية، كما أنه يعيد احتمالات اختراقها، ولكن نقله عن كل هذه المصادر، ونشره في «نيويورك تايمز» و»يديعوت أحرونوت»، لا يقلّل من غرابته.
أدلت قناة «العربية» السعودية بدلوها في مزاد سيناريوهات الاغتيال فنقلت عن صحافي إسرائيلي، نقل بدوره عن «مصادر مطلعة»، بأن الهجوم تم بصاروخ أطلق من غواصة إسرائيلية كانت متواجدة في المياه الإقليمية الإيرانية، ويزيح هذا التسريب ما تم تداوله أولا عن أن الهجوم كان عبر الجو، عبر طائرة مسيّرة، كما أشار الإيرانيون، أو من طائرة حربية أطلقته من أجواء العراق أو سوريا أو أذربيجان.
ما تقوله هذه التسريبات الكثيرة، والسيناريوهات الأكثر عددا، وأشكال النقل عن «سبوتنيك» وصحافي لبناني في الوكالات الخبرية الإيرانية، و»مصادر إيرانية» في «سكاي نيوز»، و»مصادر متعددة» في نيويورك تايمز، وصحافي إسرائيلي في «العربية»، أن حرب السيناريوهات والتسريبات لا تقلّ خطورة عن الحرب الحقيقية الجارية، وأن معرفة الحقيقة، أو جهلها، سيكونان من العناصر الفاعلة في الرد المقبل الإيراني على إسرائيل، وفي التطوّرات اللاحقة عليه.