للإسرائيليين.. باختصار: نتنياهو لا يريد “إعادة المخطوفين” ويعنى بفتح جبهة مع “حزب الله”

حجم الخط
0

عاموس هرئيل

رد حماس الأخير على عرض الوسطاء في المفاوضات حول صفقة التبادل، الذي تم تسليمه لإسرائيل أول أمس، أثار خلافاً كبيراً بين رئيس الحكومة نتنياهو ورؤساء جهاز الأمن. المستويات المهنية التي تعالج قضية الأسرى والمفقودين، ووزير الدفاع غالنت، يشخصون الآن فرصة لاختراقة في المفاوضات.

نتنياهو، كما يظهر من التسريبات ومن التصريحات الرسمية أيضاً، لا يتفق معهم في الرأي. من الواضح ما الذي سيختاره بين إطلاق سراح مخطوفين (حتى لو كان بثمن مرتفع) وبقائه السياسي. نتنياهو يخشى من حل التحالف مع أحزاب اليمين المتطرف التي قد تفرض عليه انتخابات مبكرة. وحسب جهات رفيعة في جهاز الأمن، قد تكون النتيجة تفويت فرصة تكلف حياة مخطوفين آخرين واستمرار القتال في القطاع وربما حتى تصعيد آخر مع حزب الله.

مثلما في حالات أخرى، كان يمكن معرفة رد حماس القادم حتى قبل تسلمه هنا بالكامل، نتيجة التسريبات المتعمدة من الطرف الإسرائيلي. الثلاثاء، صور نتنياهو بسرعة فيلماً تشاجر فيه مع مصادر مجهولة، وضباط كبار في الجيش الإسرائيلي الذين تم اقتباسهم في “نيويورك تايمز”، يطالبون فيه بوقف القتال في القطاع بذريعة أن الجيش يجب أن يخزن السلاح ويركز على الاستعدادات لمواجهة محتملة أكثر قسوة في الشمال. رسالة رئيس الحكومة “لن نوقف القتال في القطاع” وجهت أيضاً لأذن السنوار. سبق واتبع نتنياهو هذا النهج عدة مرات منذ بداية السنة في اللحظة التي لاح فيها بصيص أمل للتقدم.

مثلما في نيسان الماضي، عرفنا مرة أخرى عن قدرة التنبؤ المثيرة للانطباع للنبي بتسلئيل. الوزير سموتريتش، في خطاب يستكشف فيه المستقبل في مؤتمر “سديروت”، حذر الثلاثاء من إمكانية رد إيجابي من السنوار على اقتراح الوسطاء “لأنه في حالة ذعر ويعرف بأننا قريبون من النصر”. تحذير سموتريتش تحقق في اليوم التالي عندما وصل رد حماس. مكتب رئيس الحكومة، بنمط أصبح معروفاً من الأشهر الماضية، والتقنع بهيئة مصدر أمني رفيع، أعلن بأنه لا شيء جديداً في رد حماس المتشدد: عدم السماح لإسرائيل بالعودة إلى القتال بعد تطبيق المرحلة الأولى من الصفقة. إطلاق السراح الإنساني لنساء وشيوخ ومرضى وجرحى يضحي بالمخطوفين، هذا تفسير جر تحفظات قاطعة لجهات أمنية أصيلة أكثر. فقد قالت هذه الجهات بأن هناك “ما يمكن التعامل معه” إزاء عرض حماس. ودعت إلى عدم تفويت الفرصة.

في مركز رد حماس بند 8 في اقتراح بايدن – نتنياهو، كما تبلور في أيار الماضي. وتتعلق نقطة الخلاف حتى الآن في مسألة أي المواضيع ستتم مناقشتها في الفترة الانتقالية بين المرحلة الإنسانية والمرحلة الأخيرة في الصفقة، التي ستتم فيها إعادة كل المخطوفين الباقين، الجنود والرجال، ومعهم جثامين المخطوفين الذين قتلوا أو ماتوا في أسر حماس. وطلب الفلسطينيون مناقشة مسألة نسبة إطلاق سراح سجنائهم في هذه المرحلة، في حين أرادت إسرائيل أن يكتب بأن المفاوضات ستشمل هذه القضية أيضاً (أي أن هناك مواضيع أخرى). رد حماس الجديد يتضمن، كما تم الادعاء، إظهار مرونة حقيقية بخصوص صياغة البند. يبدو خلافاً لأقوال نتنياهو، أن الرد لا يمنع إسرائيل أيضاً من العودة للقتال في المستقبل إذا خرقت حماس التفاهمات.

في المقابل، لم تتنازل حماس بشكل كاف من وجهة نظر إسرائيل عن مطالبتها بضمانات خارجية كي لا يعود الجيش الإسرائيلي إلى القتال. ولكن هناك من يقولون بأن الأمر يتعلق بعائق يمكن التغلب عليه. بعد اجتياز العقبة الكأداء في الموضوع الرئيسي، ستحاول حماس الحصول على ثمن آخر، في مرحلة مبكرة أكثر. يقف في مركز طلبات حماس إطلاق سراح مئات السجناء في المرحلة “أ”، من بينهم حوالي 150 قاتلاً (حتى الآن أقل من عدد السجناء المحكومين بالمؤبد الذين أطلق سراحهم في صفقة شاليط، التي قادها نتنياهو وصادق عليها في العام 2011).

في اللقاء الذي أجراه مع عائلات المخطوفين مساء أول أمس، قال غالنت: “نحن قريبون جداً من الصفقة أكثر من أي وقت مضى”. كيف سيتم تحقيق ذلك إذا استمر نتنياهو في إفشال الصفقة؟ وكما يعتقد من هم في محيط وزير الدفاع، كما في الليلة التي حاول فيها نتنياهو إقالته واضطر إلى التراجع في آذار السنة الماضية، فإن الكثير يتعلق بتدخل الجمهور. التفسير هو أنه إذا احتاج الأمر إلى خروج مئات آلاف المواطنين إلى الشوارع لإجبار رئيس الحكومة، ربما سيكون هذا ما نحتاجه في هذه المرة أيضاً. هذه هي لحظة الحقيقة. فبدون استيقاظ الجمهور لن تكون صفقة، وستستمر الحرب وربما تحتدم في أكثر من جبهة.

أمس، عقب ضغط كبير، صادق نتنياهو على خروج الوفد لمواصلة المفاوضات حول الصفقة. ولكنه حرص في البيان العلني، على تقييد الوفد بحيث يجد صعوبة في التقدم. يبدو أن رئيس الحكومة يريد الحفاظ على وضع القتال الحالي مع انتظار بشرى طيبة في الساحة الدولية. وهنا بدأ تغير إيجابي من ناحيته بعد ظهور فظيع للرئيس الأمريكي بايدن في مناظرة تلفزيونية مع منافسه ترامب قبل أسبوع. يمكن تمرير الوقت في حرب بلا نهاية إلى أن يأتي ترامب ويغير المقاربة الأمريكية للحرب في الشرق الأوسط. ولكن حتى ذلك الحين، سيعاني المخطوفون وربما يموتون.

رد حماس خلق إجماعاً نادراً بين غالنت ورؤساء الأجهزة التي تعمل في المفاوضات، مثل الجيش الإسرائيلي والموساد و”الشاباك” ومركز الأسرى والمفقودين برئاسة الجنرال احتياط نيتسان ألون. هم لا يتجاهلون الفجوة بين مواقف الطرفين، لكنهم يعتقدون أنه يمكن جسرها هذه المرة. باختصار، ثمة صفقة على الأجندة. ربما خلال بضعة أسابيع سيكون بالإمكان إنهاء اتفاق، يشمل إعادة عدداً من المخطوفين إلى جانب مسار متفق عليه لنقاش مستقبل إطلاق سراح الباقين. في الوقت نفسه، قد ينشأ مدخل لمفاوضات سريعة حول صفقة في الشمال، التي هدفها إبعاد قوة “الرضوان” التابعة لحزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، على أمل أن يكون هذا كافياً لإقناع معظم سكان الحدود الإسرائيليين بالعودة إلى بيوتهم. ولكن طريق إقناع حسن نصر الله بوقف النار تمر في غزة وفي صفقة تبادل المخطوفين.

رد تلقائي

إذا كان هذا هو الهدف، فمن غير الواضح إذا كانت عمليات إسرائيل الأخيرة في لبنان تخدمه. أول أمس، اغتال الجيش الإسرائيلي قائد وحدة عزيز في حزب الله محمد نعمة ناصر. عمر القتيل 59 سنة، واغتيل قرب صور داخل القاطع المسؤول عنه، الجزء الغربي من الحدود مع إسرائيل. وسبق هذه العملية اغتيال اثنين من القادة الكبار في حزب الله، برتبة قائد فرقة، وقائد قوة النخبة في الرضوان وقائد وحدة ناصر في الجهة الشرقية للحدود. إضافة إلى ذلك، اغتالت إسرائيل 10 قادة كبار في حزب الله، بمستوى يساوي قائد لواء. وجاء رد حزب الله ظهر أمس على شكل صليات، 200 صاروخ و20 مسيرة انقضاضية، أطلقت نحو الجليل وهضبة الجولان ومنطقة بحيرة طبريا. وقال جراء صاروخ أصاب معسكر للجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان كل من الرائد احتياط ايتي غيلات (38 سنة) من “رمات غان”، ونائب قائد سرية في وحدة الاستخبارات في فرقة “يفتاح”. وأصيب جندي إصابة طفيفة.

المحللون في وسائل الإعلام في إسرائيل تأثروا من القدرة التي ظهرت في عملية التصفية الأخيرة – معلومات استخبارية دقيقة يصعب الوصول إليها، وقدرة نظيفة على التنفيذ دون المس بالأبرياء – ومن الخوف، حسب تقديرهم، الذي سيثيره استعراض القوة هذا في أوساط رؤساء حزب الله إزاء ما يمكن للمنظمة أن تتعرض له إزاء حرب شاملة مع إسرائيل. ولكن من الجدير التوقف عند التداعيات الاستراتيجية لعملية كهذه، بالذات في موازاة خلق فرصة حقيقية للدفع قدماً بصفقة التبادل وإنهاء الحرب.

يبدو أن الجيش الإسرائيلي وجهاز الاستخبارات أيضاً، ما زالوا أسرى أفكار “المعركة بين حربين”، الاستراتيجية التي سيطرت في العقد السابق. تبجحت إسرائيل في هذه السنوات بقدرتها على تنفيذ عمليات دقيقة جداً تستند إلى معلومات استخبارية دقيقة، مست -حسب تقديرها- بالبنية العسكرية لأعدائها وردعتهم. عملياً، في الوقت الذي أحبط فيه الجيش الإسرائيلي إرساليات سلاح وقام بتصفية شخصيات رفيعة، استمرت إيران ووكلاؤها في المنطقة في السعي لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية – بناء “حزام ناري” من المليشيات والصواريخ حول إسرائيل، التي يتم تشغيلها بنجاح منذ بداية الحرب الحالية.

وإلى جانب الإنجاز العملياتي والمعنوي الذي يكمن في تصفية ناصر، ثمة شك إذا كانت عملية التصفية تدفع قدماً بإعادة الهدوء، الذي لا يساعد على الأقل في المرحلة الحالية في أمن سكان إصبع الجليل أو هضبة الجولان. أكثر من كون الهجوم بدأ كجزء من استراتيجية مبررة ومشخصة، فإنه يفسر كرد تكتيكي شبه تلقائي على واقع غير محتمل، الذي فرضه حزب الله على إسرائيل على طول الحدود.

الدكتور شمعون شبيرا، الخبير في شؤون حزب الله، قال إن قادة القطاعات الذين قتلوا في الفترة الأخيرة ينتمون للجيش المؤسس لحزب الله، الذي تأسس في 1982 عقب غزو إسرائيل للبنان في حرب لبنان الأولى. ترعرع القائدان في ظل ثلاثة أشخاص رئيسيين – الأمين العام للحزب حسن نصر الله، وعماد مغنية رئيس الذراع العسكري في الحزب، الذي اغتيل في دمشق في 2008، وصهره مصطفى بدر الدين، من رؤساء الذراع العسكري في الحزب، الذي تمت تصفيته بعد تسع سنوات، يبدو بتوجيه من حسن نصر الله نفسه على خلفية توتر داخلي في الحزب. جزء من هؤلاء القادة شاركوا في صباهم في حدث تأسيسي في أسطورة المنظمة – معركة خلدة التي هاجمت فيها المليشيات الشيعية قافلة مدرعة للجيش الإسرائيلي جنوبي بيروت. وتم إرسال آخرين لتدريب مقاتلين مسلمين في البوسنة، وفي فترة الحرب الأهلية في يوغسلافيا بعد عشر سنوات.

ناصر قاد قوات حزب الله في المعركة ضد الجيش الإسرائيلي في بنت جبيل في حرب لبنان الثانية في 2006. وبعد بضع سنوات، أُرسل لقيادة قوات حزب الله في مدينة حمص في سوريا في فترة الحرب الأهلية، وفي 2016 عين في منصبه الحالي في حزب الله. خلافاً للجيش الإسرائيلي، يؤمن الحزب بفترة الولاية الطويلة. ولأن حزب الله يقلل من استبدال القادة، ويبقيهم في المنصب حتى عمر متقدم من أجل استغلال تجربتهم القتالية، فإن الأمر يبدو متعلقاً بضربة غير سهلة. التصعيد -مرة أخرى نتيجة عملية إسرائيلية- يحدث في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة وفرنسا، والآن بمساعدة ألمانيا، العودة وتحريك المفاوضات السياسية. حاول المبعوث الأمريكي في المنطقة، عاموس هوكشتاين، إقناع حزب الله بالتأثير على حماس للمضي بصفقة تبادل، على أمل التوصل إلى وقف إطلاق النار في الجبهتين. وكان حزب الله رد بالسلب بواسطة رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري (رئيس حركة أمل).
هآرتس 5/7/2024

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية