هذا ما أكدته نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت الأسبوع الماضي، عدم التعويل عليها كوسيلة تغيير سياسي، مهما كان بسيطا وشكليا، بالعكس، فقد كرست الانتخابات مشهدا سياسيا قديما، يؤكد لمن ما زال غير مقتنع، بأن الإصلاح السياسي والتغيير، لن يأتي مع هذ النوع من الانتخابات، التي كرست الركود السياسي، وإعادة إنتاج أزمة المؤسسات والنخب.
قرر المواطن الابتعاد عنها، كما بينته نسبة المشاركة الضعيفة 23.03% التي تحولت إلى روتين دوري، لم يعد يقنع حتى من يشرف عليها وينظمها، كرئيس الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات، الذي تحاشى ذكر نسبة المشاركة في هذه الانتخابات – خلال ندوة صحافية دامت لساعات- بعد أن تأكد من ضعفها، ولم يقم حتى الآن الكشف عن معطيات إحصائية ما زالت غير معروفة، من قبل الرأي العام، كالأصوات المحصل عليها من قبل الأحزاب، حسب الولايات والكثير من المعطيات الأخرى، التي قد تساعد على فهم سوسيولوجية هذه الانتخابات، التي قاطعها المواطن في المدن الكبرى ومنطقة القبائل والمهجر، بشكل واضح – أقل من 5% كما توقعنا حتى قبل ظهور النتائج.
انتخابات لا يمكن فهم توزيع المقاعد التي تمخضت عنها، إلا بالنسبة العالية للمقاطعة الشعبية، والحزبية التي قررها عديد الأحزاب، المحسوبة على التيار الديمقراطي، زيادة على ما ترتب عن القانون الانتخابي، المعتمد على القائمة المفتوحة، من نتائج لم تحسب بالشكل الجيد من قبل المشرع، ما سمح لقواعد حزبية قليلة بحسم هذه الانتخابات وصلت في بعض الحالات إلى الكاريكاتيرية، كما حصل في ولايتي بجاية وتيزي بالحصول على مقعد برلماني بعشرات الأصوات فقط. كما زاد فيها منسوب الأصوات الملغاة ـ اكثر من مليون صوت -ما يفترض الاهتمام بها كظاهرة وربطها بمتغيرات سياسية وجغرافية، تسهيلا لفهمها، بعدما تكررت كثيرا في هذا النوع من الانتخابات، التي تؤكد صعوبة بروز ظاهرة المواطن ـ الفرد وقدرته على التعبير عن رأيه بحرية، في مثل هذه المناسبات التي يزيد فيها منسوب الخوف لدى المواطن. انتخابات «فاز» بها حزب جبهة التحرير -105 مقاعد ـ وهو يعيش أسوأ حالاته التنظيمية والسياسية، تحت قيادة هزيلة، فشل أمينه العام الترشح لها، لأسباب قيل إنها متعلقة بعدم تأديته لواجب الخدمة العسكرية. جبهة التحرير التي أكدت عمقها الريفي الذي يكون قد حماها من زوبعة الحراك، الذي مس المدينة الكبيرة وليس الريف، الذي استمرت في الوجود فيه كحزب سياسي – إداري يمثل السلطة بالنسبة للمواطن الأمي والفقير، ابن العرش والقبيلة، الذي يعتمد عليه الحزب كقاعدة انتخابية كأعيان تقليديين وجدد من أصحاب المال والنفوذ. زيادة على ما حققته داخل المدن التي غابت فيها المنافسة، كما كان الحال في العاصمة وبجاية، وبعض المدن التي رشحت فيها وجوه معروفة «ذات تجربة» في تسيير هذا النوع من الانتخابات مازالت حاضرة على مستوى السلطة المحلية.
لعنة الانتخابات التي غاب عنها المواطن ستكون حاضرة مرة أخرى ولن تكون عامل قوة واستقرار لمؤسسات الدولة
القوة السياسية الثانية التي افرزتها هذه الانتخابات – 78 مقعداً- مثلها ما سمي بـ»المستقلين» الذين ترشحوا بقوة كقوائم وطنية ومحلية، عوّلت عليهم بعض مراكز القرار لإحداث مفاجأة، على حساب الأحزاب التي لم يثق فيها يوما النظام السياسي. سيناريو عادة ما يلجأ اليه النظام السياسي عندما يكون في أزمة، وغير متأكد من مخرجات الانتخابات، كما حاول أن يفعل في انتخابات 1991 التي فازت بها جبهة الإنقاذ، بدل المستقلين الذين كان منتظرا منهم الفوز بثلث المقاعد على الأقل، في ظل قانون انتخابي جديد لم يجرب مسبقا، تعبيرا عن هذا الطابع الهاوي لصاحب القرار. نتائج حركة مجتمع السلم التي قيل حولها الكثير، قبل الإعلان عنها، لم تحدث المفاجأة، فقد كررت نفسها وأكدت ما يميز جغرافيتها السياسية وقدرتها المتوسطة على التعبئة كحزب أيديولوجي منضبط تنظيميا، نجحت قيادته الحالية في إبعاده عن زوبعة الانشقاقات التي مسته، بعد وفاة زعيمه المؤسس. حزب يبقى الأهم لديه تسيير ما بعد الانتخابات بكل «تصداع الرأس» الذي يمكن أن يأتي معه، بين قيادات لم تحتمل ابتعادها، عن مراكز السلطة التي تعودت عليها، بكل مزاياها، قد لا تصبر على الابتعاد عنها ولو مؤقتا، رغم الاستفادة التي يمكن أن تجنيها على المدى المتوسط، إذا عرفت كيف تحسم ترددها السياسي، في بعض القضايا الاستراتيجية المتعلقة بمدى قربها، من طموحات الجزائريين والتمترس في مواقع المعارضة، بدل الدخول في تحالف، لتسيير وضع صعب على كل الأصعدة، ما يعطي أهمية كبيرة للمشاورات التي ستنطلق لتشكل الحكومة وتسيير مرحلة ما بعد الانتخابات. هو ما يحيلنا مباشرة إلى الكلام عن نتائج حزب البناء -40 مقعداً – المنشق عن حركة مجتمع السلم، الذي قد يتم ابتزاز الحركة به، في عملية تكوين ائتلاف حكومي يعوض الائتلاف الرئاسي لتمثيل الإسلاميين، كما كان الحال خلال فترة حكم الرئيس بوتفليقة، يمكن أن تفكر بعض مراكز القرار في إبعاد حمس منه، خوفا من طموحات رئيسها – الذي سير الحملة الانتخابية لهذه التشريعيات كرئاسيات – واستقلالية قرارها المزعج بالنسبة للسلطة، عكس ما هو حاصل لدى الأحزاب الأخرى، التي برزت في هذه الانتخابات. تعلق الأمر بحزب التجمع الوطني الديمقراطي -57 مقعداً – أو حزب المستقبل -48 مقعداً ـ الذي لن تجد السلطة صعوبات كثيرة في ضمه لأي تحالف رسمي، رغم طموحات رئيسه، صاحب التجربة في «الكولسة السياسية» ومعرفته برجال السلطة، كقيادي سابق في جبهة التحرير. تحالف حكومي يبقى الأصعب فيه تسيير الطموحات الشخصية، تعلق الأمر برؤساء وقيادات الأحزاب، أو المستقلين وهم يعاينون يوميا هشاشة مراكز القرار، وضعف النخب الرسمية الحاكمة، في غياب شبه كلي للبرنامج السياسي والكاريزما، قد يعطي أفكارا كثيرة لهذه النخب التي أفرزتها الانتخابات، في منافسته غريمتها التي وصلت إلى مراكز القرار وحتى التفكير في إبعادها من مواقعها التي احتلتها في ظرف مضطرب، بعد إبعاد بوتفليقة. وهو ما يجعلنا نقول، إن لعنة الانتخابات ستكون حاضرة مرة أخرى في هذه الانتخابات التي غاب عنها المواطن والتي لن تكون عامل قوة واستقرار لمؤسسات الدولة، تعلق الأمر بالحكومة المقبلة أو البرلمان. ولن تكون من باب أولى وسيلة للتغيير السياسي والإصلاح وكسب شرعية أكبر للمؤسسات والنخب السياسية التي أفرزتها، في غياب واضح لنصف المجتمع من التمثيل البرلماني -أقل من 8% من النساء – تم اقصائهن من قبل ناخب محافظ وذكوري، لم تجند غيره هذه الانتخابات التي قطاعها الشباب والفئات الوسطى الحضرية، وأبناء منطقة القبائل والمهاجرين، بكل ما يميزهم من تأهيل وانفتاح على العصر والعالم.
كاتب جزائري
في احدى الحوارات بين نخب في مجمع أصدقاء كنت من المشاركين فيه, تفاءل بحماسة أحد الحاضرين خيرا بالحراك الشعبي بالجزائر مبررا موقفه بتميز هذه الهبة الشعبية العارمة باستقلاليتها عن كل الفاعلين في الساحة السياسية في البلد ونجاحها في تفادي أي اختراق من الجهات الأمنية المتمرسة على احتواء وتفتيت كل المحاولات السابقة التواقة لإصلاح جاد للمنظومة السياسية القائمة, لكن ثلة من الحاضرين وكنت منهم كنا نؤكد أنها تجربة أخرى سيتم إجهاضها بعد حين في بلداننا العربية لتعرف الأفول في آخر المسار بعد اصطدامها بمكر ودهاء الدولة العميقة مع مساندة ومباركة مستترة لقوى إقليمية متخوفة من أي تغيير جذري قد يهدد مصالحها الحيوية التي هي مؤمنة منذ عهد الإستقلال الرمزي لشعوبنا.
نعتنا وقتها البعض بالعدمية والآخر بالسلبية غير أن الوقائع أثبتت واقعية رؤيتنا وأن فرضية الإصلاح الشامل والعميق في بلداننا العربية يبقى مهمة شبه مستحيلة ما دام نفوذ قوى خارجية يصعب تجاوزه بالإمكانات المتواضعة المتاحة للقوى الإصلاحية المحاصرة.
قال بعضهم لا تتفاخر بأن لك مناصرين بعدد شعرك فعند الشدائد يتبين لك أنك أصلع! ذاك مصير من كان ينتظر من انتفاضة شعبية غير مؤطرة ولم تفلح رغم توالي الأشهر في اختيار قيادات كاريزمية ومؤمنة بالتغيير قلبا وقالبا, فما كان أن اصطدمت هذه الأمواج بصخرة المتشبتين بمواقع القرار حتى خارت قواها وانهارت كقصور الرمال!
اليوم يتساءل البعض هل بالإمكان انتظار خيرا من المسرحية الهزلية والهزيلة بينما كان مجرد طرح هذا التساؤل بالأمس القريب ضربا من ضروب الإنبطاح والخنوع للفساد والإستبداد!؟ مثل هذا التساؤل اليوم يؤسس للقبول بالأمر الواقع ومحاولة التعايش معه!!.
الامر واضح للعيانيا سيدي بعد نجاح تمرير هذه الإنتخابات كسابقاتها لإعطاء الشرعية المزيفة للدوائر النافذة والمتحكمة في دواليب الدولة, قضي الأمر وقد كتبها الجنرالات بالخط الواضح العريض : GAME OVER
الحقيقة واضحة وضوح الشمس في عز النهار فلا مجال لبيع الأوهام للشعوب, المتسلقون الجدد لمواقع السلط بمجرد ما أزاحوا السابقين حتى أفصحوا عن نواياهم باعتقال الصحافيين والنشطاء
لوكانت هده النسبة من المشاركة في انتخابات فرنسية لسميتها الديمقراطية…….