لم تكتفِ عائلة شابة سورية (21 عاماً) من ممارسة ضغوط عليها لتزويجها من ابن عمها مطلع مارس/آذار 2021، بل عمدت أيضا إلى قتلها لأنّها توجهت إليهم وأخبرتهم برغبتها في الطلاق، هذا نص الخبر في موقع (شريكة لكن).
وفي موقع آخر كتب أحدهم، منشوراً يطالب فيه بضرورة معاقبة النسويات، وبعد ذكر عدة جرائم منها جريمة في الأردن وأخرى لأب يقتل ابنته في مكان آخر، أضاف قائلاً (مع أن أدنى فهم لأسباب القتل ستحال بسببه النسويات إلى المحاكمة، وسيعرف المجتمع مقدار جرائمهن في حق النساء قبل الرجال). فهل النسويات مثيرات للمشاكل ومحرضات على التمرد والتفتيت للعائلة والأسرة والمجتمع؟
يعتقد البعض أن النسوية مجموعة من النساء يتشكلن كفريق لكرة القدم، وينظرون لها كمذهب أو تيار تشكل مع الحداثة في أوروبا، وانتقلت إلى بلادنا العربية، وبذا فهي في نظرهم دخيلة علينا وغريبة عن أفكارنا وثقافتنا. فريق ثان يقرنها بالتغيرات التي مرّ بها الوطن العربي والتي بدأت بعد 2011 وأنها المسؤولة عن علو صوتهن ومحرض لهن ومسبب للمشكلات الاجتماعية، وليس أولها تمرد النساء على عائلاتهن وأسرهن ومجتمعهن. في مجتمع ينظر للمرأة كنوع أدنى، وضمن ثقافة تعتبرها مسبباً للخطيئة الأولى المتمثلة بالسقوط من الجنة، وتعامل جسدها كونه ملكاً للقبيلة أو العائلة، تتصرف فيه حسب معتقداتها وقيمها، سيكون من الصعب تقبل النسوية، ونتذكر الهجوم الذي طال المفكرة نوال السعداوي قبل وبعد وفاتها، وفي المحصلة وكخلاصة منطقية لا يمكن للمجتمع المؤسسة ثقافته ذكورياً، أن يقبل دفاعها عن حرية الجسد ورفض الختان، والتشكيك في التاريخ المكتوب بلغة ومصالح ذكورية، وستلقى أبحاثها وأعمالها وتشريح الذكورة والأنوثة سيكولوجيا وفيزيولوجيا (من خلال إعمال مشرطها في، الأسطورية والانحرافات الدينية دون مهادنة) رفضاً ومعاداة؛ لأن هذه الثقافة الجائرة المستقرة، في نظر هؤلاء، يجب عدم خلخلتها، خصوصا إذا كانت من تقوم بذلك امرأة، فهي ستدخل حقل ألغام، وستواجه ما واجهته في فرنسا، أوليمب دو غوج التي تمردت على سوء معاملة أبيها لوالدتها، مطالبة بحقوق النساء، فكان نصيبها الإعدام.
لا أحد يخاف الحقيقة إلاّ من فقد إنسانيته، وإن كل امرأة هي نسوية بشكل أو بآخر، ولو امتلكت النساء اللغة والجرأة لسمعنا آلاف قصص القهر والظلم الحبيس في أقبية العيب والحرام.
النسوية: وعي القهر
فثمة فارق أن يتأقلم الإنسان مع القهر والظلم، أو أن يرفض هذا القهر. وهذا الوعي يترافق مع احترام الذات، والنسويات لم يأتين من فراغ فلم تكتب ماري كرافت كتابها «دفاعا عن حقوق المرأة» (1791-1792) البذرة الأولى للحركة النسوية، إلا بعد فشلها في محاولة الانتحار نتيجة خيبة أملها في الحب وصدمتها في النظرة للمرأة. ونعرف حجم الهجوم الذي عانت منه نوال السعداوي، التي امتزج نضالها بحياتها وتجربتها، ودفعت الثمن عبر منع كتبها وسجنها، فهي حسب ما تروي، لم تعش طفولة سعيدة، بل تمت معاملتها كنوع أدنى، ولم تجد مبرراً للختان القاسي، فأتت أفكارها نتيجة لحظة توتر أو صدمة. وغالباً ما جاءت الكتابة النسوية من خلال الأزمات العاطفية؛ أو الشعور بالقهر والاضطهاد في المجال الاجتماعي والثقافي والسياسي. ما يدفعها للمطالبة بهويتها والاعتراف بها.
إن النسوية لم تفعل سوى إزاحة الستارة، وإضاءة المناطق المعتمة التي يتجاهلها الجميع.
في روايته «خطوط الضعف» كتب الروائي المصري علاء خالد «إنّ لكل منّا منطقة اضطهاد ينطلق منها»؛ والنسوية هي التعبير عمّا تعانيه المرأة التي تعي أن ثمة خللاً في الثقافة، وهو رفض استغلال إنسان لآخر والتحكم فيه ذكراً أو أنثى. والنظر إلى أي كان على أنه نوع أقل. هي لحظة توثيق القهر وإن لم نكتب عن القهر لا يعني أنه غير موجود. إنه موجود ويعيشه أغلب النساء، إن لم نقل معظمهن، فيما تكتب أخريات عنه، وكلهن أمل في أن يعرفن – لا من خلال الهوامّات الذكورية – بل بصورة عادلة وإنسانية، وحين يكتبن فأملهن تغيير المعرفة السطحية عنهن.
في كتابها «الرجل والجنس» تعرب نوال السعداوي عن صدمتها في أن يفخر مفكر كالعقاد أو توفيق الحكيم بأنه عدو للمرأة؛ كما أن وسائل الإعلام تصر على تقديم مواضيع تحرير المرأة يومياً، لكن هذه البرامج يقدمها رجال هم أنفسهم ـ بتعبير جيرمين جرييه: غير أحرار.
إنهم مقيدون بالموروث والهوامات الذكورية والتمييز
إن ما نتج عن تدخل الرجل في قضية المرأة هو أسرها بين قطبين (شيطانة أو آلهة) وبنظر بام موريس فتقديسها واعتبارها ملهمة هو «شكل أبويّ نام» ونظرة ذكورية متقدمة، لكنها لا تقل قهراً عن الأولى. كتبت جيرمين غرير (هذه الصورة النمطية التي ترفع المرأة إلى مستوى الآلهة المعبودة، شعراً وفناً، هي نفسها التي تفرغها من عقلها وإنسانيتها وتستخدمها وسيلة إعلانية أو سلعة، وهذه ليست من بنات أفكار الشركات حسب، بل أسهم فيها مفكرون وأطباء نفسيون ومحللون وكتاب وشعراء».
إن النسويات هن شهرزاد التي راحت تكتب معاناة المرأة، لكنها هذه المرة لن تكتب لتسلية شهريار، إنها تكتب كي تكشف عن النقص والظلم ومواقع الخلل في الثقافة والحياة، وهو ليس انتقاماً أو رد فعل متحامل على الرجل والمجتمع. والمرأة لا تأتي بقيم غريبة على الوجود الإنساني، بل تنبثق معاناتها من صلب هذا الوجود (فحين يتألم المرء لا بدّ أن يصرخ). لا أحد يخاف الحقيقة إلاّ من فقد إنسانيته، وإن كل امرأة هي نسوية بشكل أو بآخر، ولو امتلكت النساء اللغة والجرأة لسمعنا آلاف قصص القهر والظلم الحبيس في أقبية العيب والحرام. كتبت جيرمين غرير مرة (لقد فتح باب القفص، لكن الكناري رفض أن يطير)؛ إن تصحيحاً بسيطاً للعبارة سيجعل منها أفقاً مفتوحاً ورحباً نحو إنسانية الرجل والمرأة معاً. نعم لقد فتح باب القفص والكناري يريد أن يطير.
كاتبة سورية