بيروت- “القدس العربي”: لم يخرج “اللقاء الوطني” الذي انعقد في قصر بعبدا ببيان يرضي طموح اللبنانيين الغارقين في أزماتهم الاقتصادية والمالية والمعيشية، فالمسؤولون في واد والناس في واد آخر. ولم يأت اللقاء على أي ذكر للاستراتيجية الدفاعية المتعلقة بسلاح حزب الله ولا على إعلان بعبدا الذي ذكّر به الرئيس السابق ميشال سليمان الذي لولا مداخلته ولو مذكرة ” اللقاء الديموقراطي” لكان حوار بعبدا لزوم ما لا يلزم، ولكان فريق 8 آذار كرّر بياناته الإنشائية التي ملّ منها الناس الذين ينتظرون أفعالاً لا اقوالاً كما ينتظرون الحلول للأزمة.
وهكذا جاء البيان الختامي عمومياً ولم يعكس ما طالب به سليمان وجنبلاط الابن ، بل شدّد على الاستقرار الأمني كأساس لا بل كشرط للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنقدي”، معتبراً أن “التصدّي للفتنة، والشحن الطائفي والمذهبي، تحضيراً للفوضى هو مسؤولية جماعية تتشارك فيها جميع عناصر المجتمع ومكوناتُه السياسية”، ورأى أن “حرية التعبير مصانة في مقدمة الدستور ومتنه، على أن تمارس هذه الحرية بحدود القانون الذي يجرّم الشتيمة والتحقير والمس بالكرامات وسائر الحريات الشخصية”، لافتاً الى أن “الحياة الديموقراطية لا تستقيم في نظامنا الدستوري البرلماني من دون وجود المعارضة ولا سيما منها البرلمانية وحق التظاهر والتعبير يصونه الدستور والإعلان العالمي لحقوق الانسان؛ ذلك أن الشعب انما هو مصدر السلطات وصاحب السيادة، لكن المعارضة العنفية التي تقطع أوصال الوطن وتواصل أبنائه وتلحق الضرر بالممتلكات العامة والخاصة لا تندرج في خانة المعارضة الديمقراطية والسلمية، وفي زمن الأزمات الوجودية على الحكومة والمعارضة التلاقي والعمل معا لإنقاذ الوطن من أي خطر يتهدّده”.
وأكد البيان “على موقع لبنان ودوره في محيطه والعالم كجسر عبور بين الشرق والغرب ومكان تلاق للأديان والمعتقدات، وتداعيات كل ما يصيب هذا الدور من سياسات خارجية تؤثر على هويته (العربية) وعلى موقعه (الجامع)، كقانون قيصر ومسألة النزوح والتوطين وعملية إعدام القضية الفلسطينية، بما لها من تأثيرات تدميرية على النموذج اللبناني وتفاعله مع محيطه”.
وشارك في “اللقاء الوطني” رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة حسّان دياب، والرئيس السابق ميشال سليمان، ونائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، ورئيس الحزب “الديمقراطي اللبناني” النائب طلال أرسلان، ورئيس كتلة الطاشناق النائب اغوب بقرادونيان، ورئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط، ورئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، ورئيس المجلس الأعلى للحزب السوري القومي الاجتماعي اسعد حردان، وممثل “اللقاء التشاوري” فيصل كرامي.
وغاب عن اللقاء الرئيس أمين الجميّل، ورؤساء الحكومات السابقون سعد الحريري، ونجيب ميقاتي، وفؤاد السنيورة، وتمام سلام، رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس “تيار المردة ” سليمان فرنجية، ورئيس حزب الكتائب سامي الجميّل.
عون: تحركات مشبوهة
استهلّ اللقاء بكلمة لرئيس الجمهورية أمل فيها “لو ضمّ اللقاء جميع الأطراف والقوى السياسية لأن السلم الأهلي خط أحمر والمفترض أن تلتقي جميع الإرادات لتحصينه”، ورأى أن “ما جرى في الشارع في الأسابيع الأخيرة، ولاسيما في طرابلس وبيروت وعين الرمانة، يجب أن يكون إنذاراً لنا جميعاً لتحسّس الأخطار الأمنية التي قرعت أبواب الفتنة من باب المطالب الاجتماعية. وبدا جلياً أن هناك من يستغل غضب الناس، ومطالبهم المشروعة، من أجل توليد العنف والفوضى، لتحقيق أجندات خارجية مشبوهة بالتقاطع مع مكاسب سياسية لأطراف في الداخل”، مضيفاً “لقد لامسنا أجواء الحرب الأهلية بشكل مقلق، وأُطلقت بشكل مشبوه تحركات مشبعة بالنعرات الطائفية والمذهبية، وتجييش العواطف، وإبراز العنف والتعدي على الأملاك العامة والخاصة وتحقير الأديان والشتم، كحق مشروع للمرتكبين”. واعتبر عون أن “الاختلاف السياسي صحي وفي أساس الحياة الديمقراطية، ولكن سقفه السلم الأهلي، ومهما علت حرارة الخطابات لا يجب أن نسمح لأي شرارة أن تنطلق منها، فإطفاء النار ليس بسهولة إشعالها خصوصاً إذا ما خرجت عن السيطرة”.
دياب: أي قيمة لكلامنا؟
وتحدث رئيس الحكومة حسان دياب، قائلا “ليس لدينا ترف الوقت للمزايدات وتصفية الحسابات وتحقيق المكاسب السياسية”، وأضاف أن اللبنانيين “لا يتوقعون من هذا اللقاء نتائج مثمرة. في نظر اللبنانيين، هذا اللقاء سيكون كسابقاته، وبعده سيكون كما قبله، وربما أسوأ”، وتابع “لا يهتم اللبنانيون اليوم سوى بأمر واحد: كم بلغ سعر الدولار؟ أليست هذه هي الحقيقة؟ لن يدقّق اللبنانيون في العبارات التي أدرجناها في خطاباتنا. لم يعد يهمهم ما نقول. يهمهم فقط ماذا سنفعل. وأنا أقرّ وأعترف: ليس لكلامنا أي قيمة إذا لم نترجمه إلى أفعال تخفّف عن اللبنانيين أعباء وأثقال يومياتهم.يريد اللبنانيون حمايتهم من الغلاء الفاحش، وتأمين الكهرباء، وحفظ الأمان والاستقرار”.
وركّز رئيس مجلس النواب نبيه بري في مداخلته على أهمية الوضع الاقتصادي، معتبراً أنه “لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة”. وجدّد مطالبته “باستحداث لجنة طوارئ مالية لمعالجة هذه الأوضاع”. ولفت إلى أن مجموعة الدعم الدولية للبنان كانت أقرّت في نيسان 2018 دعماً للبنان بقيمة 11 مليار دولار بشرط إقامة الإصلاحات لكن لم ينفذ شيء من هذه الإصلاحات ووصلنا إلى صندوق النقد الدولي الذي يطلب بدوره منا إصلاحات”.
سليمان: احتراق لوحة اعلان بعبدا!
من جهته، أبدى الرئيس ميشال سليمان الأسف الشديد “لعدم بذل الجهود الكافية بما فيها تأجيل الاجتماع بغية اقناع رؤساء الحكومات السابقين والأحزاب المسيحية بالمشاركة نظراً لأهمية حضورهم كممثلين لمكوّنات وطنية أساسية. وبناء على ما تقدم، أقترح قبل متابعة كلمتي الموافقة على رفع الجلسة وإصدار بيان مختصر يتناول تأجيل المناقشات لإفساح المجال للمزيد من المشاورات تعبيراً عن نيّة صادقة بالانفتاح على الجميع”. وقال ” منذ 8 سنوات وفي مثل هذا الشهر (11 حزيران 2012) صدر “إعلان بعبدا” من القاعة المجاورة، قاعة 22 تشرين برمزيتها الوطنية الدائمة على الرغم من احتراق لوحة “إعلان بعبدا” التي عُلّقت على بابها بمناسبة اقراره بالإجماع من قبل معظم الشخصيات الحاضرة اليوم، وفي طليعتهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري الذي حرص في حينه على قراءة بنود الإعلان بنفسه بنداً بنداً. هذا الإعلان كان ضرورياً للحفاظ على مناخ التهدئة وعلى السلم الأهلي عبر الحؤول دون مشاركة أي لبناني في القتال الدائر في سوريا الى جانب المعارضة أو النظام. وقتذاك، كنت اتطلّع الى تحييد لبنان عن صراعات المحاور ما عدا ما يتعلق …بالقضية الفلسطينية والإجماع العربي”.
وأضاف “تنفيذاً للبند 16 طرحت في أيلول 2012 تصوراً لاستراتيجية دفاعية كمنطلق للمناقشة لاحقاً، لكن للأسف توقّف عقد الجلسات الى ما قبل انتهاء ولايتي بثلاثة أشهر بسبب اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن في 19 تشرين الأول من العام نفسه وما تلاه من فراغ حكومي”. وأكد أن “حزب الله نقض الاتفاق، ما حال دون تنفيذ تعهدات الدولة وتسبّب بعزلتها القاتلة، وبفقدان مصداقيتها وثقة الدول الصديقة وأهلنا في الانتشار والمستثمرين اللبنانيين والأجانب والمودعين والسياح بحكوماتها، ما ساهم في تراجع العملة الوطنية”.
وأهم هذه التعهدات:
– التحييد (البند12) الذي تأكدت أهميته مع بدء تطبيق قانون قيصر، بدلاً من الاستعاضة عنه بنأي نظري بالنفس لم يقترن بسحب المقاتلين الشباب من حروب المحاور. لا بل تمّ تسعير الخصومات مع دول الغرب ودول الخليج ومع الجامعة العربية المفترض ان تلعب دوراً في انقاذنا من الأزمة الحالية إلى جانب صندوق النقد الدولي كما فعل الاتحاد الاوروبي مع اليونان وقبرص.
- ضبط الحدود ومنع المسلحين والأسلحة من التنقل بين لبنان وسوريا (البند 13) كما نزع سلاح المراكز الفلسطينية على الحدود المشتركة وفقاً لمقررات حوار عين التينة (2006)، مما يُسهِّل قيام الجيش بإقفال معابر تهريب البضائع على قاعدة ان الأمن لا يتجزأ.
- مناقشة وإقرار الاستراتيجية الدفاعية التي تعهّدنا السير بها منذ 2006 وصولاً إلى خطاب قَسَم الرئيس عون، والتي صارت اليوم حاجة ملحَّة بسبب تداخل الجيوش في المنطقة وفي ظل ما يحاك من مؤامرات وصفقات (صفقة القرن)، وكمرحلة انتقالية تضع قرار استعمال السلاح لدعم الجيش بناء لطلبه لصدّ الاعتداءات الاسرائيلية، تحت إمرة الدولة تمهيداً لحصره بيد الشرعية.
وردّ كل من نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي ورئيس كلتة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد على المداخلة التي أدلى بها الرئيس سليمان، ودافع رعد عن المقاومة وسلاحها، وانتقد إعلان بعبدا.
تيمور جنبلاط: لجم التدهور
من جهته، قدّم رئيس “اللقاء الديمقراطي” النائب تيمور جنبلاط في بعبدا، مذكرة من الحزب التقدمي الاشتراكي واللقاء الديمقراطي تشمل كل العناوين الأساسية التي لا بد من مقاربتها للخروج بحلول حقيقية للأزمة الراهنة. وقال جنبلاط في الجلسة “لقد وضعنا تصوراتنا للإنقاذ في وثيقة سياسية اقتصادية اجتماعية معيشية فيها رؤيتنا للمبادئ الاساسية التي من الضروري التركيز عليها، ومنها الحفاظ على اتفاق الطائف وعروبة ووحدة لبنان ضد كل المحاولات الداخلية والخارجية لتقسيمه. ومن الضروري أيضا التركيز على المعالجات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤمّن العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة”.
وأفيد بأن المذكرة الاشتراكية تضمّنت ما يلي:
– الوضع يتطلّب من الحكومة حزم أمرها واتخاذ القرارات الكفيلة بلجم التدهور ووقف المسار الإنحداري الخطير والإبتعاد عن سياسة التردد والمراوحة والركون الى المقاربة العلميّة والتقنيّة حصراً في مقاربة الملفات الإقتصادية والمالية والنقدية وفي تحديد أرقام الخسائر والحاجات للنهوض مجدداً بالإقتصاد الوطني بعيداً عن الخطابات الإنشائية الإتهامية التي تعيد توصيف الوقائع ورسمها من منظار مشوّه وغير سليم يرتكز أحياناً إلى سياسات الكراهية أكثر من ارتكازه الى الحقائق التي يُفترض بالمسؤول إعتمادها في إطار سعيه لتشخيص المشاكل وإجتراح الحلول.
– دعوة لاستعادة النقاش حول الاستراتيجية الدفاعيّة وفق القواعد التي وردت في جلسات الحوار سابقاً، بما يفضي إلى تعزيز قدرة لبنان على الاضطلاع بدورها.
– رفض إعادة تجديد مقولة “تلازم المسارين” وهذه المرة من بوابة الاقتصاد، فلبنان لا يستطيع أن يتحمّل اقتصاد دولتين، وهو ما يتطلب إجراءات عملية حاسمة لضبط الحدود ووقف كل أشكال التهريب للعملات الصعبة والمشتقات النفطية والمواد الغذائية وسواها لأن ذلك يستنزف القدرات اللبنانية المتآكلة.
– اعتبار المقترحات المتداولة حول تطوير العلاقات الاقتصادية مع الصين جديرة بالدرس والمتابعة، وإذا كان ثمة طروحات صينية جدية لبناء معمل كهرباء جديد في لبنان فذلك سيكون حتماً موضوع ترحيب.
– رفض تغيير وجه لبنان القائم على التعددية والتنوع لأنه بمثابة انقضاض على رسالته التاريخية، وإذا كان من المسلّم به ألا يكون لبنان قاعدة للتخريب على سوريا، ولكن من المحتّم ألا يلتحق لبنان بصورته الحضارية المتقدمة بنمط الأنظمة الشمولية التي يشكّل النظام السوري أحد أبرز أمثلتها البائسة.
باسيل: الكلمة السحرية الثقة
ورأى رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل أن “من يعتقد أنّه برفضه حواراً، يعرّي حكومة أو عهداً أو مجموعة، إنمّا يعرّي لبنان من جوهر وجوده، خاصة إذا كان هدف الحوار منع الفتنة، من خلال الإتفاق على وقف التحريض الطائفي ووقف التلاعب بالأمن، ومن يرفض الحوار إنّما يدلّ على نواياه بتعطيل الإنقاذ”.
وفي الملف المالي قال “الكلمة السحريّة هي “الثقة”، وهي مطلوبة من الداخل من شعبنا، ومن الخارج من الدول الصديقة من دون ثقة، لا نحلم بحلّ”. وعن الحكومة قال “هناك انخفاض ملحوظ في انتاجيّة الحكومة، وهي كما الدراجة الهوائيّة، تقع في أي لحظة تتوقّف عن التحرك”. وعن “قانون قيصر” اعتبر أنه “يؤدي لعزلنا عن شرقنا ونحن عرب وشرقيون ومشرقيون، وهذا لن يتحقّق لأنّنا لا نريده، بل قد تأتي نتائجه عكسيّة، لأنّه سيدفعنا لادارة ظهرنا للغرب، ونحن توافقنا منذ البداية وفي الطائف على إبقاء وجهنا باتجاه الغرب فيما نحن مزروعون بالشرق، وهذا ما نريد البقاء عليه”.
اما النائب أرسلان فلفت إلى أن مقاطعة الحوار يزيد الأزمة حدة ولا يفيد أحداً”، مؤكداً أن “كلمة الرئيس عون تختصر كل شيء ويمكن اعتبارها وثيقة لأنها تضع الأصبع على الجرح”.