فاز مؤخرا مسلسل «التاج» The Crown الأمريكي بجائزة أفضل مسلسل درامي في حفل توزيع جوائز غولدن غلوب في طبعتها الـ 78 لسنة 2021، ليكون المسلسل المتوَّج مرتين في هذه الفئة بعد فوزه بهذه الجائزة في موسمه الأول عام 2017. وقد أثارت حلقات الموسم الرابع لهذا المسلسل الذي بدأ عرضه على شبكة «نتفليكس» الأمريكية، في منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، موجةَ اعتراضات واسعة من قبل العائلة المالكة البريطانية، وحكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون، ليكون بذلك أحد الأعمال الدرامية الأكثر جدلا في تاريخ الدراما البريطانية والعالمية. فما طبيعة هذه الانتقادات؟ وما هي ردود «نتفليكس» وانعكاسات ذلك؟
«التاج» مسلسل دراما وسيرة ذاتية، من إعداد وكتابة بيتر مورغان وإنتاج شركة «ليفت بانك». يُتابع المسلسل قصة الملكة إليزابيث الثانية وسيرتها منذ زواجها في عام 1947، فضلا عن أفراد آخرين في العائلة المالكة في بريطانيا. وقد اختار المنتج عنوان «التاج» ليكون رمزا للملكة إليزابيث الثانية. يسافر الموسم الرابع بالمشاهد إلى بريطانيا في نهاية السبعينيات، عندما استلمت مارغريت ثاتشر مقاليد الحكم، لتكون أول امرأة بريطانية وأوروبية تشغل منصب رئيسة وزراء. اصطدمت مارغريت ثاتشر، التي لُقّبت بـ»المرأة الحديدية» بمشاكل داخلية وخارجية، وضعتها في بعض الأوقات، في خلاف مع الملكة، على منوال سياسة بريطانيا تجاه جنوب افريقيا، التي كانت آنذاك راضخة لقوانين الأبارتايد والسياسة العنصرية. بعد ذلك يركز الموسم الرابع على حياة ديانا سبنسر، أميرة ويلز، حيث تصوّر لنا حلقاته لقاء ديانا والأمير تشارلز، وانتقالها إلى قصر باكنغهام بعد زواجهما، وتعلق الأمير بكاميلا باركر، وما عانته الأميرة من وحدة وألم، وكيف سارت العلاقة الزوجية في النهاية نحو الانهيار.
عاصفة من الانتقادات
وقد أثار الموسم الرابع موجة من الانتقادات من العائلة المالكة، لما يعرضه من مشاهد ترى أنها لا تعكس الواقع وتشوّه سمعتها، وهو ما عبّر عنه الأمير ويليام حيث ذكرت بعض المصادر أنه انزعج من المشاهد التي تظهر تشارلز يسيء لفظيا إلى ديانا، وأنه شعر بأن والديه يتعرضان للاستغلال ويصوران بطريقة زائفة لأجل كسب المال. السكرتير الصحافي السابق لقصر باكنغهام ديكي آربيتر، يؤيد موقف ويليام، حيث قال لشبكة (بي بي سي)، «إنه تهجم سافر على الأمير تشارلز، وإلى حد ما أيضا على ديانا. عليك أن تسأل ، هل هو ضروري؟»
وقد أثارت المسألة اهتمام الحكومة البريطانية أيضا، فقد طلب وزير الثقافة البريطاني أوليفر دودن، من «نتفليكس» التنويه بأن «التاج» مسلسل خيالي، موضحًا أن بعض الأحداث التي تم تصويرها في العرض «ينبغي أن لا تؤخذ على أنها حقيقة» مؤكدا على ضرورة نشر إعلان ينص على أنّ معظم محتوياته من نسج الخيال، حتى لا يسيء إلى صورة العائلة المالكة البريطانية.
ومضى دودن قائلا في مقابلة نشرتها صحيفة «ميل أون ساندي» البريطانية: «إنه عمل خيالي مصور بشكل جميل، لذا يجب أن تكون «نتفليكس» واضحة جداً من البداية، مثلما هي الحال مع أعمال تلفزيونية أخرى، وفي غياب هذا الإعلان، أخشى أن جيلاً جديداً من المشاهدين لم يعش هذه التجارب، يخطئ ويظن الأحداث التي وقعت في المسلسل، أحداثا حقيقية». إيرل تشارلز سبنسر شقيق الأميرة ديانا، عبَّر عن انشغالات مماثلة عند انتقاده هذا المسلسل حيث قال: «ما يقلقني هو أن يرى الناس برنامجاً كهذا وينسون أنه نسج من الخيال» مضيفا أن سوء الفهم يتجلى أكثر لدى الأجانب: «أخبرني الأمريكيون أنهم شاهدوا سلسلة التاج كما لو أنهم أخذوا درساً في التاريخ».
«نتفليكس» ترد
منتج العرض بيتر مورغان، سارع إلى الرد على هذه الانتقادات والضغوط، مدافعا عن حقه في حرية الإبداع، مؤكدا أنه تم إعداد المسلسل «بناءاً على كل ما قرأته وشهادات الأشخاص الذين تحدثت معهم» ملحا على أنَّ أحداثه مقتبسة من الواقع. الممثل الذي يلعب دور الأمير تشارلز في المسلسل، جوش أوكونور بدوره رد على انتقادات وزير الثقافة البريطاني حيث قال لصحيفة «لوس أنجلس تايمز» الأمريكية، «في رأيي ، إنه أمر مشين للغاية أن يخرج (وزير الثقافة) ويقول ما قاله، لاسيما في هذا الوقت عندما يعلم أن الفن يصارع، وما زال متعثرا».
هاري يقلب الموازين
في الوقت الذي كانت «نتفليكس» تتعرض لانتقادات وضغوطات متزايدة، عاد فجأة إلى الواجهة دوق ساسكس، بعد تخليه هو وزوجته ميغان عن مسؤولياتهما المرتبطة بموقعهما في العائلة المالكة البريطانية، وابتعادهما عن الأنظار، معبِّرا عن موقفه من المسلسل. موقف هاري تجاه «التاج» جاء مخالفا لموقف عائلته المالكة. ففي في مقابلة مع جيمس كوردن في برنامج The Late Late Show على قناة (سي بي أس) الأمريكية، كشف دوق ساسكس أنه شاهد السلسلة، ودافع عنها قائلا إنها «نافذة يرى من خلالها المشاهد الضغوط التي تقع على كاهل الفرد في العائلة المالكة البريطانية». هاري كان الوحيد من الأسرة الملكية الذي أخذ موقفا مماثلا، وذهب إلى حد التأكيد على ارتباط المسلسل بالواقع. قال مدافعا عن منتجي المسلسل، «هم لا يدعون أنها أخبار.. إنها خيالية، لكنها تستند بشكل ما إلى الحقيقة». وأضاف «أشعر براحة أكبر وإلى أبعد الحدود وأنا أتابع سلسلة «التاج» مقارنة بقراءة القصص المكتوبة عن عائلتي أو زوجتي أو نفسي».
بين الخيال والواقع
وهكذا رغم تواصل الجدل والضغوطات في المملكة المتحدة وخارجها، تصر شبكة «نتفليكس» على موقفها وتستمر في عرض أحداث السلسلة الدرامية الملكية على أساس أنها جزء لا يتجزأ من السيرة الذاتية لأفراد العائلة المالكة، وتصوير يعكس الواقع. ومع أن المنتجين لم يحددوا بعد موعدا لإصدار الموسم الخامس الذي تتطلع إليه الجماهير المتتبعة، إلاَّ أنه يُرجح أن يبدأ تصويره وإنتاجه في حدود شهر يونيو/حزيران المقبل، ويتوقع أن تبث حلقاته على منصة «نتفليكس» في وقت ما السنة المقبلة.
تتمسك إدارة «نتفليكس» بموقفها مبررة قرارها بحقها في الحرية والإبداع، مؤكدة أنه تم إعداد المسلسل، اعتمادا على حقائق تاريخية وشهادات أشخاص مقربين من العائلة المالكة. وتواصل العائلة المالكة البريطانية من جهتها دعوتها إلى اعتبار السلسلة خيالية، ولها ما يبرر ذلك، فالسلسلة، من جهة، تتناول أحداثا شخصية وتعرض أسرارا وتفاصيل خاصة حساسة مثيرة للجدل، لاسيما علاقة الأميرة ديانا والأمير تشارلز. من جهة أخرى، إذا أمعنا النظر في تفاصيل أحداث المسلسل، وجدنا أخطاء هنا هناك تخص زمن الأحداث ومكانها، على منوال تاريخ قيام هارولد ويلسون بإقالة اللورد مونتباتن، فحسب «نتفليكس» تم ذلك في عام 1965، لكنّ ذلك خطأ، فالتاريخ يشير إلى وقوع ذلك في عام 1967!
وبينما يستمر التساؤل عما إذا كان المسلسل حقيقيا أم خياليا، لعل أقرب جواب إلى المنطق أنه عمل درامي يسبح بين الواقع والخيال، وهو ما أشار إليه شقيق الأميرة الراحلة ديانا، إيرل تشارلز سبنسر، إذ قال، «يمكنك أن تربطه بالحقيقة، لكن الأجزاء بين ثناياه هنا وهناك لا ترتبط بالحقيقة».
كاتب جزائري
من أجمل الاعمال التي تابعتها على النيتفليكس …سيناريو واخراج واداء متميز للممثلين ..بغظ النظر عن مدى موضوعية القصة التاريخية التي كانت لاشك في صالح الملكة ….وعرض تفاصيل علاقة الملكة بزوجها وكم “الفضيحة” والخذلان الذي تعرضت له الملكة وهشاشتها ومحدودية تعلمها وسذاجتها …
عمل متميز جدا .
ذهب الكاتب والروائي الجزائر مولود بن زادي بعيدا في كشف تفاصيل الصراع بين الإبداع والسياسة من خلال مصادر وبحث في حيثيات هذه القضية التي طفقت على وسائل إعلامية وقد ذكرها الكاتب بكل موضوعية …بالتوفيق
مقال ممتاز يا استاذ و اصل.
مقال مهم للروائي الكاتب مولود بن زادي، وتبقى سير حياة مرتبطة بالواقع اكثر منها بالخيال نظرا لمستجدات الأحداث ، وللغة السينما دورها في تحديد ذلك من خلال تضارب الأراء في الموضوع وأنه مجرد عمل درامي يسلط الضوء على الواقع الملكي………..تقديري …شكرا
الهوية والأصالة هي كنز المجتمعات العريقة …ومسلسل بأحداث أسرة مالكة يترجم رواية حقيقية تشبه نسج الخيال برغم حقيقتها لأن المماليك يجيدون فن العيش وفن الحياة لذا نجد أن حياتهم وكأنها نسج خيال مبتكر واسع الآفاق ….منشور رائع وتسليط الضوء على موضوع كهذا يجعلنا نقف عند هويتنا وأصالتنا لنعيد النظر ….شكرا لك سيدي مولود بن زادي