ربط أغلب المراقبين حملة تهويل خطر «داعش» بالأزمة السياسية بين القوى الشيعية حول تقاسم السلطة، حيث ان الأحزاب والفصائل الخاسرة في الانتخابات تستخدمه كورقة ضغط لعدم إقصائها.
بغداد ـ «القدس العربي»: أثار هجومان لتنظيم «داعش» في العراق وسوريا تساؤلات عن أهداف محاولات إعادة إحياء فزاعة «داعش» في هذا التوقيت بالتزامن مع أزمات داخلية وإقليمية ودولية في المنطقة العربية، أبرزها أزمة صراع القوى الشيعية على تشكيل الحكومة في العراق والمحادثات النووية بين إيران والغرب، وغيرها.
ورغم مرور أيام على هجوم تنظيم «داعش» على سجن الحسكة السوري بمئات الدواعش المدعومين بسيارات مفخخة يقودها انتحاريون، فالتداعيات وردود الأفعال ما تزال متواصلة، عبر محاولة انهاء احتجاز رهائن من قبل الدواعش في السجن إضافة إلى محاولة العثور على العشرات من القيادات الداعشية التي نجحت في الفرار أثناء مهاجمة السجن الذي تديره أحزاب كردية معارضة للنظام السوري ومتحالفة مع الولايات المتحدة.
وبالتزامن مع هذا الهجوم، نفذ عناصر «داعش» هجوما جديدا على ثكنة عسكرية في ديالى شمال بغداد، قتلوا خلاله 11 جنديا عراقيا ثم لاذوا بالفرار، وهو الهجوم الأكثر دموية وجرأة على القوات العراقية منذ أشهر ضمن تصاعد ملحوظ في هجمات التنظيم.
وقد ترافق الهجومان على سجن الحسكة وعلى الثكنة العسكرية العراقية، مع حملة واسعة من قوى سياسية عراقية لتهويل الحدثين والتبشير بقرب عودة تنظيم «داعش» إلى العراق الذي ظهر عام 2014 عقب عملية منظمة لتهريب مئات من قيادات تنظيم القاعدة من سجن ابي غريب في هجوم مماثل وقع عام 2013.
ومع اختلاف الأماكن، يبدو سيناريو تهريب قيادات تنظيم «داعش» من سجون العراق وسوريا، متشابها من حيث جهة التنفيذ وأسلوب الهجوم وأهدافه الأمنية والسياسية، إضافة إلى اتهامات بتواطؤ عناصر في الأجهزة الأمنية الحكومية في التهريب. وكان للفصائل الشيعية الولائية في العراق دور رئيسي في حملة التهويل من «داعش» حيث أعلن معظم قادتها ان عملية تهريب قادة الدواعش والهجوم على القوات العراقية، هي مقدمة لمؤامرة أمريكية لإعادة تنظيم «داعش» الذي أعلن العراق رسميا القضاء على دولته عام 2017 وسط اتهامات لقيادات سنية بالتواطؤ مع واشنطن في هذا المخطط للإبقاء على القوات الأمريكية في العراق. وقد استغلت بعض القوى الشيعية هذه الأجواء للضغط على الحكومة لتنفيذ أحكام الإعدام ضد المتهمين بالانتماء للتنظيم في السجون العراقية، رغم اعتراض العديد من منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية على تلك الأحكام كون أغلبها استند إلى اعترافات انتزعت بالإكراه والتعذيب وضد مكون معين.
وربط أغلب المراقبين والمحللين، حملة تهويل خطر «داعش» بالأزمة السياسية بين القوى الشيعية حول تقاسم السلطة، حيث ان الأحزاب والفصائل الخاسرة في الانتخابات تسعى للمبالغة في تصوير التهديد الداعشي وتستخدمه كورقة ضغط لعدم إقصائها. وهذه الحقيقة أدركها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي غرد عبر تويتر «يشيع العدو الإرهابي أنه قادم… المشكلة الأكبر هو ما يقوم به البعض من تضخيم الأمر ليشيع الخوف والرعب والطائفية في أواسط الشعب العراقي فيكون بنظرهم حامي الأرض والعرض». كما أضاف «نحن على أتم الاستعداد والتأهب جنبا إلى جنب مع القوات الأمنية لردع أي خطر محتمل».
ومن جانبها، حاولت الحكومة العراقية عقب الهجمات الإرهابية على سجن الحسكة والقوات العراقية، تهدئة مخاوف المواطنين عبر إجراءات حكومية أبرزها تطمين الرأي العام إلى عدم وجود مخاطر أمنية على العراق، مع تشديد الإجراءات الأمنية، وخاصة حماية الحدود مع سوريا أو المناطق التي تشهد نشاطا لداعش، إضافة إلى صدور توجيهات أمنية عليا لتشديد الحماية الأمنية على السجون التي يتواجد فيها قادة ومعتقلون من عناصر «داعش».
وقد وصل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إلى منطقة الشريط الحدودي بين العراق وسوريا في محافظة نينوى، وأطلق تحذيرات لتنظيم «داعش» متوعدا بملاحقة عناصره داخل العراق وخارجه. فيما أكد وزير الدفاع العراقي جمعة عناد «أن الحدود العراقية السورية ممسوكة بشكل جيد، وتتم مراقبة الموقف ومتابعة أحداث سجن الحسكة» مؤكداً أن «الوضع تحت السيطرة حاليا».
وبالنسبة لهجوم «داعش» على الثكنة العراقية فقد تناولته روايات متعددة حول إهمال المقاتلين الإجراءات الأمنية لحماية موقعهم ووجود فساد في تسرب العدد الأكبر من المقاتلين المفروض تواجدهم في المعسكر، والتأخر في وصول قوة النجدة، إضافة للتخبط في الخطط الأمنية وتفشي الفساد المالي. كما أشار النائب عن ديالى محمد الدايني إلى ان: «ميليشيات ودوائر رسمية تحمي ملف داعش وملف المخدرات، ونحتاج إلى مراجعة أداء الأجهزة الأمنية».
وضمن الاهتمام الدولي بنتائج عملية سجن الحسكة، حذر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، أمام مجلس الأمن الدولي من ان هروب الدواعش من سجن الحسكة «تعيد ذكريات مروعة عن عمليات الهروب من السجون التي غذت صعود داعش في عامي 2014 و 2015» داعيا إلى «الاتحاد لمكافحة تهديد الجماعات الإرهابية».
وعموما فالمحللون والتقارير الدولية يؤكدون ان خطر «داعش» ما زال تحت السيطرة وان التنظيم امكانياته محدودة ازاء قدرات الأجهزة الأمنية العراقية إلا ان استغلال بعض القوى والدول، للتنظيم لتحقيق أهداف سياسية، وارد جدا، لكون التنظيم الإرهابي مخترق من عدة جهات ودول.
ويضاف إلى ذلك ان تجارب العراقيين مع تصريحات الحكومة لا تطمئن كثيرا خاصة وان هذه التطمينات نفسها سبقت ظهور تنظيم «داعش» عام 2014 كما ان حقيقة بقاء خلايا التنظيم رغم مئات الحملات الأمنية لملاحقة بقاياه أثبت فشل الإجراءات الحكومية حيث عاد التنظيم مؤخرا قويا وعملياته منظمة ومؤثرة، وسط تساؤلات عن أسباب ازدياد الهجمات الإرهابية بالتزامن مع تعمق أزمة تشكيل الحكومة، دون استبعاد فرضية ان هجمات التنظيم في العراق وسوريا ليست بعيدة عن الهجوم على الإمارات وتطورات الحرب في اليمن، وكلها تمتد بخيوطها إلى المحادثات النووية الإيرانية الغربية.