دعوة صحوة. نجاح حزب الله حتى بعد القضاء على زعامته، في مواصلة إيقاع الأذى بل والوصول بدقة إلى منزل رئيس الوزراء في قيساريا، شدد الإحساس لدينا بأننا مكشوفون. يمكن مضاعفة عدد حراس نتنياهو، لكن هذا لن يغير شيئاً أمام المُسيرات. فالسهولة التي اجتاح بها مخربو حماس في السبت اللعين إياه، بعمق عشرات الكيلومترات في إسرائيل دون أن يوقفهم أحد، وقدرة مقاتلي حزب الله على ضرب أهداف عسكرية بشكل دقيق – كل هذا يثبت بأننا حتى وقت أخير مضى أسدلنا الستائر في بيوتنا واعتقدنا، بسخافتنا، أن لا أحد يرانا.
روينا لأنفسنا قصة، ولا مفر من تغيير القرص. قلنا لأنفسنا إن “بيتك حصنك، وبيوت عديدة تحولت إلى مقابر”. قلنا لإخواننا في الشتات إن إسرائيل هي المكان الأكثر أماناً لليهود، ولم يعد ممكناً قول هذا. قلنا إننا سنتمكن من الدفاع عن أنفسنا بقوانا الذاتية أمام أي محاولة للمس بنا، وتبين لنا أنه لا يمكننا ذلك بدون المساعدة الأمريكية المكثفة. اعتقدنا أن بإمكاننا التنازل عن تجنيد عشرات آلاف الحريديم للجيش، وأنه تكفينا الكتلة الصهيونية في المجتمع الإسرائيلي كي نصمد أمام التحديات الأمنية، وتبين أن هذا لا يكفي، وأنه لا يمكن الامتناع عن مواجهة تاريخية مع القطاع الحريدي الذي أقنع نفسه بأن حفظ الكتب المقدسة تنقذنا من المس بنا. وحتى المحرقة لم تقنع هذه المجموعة الكبيرة والمتنامية بالسخافة الرهيبة لهذه الحجة.
اعتقدنا أن لنا حدوداً آمنة، فوجدنا أنفسنا في ذروة حرب صواريخ ومقذوفات صاروخية ومُسيرات، العنصر الإقليمي فيها يؤدي دوراً لا بأس به – لكنه ثانوي. اصطلاح “حدود آمنة” ذاتي جداً، وفي المفاوضات السياسية التي خاضتها إسرائيل منذ زيارة الرئيس المصري السادات إلى إسرائيل في 1977 كان العنصر الأساس في ترسيم الخرائط ديمغرافي وتاريخي (حدود بريطانيا – تركيا، حدود الانتداب البريطاني، الخط الأخضر في 1949) واستراتيجي أقل بكثير.
على الكتلة الصهيونية في المجتمع الإسرائيلي أن تعيد التفكير في كثير من المعتقدات المُسلم بها التي تبينت كقناعة ذاتية بلا أساس. عليها أن ترى إسرائيل كجهة للتواصل اليهودي وليس للأمن اليهودي بالذات. عليها أن تلغي القوانين التي تميز القطاعات غير اليهودية التي تشارك في المصير اليهودي، وغير المستعدة للاكتفاء فقط بـ “حلف الدم” معنا. هي ملزمة بأن تفهم بأن لا بديل لتسوية سياسية تقسم البلاد بيننا وبين الفلسطينيين، وأن الساعة الديمغرافية تستوجب منا عمل ذلك في أقرب وقت ممكن، دون انتظار سنوات جيل أخرى. نحن ملزمون بضمان استمرار العلاقة الوثيقة والخاصة بيننا وبين الولايات المتحدة؛ فهي حيوية لضمان وجودنا. ليس أقل من ذلك.
إن الاستخفاف بالولايات المتحدة أو الإحساس بأنها “هي في جيبنا مهما يكن”، ربما يعرضنا للخطر، ببساطة لأننا لسنا شعباً يسكن وحده، ولأن فكرة “بالأغيار لا تعتبر” ربما تكون في أيام قديمة، وليس في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
يوسي بيلين
إسرائيل اليوم 1/11/2024