أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الثاني من الشهر الجاري أكتوبر/ تشرين الأول، في خطاب ألقاه في إحدى ضواحي باريس، عن ما سماه الشروع بالتصدي للنزعة الإسلامية الراديكالية، الساعية إلى إقامة نظام مواز، وإنكار الجمهورية في بلاده. وقد وعد بتقديم مشروع قانون بهذا الصدد من قبل مجلس الوزراء في شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، لغرض مناقشته في البرلمان في النصف الأول من عام 2021.
اللافت في هذا الخطاب أن الرئيس الفرنسي، وضع نفسه في موضع المُنظّر والإصلاحي للحالة الإسلامية، ليس في فرنسا فقط، بل في أوروبا والعالم، وبالتالي احتكر التشخيص والوصف، الذي لا يتفق معه الكثير حين قال، إن «الإسلام دين يمرّ في أزمة في جميع أنحاء العالم، ونحن لا نرى ذلك في بلادنا فقط. إنها أزمة عميقة مرتبطة بالتوترات بين الأصولية، وعلى وجه التحديد المشاريع الدينية والسياسية، نراها في كل العالم، وتؤدي إلى التشدد حتى في البلدان التي يعتبر الإسلام فيها دين الاغلبية» لكن السؤال المهم هو لماذا في هذا التوقيت يأتي هذا الحديث؟
إن المراقب للحالة السياسية الفرنسية، يجد بكل وضوح أنه كلما أشرفت الولاية الرئاسية على الانتهاء يأتي الإسلام والمسلمين مادة رئيسية في المشروع الانتخابي للمرحلة المقبلة، وتعود الأسئلة نفسها للطرح مجددا، وكأن الإسلام والمسلمين اكتشاف جديد حصل للتو في المجتمع الفرنسي، لتبدأ بعدها حملة شعواء واسعة للحديث عن تمويل المساجد، ودور العبادة والمراكز الدينية، مرورا بالعادات والتقاليد الإسلامية، وصولا إلى الدعوة ليكون الأئمة والخطباء صنع فرنسا، وليسوا قادمين من دول أخرى. هذه المقاربة ليست جديدة، ففي عهد الرئيس الأسبق ساركوزي، جرى تبني فكرة وجوب إيجاد إسلام فرنسي، وبالفعل تم إنشاء مؤسسة لهذا الغرض باسم (إسلام فرنسا) الهدف منها هو فصل الدين عن الارتباط بدول خارجية، وجعله شأنا فرنسيا، كما زعموا. كما وضعت المقاربة الأمنية باعتبارها هي الحل لمعالجة الأزمة في الضواحي التي يقطنها المسلمون، بمعزل عن أي حلول اقتصادية واجتماعية تساهم بالارتقاء بهذه الطبقة الاجتماعية، على الرغم من أن الجالية الإسلامية في فرنسا هي الأكبر في أوروبا، حيث يبلغ تعداد نفوسها بحدود ستة ملايين نسمة.
ما قاله ماكرون عن الإسلام في خطابه الأخير، كان لأسباب سياسية انتخابية في صراع واضح مع اليمين المتطرف الفرنسي
وعلى السياق نفسه الذي سار عليه رؤساء فرنسا السابقين، يأتي حديث الرئيس الحالي ماكرون مدفوعا بأهداف سياسية داخلية وخارجية واضحة أولها، أن في الأروقة السياسية الفرنسية يوجد اتجاه واضح لديه تصور مسبق عن أن الإسلام ليس دينا فقط، بل منهجا سياسيا يعتزم تشكيل كيان مجتمعي مضاد للمجتمع الفرنسي، ونظام سياسي مواز للنظام السياسي العلماني، وقيم تتعارض مع القيم الفرنسية، وبالتالي ينقاد الرئيس إلى هذا التصور، ويتبنى الفهم نفسه. ثانيها، أن اليمين واليمين المتطرف اللذين يحققان تقدما ملحوظا في فرنسا على حساب الرئيس، باتا لا يكفّان عن اتهامه بالتراخي تجاه ملف الإسلام والمسلمين. وهنا يجد نفسه مُجبرا على سحب هذا الملف من أيدي اليمين وفتحه، كي لا يكون ورقة كسب سياسي على حسابه في الانتخابات المقبلة. لكن العنصر الأكثر وضوحا وإلحاحا في الدفع بالرئيس لفتح ملف الإسلام والمسلمين في هذا التوقيت هو العامل السياسي الخارجي. ففرنسا في عهد ماكرون ترى أن نفوذها في ساحات تأثيرها السياسي التقليدي، بدأت بالأفول شيئا فشيئا ما شكل لها هاجسا كبيرا. فلم تعد دول الساحل ودول القرن الافريقي ذات الأغلبية المسلمة ملتزمة التزاما حرفيا بالسياسات الفرنسية، على الرغم من الجهود التي تبذلها باريس للحفاظ على هذا الوصل. كما أن الصراع الجيوسياسي بين باريس وأنقرة بات يقض مضجع صانع القرار السياسي الفرنسي، فهو يرى أن تركيا تستخدم الإسلام ورقة لمد نفوذها السياسي في العديد من الدول الاسلامية، وليس بعيدا أن تستخدم كذلك الدعم المادي الذي تقدمه للجاليات المسلمة في الدول الأوروبية، لصناعة كارتل له تأثير سياسي في داخل أوروبا ومنها فرنسا، مستغلة تراجع الدعم المادي والمعنوي السعودي خاصة، والخليجي عامة للجاليات الإسلامية ومساجدها ومراكزها الثقافية، بسبب خوفها من وصمها برعاية الإرهاب، بسبب العمليات التي وقعت في العديد من الدول الأوروبية، التي وصفت بأنها إرهابية.
وفي هذا المجال يقول ماكرون بوضوح «إن إنهاء ما يسمى بالإسلام القنصلي، أمر في غاية الأهمية، من أجل التمكن من كبح النفوذ الأجنبي، والتأكد من التزام الجميع بقوانين الجمهورية، في إطار العيش المشترك». كما قال صراحة (لا نسمح بتطبيق القانون التركي على الأراضي الفرنسية». وعندما نقرأ بوضوح الرد الذي جاء في تغريدة رئيس البرلمان التركي على ما قاله ماكرون، من أنه «ينبغي على فرنسا أن تواجه ماضيها العنصري والمليء بالمذابح، بدلا من اختراع عدو وهمي مثل الانفصالية الإسلامية» يتضح لنا أن ماكرون استخدم الإسلام كوقود في معركة هي سياسية بامتياز، وأن رسالتة قد وصلت إلى أنقرة. وبذلك يتضح لنا بأن ما قاله عن الإسلام في خطابه الأخير، لا يتعلق بالمجتمع والدين وغيرهما، بل هو لأسباب سياسية انتخابية في صراع واضح مع اليمين المتطرف الفرنسي، وتصفية حسابات سياسية مع أنقرة كذلك.
إن الإشكالية الكبرى التي يعانيها الغرب، هي أن نظرتهم إلى الأديان قائمة على أساس أنها أسلوب شخصي فقط، بينما المسلمون ينظرون إلى الإسلام على أنه ليس دينا وحسب، بل ثقافة وعادات وتقاليد وأسلوب حياة، وهذا هو الذي يجعلهم يشعرون بالإهانة، عندما توجّه أي أساءة إلى دينهم، لأنها ستكون إهانة لثقافتهم وطريقة عيشهم. عدم الفهم هذا هو الذي يدفع باتجاه وضع تصور غربي قائم على أن هناك قانونا خاصا بالمسلمين يحاولون فرضه، وأن هناك نظاما موازيا يسعون لإقامته، وإنكارا لقيم الغرب الذي يعيشون بين ظهرانيه، مقابل قبولهم بقيم أخرى من خارجها، ومن ثم تشكيل مجتمع مضاد للمجتمعات الغربية. الأمر الآخر الذي لا يستطيع الغرب فهمه أيضا، هو أن هناك شعورا لدى المسلمين، من أنهم يقفون في مجال آخر مختلف تماما عن المجال الذي يعيش فيه الغربيون، وهذا المجال هو منطقة أيديولوجية تبحث عن المعاني والقيم، التي حثهم دينهم عليها، في حين أن الغرب فقد ذلك تماما ومنذ زمن بعيد. وفوق هذا وذاك فإن العقل الغربي ما زال مسكونا بما يسمى الإرهاب الإسلامي، الذي جعلوا من مكافحته عقيدة لهم، ونفخوا فيه كي يصبح تهديدا كونيا يتوجب على المجتمع الدولي حشد الجهود لمواجهة سلوكه المرئي وغير المرئي.
وإذا كان ماكرون قد قال بأن الإسلام مكون أساسي من التكوين الفرنسي الحالي، وأن هنالك أخطاء كثيرة ارتكبت بحق المسلمين، منها تركهم في أحياء فقيرة محددة، وعدم تكافؤ الفرص، فإن هذا الكلام لا يحل المشكلة القائمة على الخلط بين الإسلام والإسلام السياسي والتطرف، فحتى اليوم كل الأجهزة الغربية تضع الإرهابي والجهادي والسلفي والإخواني والمسلم العادي تحت مجهر واحد. والخطأ الذي جرى بحق المسلمين، والذي يعترف به الرئيس ماكرون، يريد تصحيحه بنظرية يقدمها لليمين المتطرف، كي يسحب هذا الملف منه، أكثر مما هي خطة عمل يتم اعتمادها من قبل مؤسسات الدولة.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية
بالنسبة لي: لقد فضح هذا الرجل كرهه للإسلام والمسلمين!
أما بالنسبة للسياسة: هل للإمارات دور بالموضوع؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
ليس فقط مكرون من يكره الاسلام والمسلمين، وبالمناسبة لا اضنه عنصري، ليس اكثر من ساركوزي ومعضم الطبقة السياسية الفرنسية، العنصرية متجذرة في فرنسا، هذه حملة انتخابية علي ضهر الأقلية المسلمة.
وصل التطاول على الاسلام حداً بعيدا ولم يكن هذا ليحصل لولا التشرذم. كما ان بعض حَمَلته باتوا
أشد بأساً وغدراً ممن سواهم. كيف يمكن تفسير تلقي منظمات يمينيه متطرفه دعما اماراتيا.
تحية للدكتور مثنى وللجميع
أن في الأروقة السياسية الفرنسية يوجد اتجاه واضح لديه تصور مسبق عن أن الإسلام ليس دينا فقط، بل منهجا سياسيا يعتزم تشكيل كيان مجتمعي مضاد للمجتمع الفرنسي، ونظام سياسي مواز للنظام السياسي العلماني،
لنكن صريحين وواضحين ان المسلمين الموجودين في الغرب يعيشون في حالة انفصام مجتمعي فلا هم قادرون على الاندماج كليا مع المحافظة على مسافة واضحة بينهم وبين الاخر تجعلهم يمارسون عبادتهم وسلوكهم الحياتي بدون مشاكل فالحجاب ليس بالمشكلة الكبيرة ولم يكن قبل ذلك ولكن ان نزايد بالنقاب مع ما حدث من ارهاب فالامر يعتبر مجازفة كبيرة بالاضافة للتعمد بالذهاب للشواطيء مع ملابس خاصة وبنفس الوقت ندعي ان الاختلاط في الاماكن العامة غير مقبول ولا زال المسلمون يعيشون نفس المجتمعات الذكورية في بلدانهم فالرجل يعمل كل الامور كما الاوربي بالمقابل المراة المسلمة تعيش كما في بلدها الاصلي واعتقد ان الحل بيد المسلمين وليس بيد الحكومات الغربية
نحن مندمجين في مجتمعنا ونعيش بكل أريحية ونساهم في كل فعاليات المجتمع. أما إذا كنت تقصد بالإندماج (واعتقد هذا الذي تقصده) الذهاب إلى الحانات والنوادي الليلية وهجر المساجد و التشبه بالغربيين فأنت عندها، وعندها فقط، محق في إدعاءك. عشت في الكثير من الدول العربية والإسلامية و لأعرف أي من الغربيين اندمجوا فيها مع أنهم يعيشون فيها لعشرات السنين. هنيئاً لك الذوبان في المجتمع الغربي ولو لا أنك تكتب بالعربية لما عرفنا لك أصل. إلعب غيرها!
شكرًا أخي مثنى عبد الله. انتظرت هذا المقال لكي أفهم تصريحات مامرون الأخيرة. المقال يُشرِّح لنا قضية مهمة وهذا التهافت على الإسلاموفوبيا لدى الساسة في الغرب اكسب أصوات جذبها اليمين المتطرف. لكن مايقلقني أيضًا أن بعض المسلمين القريبين من السياسة! يروجون بعض الأراء التي يمكن القول أنها تصب الزيت فوق النار، مثلًا في عام ٢٠٥٠ سيكون الغالبية في فرنسا مسلمين! مثل هذا الترويج لايليق بالمسلمين عموًما فكيف بالمسلمين في أوربا، أليس كذلك؟
هذا المخلوق المسمى ماكرون لم يقدم شيئا لفرنسا سوى الكلام و ابتداع الكوارث و الأزمات .
شكرا جزيلا للقراء الاكارم وأعتزازي الكبير بكل من وضع تعلقا ويشرفني الرد. الاخ العزيز الكروي الموضوع ليس حبا او كرها بل هنالك عقيدة في الغرب قائمة على تشويه الدين, كما أن فرنسا دولة كبرى ولاتصنع سياساتها وفقا لنصائح دولة أخرى. الاخ العزيز الذي أرجع الموضوع الى التشرذم الذ ينحن عليه , هذا صحيح, والواجب يقع على حكامنا الذين لم تعد لديهم أية غيرة على الدين. الاخ العزيز سلام عادل , لاأتفق مع موضوعة عدم الاندماج لان المسلمين أندمجوا والدليل هو وصولهم الى مناصب عليا في السلطات الثلاث في الدول الاوروبية ومنها فرنسا. الاخ العزيز Passerby, ردك كان بدافع حميتك على الدين , لكن لااعتقد بأن الاخ سلام قصد ماذهبت اليه. الاخ العزيز أسامة لاأعتقد بان هذه الاقول هي التي تدفع الغرب لمحاربة الاسلام والمسلمين فسياساتهم ليست رد فعل بل هي نهج متأصل فيهم.
اخي العزيز مثنى عبد الله، يبدو أني أخطأت التعبير كالعادة. أنا أقصد بأننا نجادل أو ربما نسير بخطانا في الإتجاه الخطأ عندما نردد هكذا أقوال أوعلينا أن نفكر مليًا بتصريحات بتصريحات ماكرون وغيره وسياستهم ولفهمها بعمقها، بدلًا من ترديد أقوال هي خاطئة لأنها لن تفيدنا أو ربما تزيد حالنا سوءًا. فبدلًا من أن تصبح الغالبية بعددنا حبذا لو نفكر أن نصبح الأفضل بفضل قيمنا وتفكيرنا وسلوكنا.
كل ما في الامر،من جهة فان الحكومات الاسلامية توظف فقر و جهل رجال الدين في تهديد الحكومات الغربية،لغرض ضمان استمرارية الحماية الغربية،مستعملة عمق شعار،ان التعامل مع انظمة استبدادية متسلطة اقل ضررا من احرير الشعوب الاسلامية الغازية،و من جهة اخرى فان الباترونا الاقتصادية الغربية توظف جهل و فقر المسلمين عامة ،لردع اليد العاملة الفرنسية الملحاحة في طلبها ،عن تحسين اوضاعها الاقتصادية و الاجتماعية،كما ان احزاب الكوكوت السياسية الفرنسية الغير الوطنية تستغل المسلمين لتحقيق اهدافهم الانتخابية،و بين هذا وذلك ،تعتقد النخب الدينية و السياسية الصهيوعربية انها تجتهد لوجود حلول توافقية موضوعية ،لكنها فالحة فقط في اختيار عبارات جديدة ،كعبارة الاسلام الفرنسي و ما شبه، بدلا من مواجهة الاشكالية الكبرى التي هي ضرورة تغيير النظرة الى الاديان ،على انها اسلوي شخصي فقط ،و ليست اسلوب حياة مقدس،…