باريس- “القدس العربي”:
في مقابلة مع مجلة “لكسبرس” الأسبوعية الفرنسية، اعتبر فينسينت جيسر، الباحث الفرنسي في علم الاجتماع بالمركز الوطني للبحث العلمي، ومعهد الأبحاث والدراسات حول العالمين العربي والإسلامي، أن خطاب الرئيس التونسي قيس سعيد، المعادي للأجانب والمهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، يهدف إلى إخفاء الأعداد المتزايدة للتونسيين الباحثين عن المنفى، حيث لم يعد هؤلاء يؤمنون بمستقبل في بلدهم. فقد لقي مهاجران تونسيان، أحدهما طفل رضيع، مصرعهما، وفُقد خمسة آخرون ليلة الجمعة قبالة سواحل قابس بعد غرق مركب كان يقلهم، كما يشير الباحث.
وأوضح جيسر، أن تونس لديها هجرة أفريقية قديمة نسبيا، وأصبحت في السنوات الماضية طريقا للهجرة ومحورا مطمئنا إلى حد ما، بالنسبة للمهاجرين، لأنه لن يتم على أي حال تركهم بمفردهم تماما. ونتيجة لدعوة الرئيس قيس سعيد في خطابه الذي ألقاه يوم 21 فبراير الماضي إلى مطاردة المهاجرين والتخلص من أولئك الذين اعتبر أنهم يهددون تونس بهويتها التونسية والعربية الإسلامية، لم يعد المهاجرون آمنين في تونس، حيث لا يتردد جزء من السكان اليوم في مهاجمتهم جسديا، كما حصل مؤخراً في صفاقس، عندما تم الاعتداء على العشرات من مواطني دول جنوب الصحراء وطردهم من المدينة، ويتم كل ذلك تحت العين الساهرة للشرطة التي لا تتدخل لحماية هؤلاء المهاجرين.
كما اعتبر فينسينت جيسر، أن هناك خطابا معاديا للأجانب وللغرب، يُمكن أن يجعل المرء يفكر بشكل متناقض إلى حد ما، فيما يُسمع اليوم بمنطقة الساحل، وخاصة في النيجر. بالإضافة إلى فكرة أن هؤلاء المهاجرين مسيحيون، وأن خطر إنشاء الكنيسة موجود. اليوم، في تونس، نتحدث حتى عن استعمار أفريقي… في بلد أفريقي، يقول الباحث الفرنسي.
رغم كل شيء، يؤكد جيسر، أن تونس ليست ليبيا القذافي. لذا، من وجهة النظر هذه، فإن المجتمع التونسي، بما في ذلك أنصار الرئيس سعيد، غير مستعدين لتحمل صورة القذافي، فما تزال تونس تتميز بعشر سنوات من الخبرة الديمقراطية، مع نخب إدارية لديها كفاءة وحرص على الحفاظ على صورة بلد منفتح ومتسامح. لهذه الأسباب، تميل السلطات التونسية إلى إنكار الحقائق التي يتم اتهامها بها.
ثانياً، هناك واقع اجتماعي واقتصادي تونسي صعب، والبلاد بحاجة إلى تمويل. وقد يكون للرئيس خطاب مناهض لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ويريد أن يظهر أنه يدافع عن سيادة الشعب التونسي ضد الغرب. والاتفاق مع الأوروبيين حول قضايا الهجرة هو مسألة بقاء، فتونس لم تحصل بعد على قرض من صندوق النقد الدولي. لأول مرة، نشهد نقصا لم يكن موجودا من قبل. اليوم، في تونس، إذا كنت ترغب في تقديم هدية، يُطلب منك إحضار الدقيق والقهوة والخبز.
واعتبر جيسر أن ما يريده التونسيون بتوقيع هذا الاتفاق حول الهجرة مع الأوروبيين، هو استقرار الحدود، لأن هناك مصالح إقليمية قوية للغاية. فجزء من الاقتصاد التونسي تغذّيه التجارة غير الرسمية. واليوم، تعمل واحدة من كل ثلاث وظائف في القطاع “الرمادي”، وجزء من القطاع غير القانوني مرتبط بشكل وثيق بالاتجار عبر الحدود.
وبالتالي، فإن تونس تبحث عن علاقات جيدة مع السلطات الليبية، سواء كانت حاشية عبد الحميد الدبيبة، أو الحاشية الموالية للجنرال خليفة حفتر. فحركة المرور عبر الحدود بين ليبيا وتونس تسنح لمناطق بأكملها بالبقاء. وإذا كان الاتفاق الجيد مع ليبيا يعتمد أيضا على محاربة الجهاديين على جانبي الحدود، فإن المصالح المشتركة هي قبل كل شيء اقتصادية، كما يوضح الباحث الفرنسي، مذكِّراً أن طريق البلقان كان موجودا بالفعل في زمن بن علي. ويحظى هذا الطريق بشعبية كبيرة، لأن الحصول على التأشيرات أسهل في هذه الدول، وخاصة تركيا ودول وسط أوروبا.
واليوم، حتى لو كانت معظم دول البلقان تتبنى، بدفع من الاتحاد الأوروبي، سياسات الهجرة التقييدية بشكل متزايد، فإن هذا الطريق ما يزال منفذا أقل خطورة من عبور البحر الأبيض المتوسط.