عمان-“القدس العربي”: صعب جدا تجاهل نقابة مهمة وضخمة مثل نقابة المهندسين الأردنيين عندما يتعلق الأمر بإصرار بعض الجهات الرسمية على مرور خط أنبوب الغاز الإسرائيلي من قطع أراضي تصادف أن نقابة المهندسين تملك بعضها بالقرب من مدينة إربد شمالي المملكة.
النقابة قالت بكلمة واضحة “لا” كبيرة لعبور الغاز المسروق من أي قطعة أرض تملكها في البلاد.
الأهم هو موقف السلطة والحكومة، حيث ثمة معلومات عن حرف مسار أنبوب الغاز الإسرائيلي عن أرض المهندسين بعدما أبلغ نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز بأن عبور الأنبوب الذي ينقل غاز العدو المسروق من الشعب الفلسطيني من أرض تملكها نقابة المهندسين مسألة لن تحصل أبدا.
يبدو ان الحكومة وفي طريقها لإيجاد مخرج استجابت تحت ضغط المهندسين بالرغم من وجود بعض الأطراف التي تماطل في السياق الورقي والبيروقراطي.
لكن يمكن ملاحظة ان الحكومة هنا قررت ان لا تصارع النقابات المهنية.
وفي حال تسييس المشهد من المرجح القول إن حديث الرزاز العلني سابقا عن مراجعة اتفاقية الغاز مع إسرائيل هو بمثابة إحدى أوراق العمل التي يمكن للأردن ان يستخدمها في حال قرر اليمين الإسرائيلي الاستمرار في الضغط على الأردن أو تجاهلها أو فرض إيقاعات عليها وضدها في الوقت الذي تترقب فيه المنطقة إيقاعات ما يسمى بصفقة القرن.
تلك ايقاعات مفتوحة على كل الاحتمالات.
لكن الغريب وغير المفسر حتى اللحظة ان الحكومة الأردنية تواصل تنفيذ عطاءات الحفر لاتفاقية الغاز، فالأعمال هنا مستمرة ومتواصلة كما أبلغ “القدس العربي” النائب البارز خليل عطية بالرغم من أن رئيس الوزراء تحدث عن مراجعة وشروط جزائية.
وغير المفسر أيضا أن المراجع الكبيرة تسترسل في الحديث عن مطار ضخم للشحن الجوي بتمويل ياباني وأوروبي في منطقة الأغوار. وكذلك الحديث عن مشروع سكة حديد عملاقة تجاوز الأوراق وحجزت له بعض قطع الأراضي تحت بند التخصيص ودفعت أثمان بعض هذه الأراضي لأصحابها.
عندما يتعلق الأمر بسكة الحديد يؤشر الخبراء إلى مشروع ببعد إقليمي يربط ميناء حيفا الإسرائيلي عبر أراضي شرق الأردن بغرب العراق وصولا إلى ميناء البصرة وعبر ما يتبقى من إراضي السلطة الفلسطينية.
وثمة من يقول في أروقة العاصمة عمان إن هذا النمط من المشاريع الضخمة العابرة للحدود هو الذي يبرر اهتمام الأردن بتنمية الاتصالات والعلاقات بين العراق ومصر مرة وبين العراق والقيادة الفلسطينية مرة أخرى.
وقد لوحظ هنا تحديدا أن الرئيس العراقي برهم صالح يكثر من زيارة عمان وقد حضر قمة ثلاثية في الأردن مؤخرا برفقة الرئيس محمود عباس. وقبل ذلك حضر قمة ثلاثية برفقة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
لا يحدد الأردن علنا أهدافه السياسية من تنمية وتكثيف الاجتماعات بين العراق والفلسطينيين والمصريين.
لكن وزيرا بارزا في الحكومة الأردنية أبلغ “القدس العربي” ان العراق وبعد 15 اتفاقية وقعت معه أصبح من عناصر المفاضلة في مقاربة يعتقد الأردن انه مضطر لها للحفاظ على دوره الإقليمي خصوصا بعدما أصر الأمريكيون وبدون سبب واضح حتى اللحظة على قطع ومنع أي تعاون تجاري أو حدودي ثقيل الوزن بين الأردن وسوريا.
الغريب في كل المشهد ان واشنطن تسمح لحلفاء عرب لها بالانفتاح على النظام السوري لكنها تمنع هذا الانفتاح على محور عمان دمشق. والأغرب في المعادلة المحلية الأردنية ان الموقف المرجعي والرسمي الرافض علنا لمقايضات ترتيبات صفقة القرن على أساس السلام الاقتصادي وليس حل الصراع السياسي، يتقاطع بوضوح مع حزمة التجهيزات اللوجستية لمشاريع مثيرة وغامضة تكرس طبيعة السلام الاقتصادي.
بالنسبة للمفكر السياسي عدنان أبو عودة لا قيمة تاريخية من أي نوع تنجز حسما للصراع أو سلاما تقبله أجيال المستقبل عبر اللافتة الاقتصادية فقط في الوقت الذي يصر فيه أبو عودة على أن ما يرشح مما يسمى بصفقة القرن هو ترتيبات اقتصادية ومعيشية فقط قد لا تعني شيئا بالمعنى التاريخي.
خلاصة مواقف المؤسسة الأردنية حاسمة تجاه هذا النمط من الابتزاز الاقتصادي والاستثماري. لكن سلوك الحكومة على الأرض يندفع بحماس تجاه تمهيد البيئة لسلسلة مشاريع إقليمية الطابع ليس صدفة ان إسرائيل طرف مباشر في معظمها مثل سكة الحديد والغاز ومطار الشحن وحتى مثل ترسيم الروابط بين مدينة العقبة جنوبا وسيناريوهات مدينة نيوم السعودية.