منذ إنهاء الخلافة العثمانية في مارس/آذار 1924 لم تشيُطن تركيا من قبل الغرب رغم اجتياحها لقبرص، ونزاعها مع اليونان، لأنها كانت تحت حكم أنظمة وظيفية تؤدي أدواراً مطلوبة، بل حاول الغرب جعل النموذج التركي العلماني مثالاً للمنطقة، فضلاً عن استخدام تركيا قاعدة متقدمة عسكرية في الصراع مع المعسكر الشرقي .
لم يعترض الغرب على الانقلابات التي كان يقودها الجيش، والتي كانت تمنع عودة تركيا لشخصيتها الإسلامية أو للتقارب مع محيطها الإسلامي. وتم عزل نجم الدين أربكان لأنه أعلن عن تأسيس دول السبع الإسلامية. وقد وصل حزب العدالة إلى السلطة في أسوأ أوضاع تركيا الاقتصادية، فقد كانت تقبع في المرتبة 111 وكانت تقديرات الاتحاد الأوروبي أن اقتصادها يحتاج 150 مليار دولار للنهوض بها، وهي دولة غارقة بالفساد وغياب الشفافية، ومدينة للبنك الدولي. وهذا يعني أن نجاحات حزب العدالة الاقتصادية مسموح بها ما دامت في الإطار المحلي وعدم تحول تركيا إلى أنموذج إسلامي .
بدأت الحرب الحقيقية على تركيا بعد ثورات الربيع العربي وتأثر شعوب المنطقة بالنجاح الاقتصادي التركي وكذلك السياسي، وبمعنى أدق فإن المشروع البديل للحكم العسكري سيكون الحكم المدني من أصحاب التوجه الإسلامي، وهذا يعني أن المنطقة من مراكش حتى اسطنبول ستكون تحت أنظمة حكم متشابهة، وهذا سيؤدي لنهضة تلغي معادلة الغرب مع المنطقة بجعلها حديقة خلفية له يُمنع عليها النهوض والتقدم.
نجاح أردوغان حطم ما صاغه الغرب عبر السنوات الماضية من تخويف شعوبه بالإسلاموفوبيا، ولذلك كان لا بد من إيجاد تنظيم متوحش يتموضع في أهم منطقة حضارية «سوريا العراق»، ويعطي صورة سلبية عن الإسلام، وقد لعب تنظيم «الدولة» (داعش) هذا الدور المرسوم على أكمل وجه.
عملت الأنظمة العربية الوظيفية على دعم الثورات المضادة، ورأت أن نهاية الربيع العربي لا تكون بنهاية الثورات وإعادة انتاج الأنظمة الاستبدادية، بل لا بد من إنهاء النموذج الملهم لها «تركيا»، وهذا يتسق تماماً مع الرغبة الأمريكية .
بدأ التدخل في الشأن الداخلي التركي وتضخيم ما يحدث منذ أحداث ساحة تقسيم 2013 والتي عمل الإعلام التابع لبعض الدول العربية على تصويرها على أنها ثورة ضد أردوغان، ثم جاء دعم التنظيم الموازي، وعلاقة غولن ببعض الدول العربية، فضلا عن إقامته في أمريكا، ثم كان الانقلاب 2016. ومن المعروف أن الانقلابات العسكرية هي إحدى أساليب وكالة الاستخبارات الأمريكية السي آي إيه والسلاح الذي تهدد به أمريكا خصومها. وقد بدا الإعلام التابع لمدبري الثورات المضادة في العالم العربي داعماً لذلك الانقلاب ومبشراً بنهاية أردوغان! وعندما فشل الانقلاب كان لا بد من ورقة أخرى، ورقة الأكراد ودعم البككا (حزب العمال الكردستاني) في سوريا بالمال والسلاح وصناعة جيب انفصالي جنوب تركيا، ومن ثم استنزاف تركيا والعمل على تقسيمها لإنشاء دولة كردية ضمن رؤية البككا .
ثمة حقيقة يجب عدم إغفالها تتمثل بوجود دولة سنية قوية تشكل مرجعاً للسنة أو شعوراً بالحماية. وهذا أمر مرفوض، فأمريكا تخوض حرباً ضد السنة، ولكنها تعتمد على الوكلاء السنة في تلك الحرب.
بعد الثورة السورية وسحب صواريخ الباتريوت التابعة لحلف شمال الأطلسي من تركيا، اتجهت أنقره للصناعة العسكرية، وباتت الآن تنتج نحو 65 في المئة من سلاحها، وتصنع معدات عسكرية تضاهي السلاح الغربي، وهذا خط أحمر في تغيير المعادلة المتبعة منذ نحو مئة عام في احتكار صناعة السلاح !
من ينظر إلى ما أوردناه أعلاه سيجد أن ثمة قاسماً مشتركا بين الحلف المعادي لتركيا تتمثل بنقاط عدة :منع تركيا من النهوض والعودة لقيادة العالم الإسلامي .أمريكا تحارب الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي وتفضل الحكم الاستبدادي. إنهاء الثورات العربية هو مطلب أمريكي لأن نجاحها يعني انهيار البناء العربي الرسمي وكذلك الإقليمي، وهذا ما ترفضه أمريكا . نجاح التجربة التركية في دولة لا تملك نفطاً ولا غازاً، وكانت متخلفة اقتصادياً، وذلك بسبب الحرية السياسة والشفافية يؤثر على الأنظمة العربية الخليجية حيث الثروة الهائلة مع ضعف التنمية وغياب الحريات ووجود الفقر .وآخر وأهم أهداف الحلف المعادي لتركيا طبعاً شيطنة أردوغان والعمل على إنهائه قبل أن تعود تركيا دولة كبرى في العالم، وعندها لا يكون أمام أعدائها مزيد من التآمر أو الحرب العسكرية بعد فشل الحرب الوكالة والحرب الاقتصادية والانقلاب العسكري.
د. فيصل القاسم
الله يجزاك الخير دكتور فيصل
كلامك صحيح ولكن ليس بالعُمق المطلوب …
دكتور فيصل المحترم … هل حقاً السيد رجب طيب أردوغان غير مُسير ؟!!
قد نرى السيد أردوغان من جانب ما القائد المُلهم المدافع عن المسلمين ومقدساتهم ، و المُفضل لدى المسلمين ، وخاصة الفئة المُضطهدة في دولنا العربية التي تبحث منذ عقود عن قائد تكون كلمته للحق و سيفهُ على أعداء الأمة الإسلامية ، و مُحباً لشعبه و لشعوب الأمة المُسلمة المُستضعفة ، وهي فعلاً رأت هذا في شخص السيد رجب طيب أردوغان وخصوصاً مع النهضة التركية في زمان قيادته مُقارنةً مع الانحطاط الذي تعيشه مُعظم الدول الاسلامية وكامل الدول العربية …
لكن إن نظرنا من منظور أخر …
فأنا ومن مثلي ممن ينظرون من جانبٍ حساس أكثر ، نرى السيد أردوغان ضمن الحدود المرسومة له ، ولم يخرج عن الطاعة الأمريكية الإسرائيلية ، هو يقوم بدور مُتقن جداً ، وأهدافه مشروعة وليست خاطئة أو ظالمة ، وهو تطور دولته و نموها و تَصدرها كرسي قيادة الأمة الاسلامية ، وهو حق بسبب آل سعود والانحطاط الذي يعيشونه والانبطاح الكامل لترضى اسرائيل ، ومازالت غير راضية ، فإذاً هو حق للأتراك فهم رأوا المقعد خالٍ ، لكن يا دكتور كل ما يقوم به السيد أردوغان هو على حساب العرب ، رغم كرهي للعصبية القومية لكن واقع الحال يفرضه و يضعه في طريقي ، هو يعمل على تطوير تركيا و الصعود بها الى القمم ، و إمساكها لعرش القيادة ، كل هذا على حسابي و حسابك و حساب كل عربي داخل وطنه أو خارجه .
نعم أنا أحبه و أحترمه و أدعمه في الانتخابات و أنصح الجميع بانتخاب هذا الرجل لأنه الأنسب لقيادة الأمة الاسلامية لغياب العرب و انحطاط قياداتهم للحضيض …
لكن لننظر بطريقة صحيحة و صحية ، لا نعادي الأتراك بل نحن ندعمهم و معهم ، ولكن ليس على حساب شعبي و بلدي …
آسف على الإطالة …
تحياتي لك دكتور فيصل
كيف يفعل ذلك على حساب العرب كما تقول؟ هل رأيته أذى العرب مثلا؟ الدول العربية التي مدت له يد الصداقة مد لها يد الصداقة أيضا (قطر ومصر أيام مرسي شاهدة).
والأنظمة العربية التي عادته عاداها.
بكل بساطة.
الله يفتح عليك يا فيصل.
من اروع واعمق ما كتب د.فيصل القاسم
مقال في الصميم
نتمنى من الله أن تنجح تركيا في مسعاها للتخلص من تبعية الغرب فنموذج تركيا يحتاجه كل عربي مسلم شريف يريد أن ينعتق من عبودية الغرب و أصنامها لكن تركيا اليوم ستجد العراقيل و باعتقادي لا قدر الله ستفشل تركيا لأن هنالك أذناب الغرب و عبيدها المتمثل في المال الفاسد العربي و الاعلام الرخيص العربي و المشاريع الهدامة من حكام العرب الخانعين لسياسة الغرب المهيمنة..و المتمثل في الاسلاموفوبيا من يرى قناة العربية اليوم كنموذج للاعلام العار يحسب نفسه أنه أمام اعلام الصهاينة وليس العرب و المسلمين …اليوم الاسلام في العالم العربي يحارب بعنف و يجتث و يزرع مكانه الليبرالية الماجنة الرخيصة سلاح الغرب و ما أكثر الهدامين اليوم أدعوا من كل قلبي أن ينتصر مشروع أردوغان لآن صلاحه يعني صلاح الأمة كلها و فساده واجتثاثه لا قدر الله تعني الهيمنة و الركوع جديد أمام الامبريالية الغربية و أذنابها
*بدون شك نهضة (تركيا) اقلقت الغرب
وشموخ الموهوب(اردوغان) أصاب
الغرب بالجنون..؟!
*سلام
مقالة رائعة تستحق القراءة والاشادة بها ..فعلا الغرب واذنابه لايشغلهم اي حدث اليوم كمايشغلهم واقع ومستقبل تركيا في ضل الرئيس الحالي اردوغان وحكومته التي نجحت بكل معنى الكلمة ووضعت تركيا ضمن الدول المؤثره في العالم وينتظرها مستقبلا باهرا باذن الله ..حفظ الله تركيا وشعبها الاصيل
كلام سليم
و اضيف: ان استراتيجية الغرب ومنذ ان اشرفت الدولة العثمانية على الانهيار هي انهاء الخطر القادم من الشرق بضمان ان لا تقوم للشرق قائمة. و نجح ذلك اولا بتعميق القوميات التركية و العربية بديلا عن الاممية الاسلامية. و ثانيا بتقسيم العالم العربي الى دول لا تملك مقوماتها. و ثالثا بزرع اسرائيل في المنطقة كجزء هام من هذه الاستراتيجية. و كما نرى فان دور اسرائيل الاساسي كقاعدة متقدمة للغرب هو حماية الموالين للغرب و تهديد الذين يخرجون عن الطاعة او يحاولون النهوض.
الغرب بقيادة امريكا اليوم لا يريد لاي قوة في الشرق ان تنهض مهما كان اتجاهها و خاصة ذات الاتجاه الاسلامي اليوم..وقد حدث هذا ضد حركة مصدق في ايران ثم عبدالناصر في مصر ثم ضد الثورة الايرانية بالاحتواء المزدوج بضربها بالنهضة العراقية ثم استنزافها و اليوم ضد تركيا.
ولو ادرك العرب هذا لعلموا ان العدو (او الخصم باللغة الدبلوماسية) هو الغرب متمثلا اليوم بامريكا و بريطانيا و المانيا. و ان الفلسطينيين انما يدافعون عن الشرق كله. و ان ما يقال عن سيطرة اليهود على الغرب كلام فارغ انما الصهاينة يخدمون المشروع الغربي ووجودهم مرتبط به.
الغرب لن يرضى او يسكت الا عن اخادميه ….مادامت دول محور الشر(الامارات والسعودية ومصر)تناصب العداء وتحاول بكل ماتملك ..مادامت هذه الدول تعادي تركيا وشعبها وقيادتها فأعلم ان الغرب غير راض عن تركيا بل ساخط عليها وعلى اشرافها وعلى راسهم اردوغان الذي كبس كل شيئ في الغرب وعملاء الغرب
من يتخذ الديموقراطيه ومن بطنها الانتخابات النزيها منهجاً سوف يأتي بنظاماً شعبي ونزيه ناهيك عن حرق صناديق الاقتراع ،منذ بداية حكم العداله والتنميه من يتخذ الديموقراطيه ومن بطنها الانتخابات النزيها منهجاً سوف يأتي بنظاماً شعبي ونزيه ناهيك عن حرق صناديق الاقتراع ،منذ بداية حكم العداله والتنميه اول خطوة التي اتخذوها هيه مناهظة الفساد يكفيك عن محافظة استانبول بمفردها عاد لها مايقارب ٢٢ميليارد دلار اثر مكافحة الفساد،بلطبع حزب اردغان كسب شعبية وسيعه وقد شفنا بأعيننا في الانقلاب العسكري كيف المجتمع المدني دافع بالارواح عن الدولة ورجعت كما هيه، بل اقوىاول خطوة التي اتخذوها هيه مكافحة الفساد يكفيك عن محافظة استانبول بمفردها عاد لها مايقارب ٢٢ميليارد دلار اثر مكافحة الفساد،بلطبع حزب اردغان كسب شعبية وسيعه وقد شفنا بأعيننا في الانقلاب العسكري كيف دافع المجتمع المدني بالارواح عن كيان الدولة ورجعت كما هيه، بل اقوى