إسطنبول: لم يثر أي وزير جديد في الحكومة الجزائرية ذلك الجدل والزخم الذي أحدثته عودة رمطان لعمامرة إلى منصب وزير الخارجية، خاصة والذي يملك 45 عاما من الخبرة في ميدان الدبلوماسية.
وتجلى هذا الزخم من خلال حجم التهاني التي تلقاها من نظرائه العرب والأفارقة والأوروبيين، ومسؤولي منظمات إقليمية ودولية على غرار الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي.
كما أسال استدعاء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لعمامرة في هذا الظرف الحساس، الكثير من الحبر، سواء على مستوى وسائل الإعلام المحلية والدولية، أو على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، التي وإن انقسمت الآراء فيها بين مرحب به ومنتقد له، إلا أنها أجمعت على ثقل هذه الشخصية الدبلوماسية.
وهذا يدعو للتساؤل حول السر الذي دفع الرئيس تبون، إلى “الاستنجاد” بخبرة لعمامرة، رغم أن وزير الخارجية السابق صبري بوقدوم لم تكن تنقصه الحنكة والدهاء.
يمثل تغيير اسم وزارة الشؤون الخارجية بإضافة “الجالية الوطنية بالخارج”، إعادة رسم أولويات الدبلوماسية الجزائرية، والتفاتة نحو مشاكل واهتمامات المهاجرين، الذي وجهوا رسالة قوية للحكومة خلال الانتخابات الأخيرة.
إذ أن نحو 95 في المئة من الناخبين الجزائريين المسجلين في الخارج (نحو مليون ناخب) لم يدلوا بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، مقارنة بانتخابات 2017 التي شارك فيها أكثر من 10 في المئة من الناخبين المسجلين في المهجر.
وضاعف وباء كورنا من معاناة الجزائريين في الخارج، بعد إغلاق أجواء البلاد في إطار مكافحة الجائحة، وكان ذلك أحد الأسباب التي أدت إلى تراجع نسبة مشاركة الجالية إلى النصف في الانتخابات ما أثر على النسبة الوطنية للمشاركة التي تراجعت بشكل غير مسبوق.
وفي هذا السياق تأتي عودة لعمامرة إلى الخارجية لإعادة ترتيب البيت الداخلي أولا، واستعادة ثقة الجالية في الحكومة وفق استراتيجية جديدة، تعتمد على التواصل أكثر مع ممثلي الجالية من نواب وجمعيات جزائرية في الخارج إلى تسريع الإجراءات القنصلية، التي لطالما عطل تأخرها أحيانا أو غالبا مصالح المهاجرين.
وعبّر لعمامرة عن هذا التوجه الجديد بالقول إن قرار تغيير اسم الوزارة “ليس مجرد إجراء شكلي، بل يعكس توجها استراتيجيا”، مشددا على أن “الجالية جزء من الوطن الأم”.
والملاحظ أنه رغم مرور أيام، وليس أسابيع، على تعيين لعمامرة إلا أن هناك تسريع في الإجراءات القنصلية، خاصة بعد اجتماعه مع نواب الجالية، وإن كان من السابق لأوانه الحكم على مدى نجاح السياسة الجديدة التي ينوي الوزير تطبيقها.
أحد الملفات الخارجية التي تشكل أولوية بالنسبة للرئاسة الجزائرية بالنظر إلى الحدود الطويلة بين الجزائر وليبيا، وكثرة المتدخلين الأجانب في هذا الملف، وإمكانية تأثير ذلك على أمن البلاد.
ورغم ذلك لم تُفعل الدبلوماسية الجزائرية بالشكل الكافي لمساعدة الليبيين للخروج من مرحلة عدم الاستقرار، خاصة وأنها تمتلك تجربة عملية في علاج “الاحتراب الداخلي”، الذي عانت منه خلال فترة ما يسمى العشرية السوداء (1992-2000)، وفي فترات سابقة من تاريخها بعد الاستقلال (1962) مشابهة لما يحدث الآن في ليبيا.
ولعمامرة من الشخصيات الإفريقية والدولية التي لها اطلاع جيد على الملف الليبي، إذ اختاره الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريش، في 2020 ليكون مبعوثه الخاص إلى ليبيا، لكن الولايات المتحدة عرقلت هذا الاختيار، لأسباب سبق وتناولها في تحليل خاص.
كما أن الاتحاد الإفريقي عينه في بداية 2021 في منصب مفوض سامي للاتحاد لإسكات البنادق، وهي مبادرة أطلقها الاتحاد لوقف النزاعات المسلحة في القارة السمراء.
وتتجلى أولوية ليبيا ضمن أجندة لعمامرة، في إجرائه حديث وصفه بـ”المطول” مع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا يان كوبيش، “حول آخر تطورات العملية السياسية لإنهاء الأزمة في هذا البلد الشقيق”.
ويوضح لعمامرة، في تغريدة له، السياسة التي تنوي الجزائر اتباعها في ليبيا، من خلال تأكيده لكوبيتش، دعم بلاده لجهود الأمم المتحدة “واستعدادها التام لمرافقة وإنجاح مشروع المصالحة الوطنية، بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي”.
إذ سبق لرئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، أن طلب من الرئيس الجزائري قيادة المصالحة في بلاده، خلال زيارته للجزائر، نهاية مايو/ أيار الماضي.
لكن لعمامرة يريد أن يشرك هذه المرة الاتحاد الإفريقي في عملية المصالحة في ليبيا، بعد أن سعت واشنطن لتهميش دوره، وعرقلة تعيين مبعوث أممي إفريقي كما طالب الاتحاد.
منذ استقلالها في 1962 بعد ثورة تحريرية مثخنة بالتضحيات أجبرت الفرنسيين على القبول بالاستفتاء على تقرير المصير، تبنت الجزائر مبدأ دعم حركات التحرر في العالم، وساعدت الكثير من الشعوب المستعمرة خاصة في إفريقيا على نيل استقلالها.
وضمن هذا الإطار يأتي استدعاء لعمامرة لمواصلة نفس النهج، في ظروف أصعب وتحديات أكبر، بسبب موجة التطبيع الجديدة مع إسرائيل.
وتنظر الجزائر للقضية الصحراوية كما القضية الفلسطينية بأنها قضايا تحرر مدرجة ضمن أجندات الأمم المتحدة لتصفية الاستعمار، وتشبثها بهذا المبدأ كلفها الكثير على عدة أصعدة، خاصة ما تعلق بتوتر علاقتها بجارتها المغرب، ومع دول عربية مطبعة مع إسرائيل التي تتمدد أيضا في المحيط الإفريقي.
وهذان الملفان كانا ضمن أولويات لعمامرة، ففي أول نشاط دبلوماسي له خارج البلاد، دعا في المؤتمر الوزاري لحركة عدم الانحياز، إلى ضرورة “إعلاء القيم والمبادئ التي أرساها الآباء المؤسسون، بمن فيهم قادة حركة التحرير الوطني الجزائرية.. ومواصلة دعم ونصرة القضايا العادلة”.
وفي مكالمة تلقاها من نظيره الفلسطيني رياض المالكي، قال وزير الخارجية الجزائري، إنه بحث معه “توحيد الجهود لتعزيز العمل العربي المشترك لنصرة القضية الفلسطينية”.
كما أن أول مسؤول أجنبي استقبله لعمامرة في مقر وزارته، كان “نظيره” الصحراوي محمد سالم ولد السالك، ما يعكس الأهمية التي توليها الدبلوماسية الجزائرية للملف الصحراوي.
لكن هذه المواقف لم تمنع لعمامرة من استقبال مكالمات تهنئة من نظيريه الإماراتي عبد الله بن زايد، والأردني أيمن الصفدي، رغم حالة الفتور في العلاقات معهما بعد افتتاح البلدين قنصليتين في إقليم الصحراء المتنازع عليه بين البوليساريو والمغرب.
تعد منطقة الساحل الحديقة الخلفية للجزائر، ولعبت طيلة عقود في تهدئة الأوضاع المضطربة في جارتيها الجنوبيتين مالي والنيجر، آخرها نجاحها في توقيع اتفاق الجزائر للسلام بين الحكومة المالية ومتمردي الطوارق بالشمال في 2015.
لكن نفوذ الجزائر في المنطقة تراجع قليلا مع إطلاق فرنسا عملية سيرفال شمالي مالي في 2013، ثم عملية برخان بالساحل في 2014.
وباعتباره كان مفوضا لمجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الإفريقي (شبيه بمجلس الأمن في الأمم المتحدة)، يمكن للعمامرة، أن يلعب دورا مهما في تعزيز اتفاق الجزائر في مالي، وتعميم سياسة المصالحة في منطقة الساحل.
وإنهاء فرنسا عملية برخان وقرارها بغلق قواعدها شمالي مالي، يفتح مساحة أكثر للدبلوماسية الجزائرية للتحرك في المنطقة، وجاءت زيارة رئيس النيجر محمد بازوم إلى الجزائر قادما من فرنسا، لتعزز هذا الدور.
لكن لعمامرة مطالب أيضا بتفعيل الدبلوماسية الجزائرية في كامل إفريقيا، وهذا ما تحدث عن قائد الأركان الجزائري سعيد شنقريحة من موسكو، قائلا إن الجزائر “تلعب دورا مركزيا ليس فقط في البحر المتوسط وشمال إفريقيا، بل في جميع أنحاء القارة”.
ولعمامرة إلى جانب شبكة علاقاته القوية في إفريقيا، فلديه علاقات توصف بالجيدة مع المسؤولين الروس والفرنسيين وأيضا مع الصينيين، حيث استقبل لعمامرة مؤخرا نظيره الصيني “وانغي يي”، الذي صرح أن بلاده “ستواصل النظر إلى الجزائر كصديق جيد وشريك موثوق به.. وستدفع الشراكة الإستراتيجية الشاملة بينهما إلى مستوى جديد”.
بينما وصف وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان، اتصاله بلعمامرة لتهنئته على منصبه الجديد بأنه “أول اتصال ممتاز” مع نظيره الجزائري، وعبر عن أمله أن يساهم هذا التعيين في حل “الأزمات الإقليمية”.
فالرئيس تبون لجأ إلى لعمامرة لمعالجة عدة ملفات ساخنة على رأسها استعادة ثقة الجالية بالخارج، وتفعيل الدور الجزائري في ليبيا، ومواصلة دعم القضية الفلسطينية ومساعي حل الملف الصحراوي، ودعم الاستقرار في الساحل الإفريقي، ناهيك عن ملفات شائكة عديدة مع فرنسا.
فهل يتمكن لعمامرة من تفكيك هذه “الألغام الإقليمية” المحيطة بالجزائر؟
(الأناضول)
هل تعلم أنه في عهده عاد المغرب إلى الإتحاد الافريقي وفي عهده سيتم إن شاء الله تعالى طرد البوليزاريو