قدّم الزعماء والقادة والمسؤولون المجتمعون في واشنطن أول أمس خلال احتفالهم بالعام 75 على تأسيس حلف شمال الأطلسي (المعروف بالناتو) كشفا عاما لأوضاع الحلف وطموحاته وخططه المستقبلية، وتطرقوا في ثمانية وثلاثين بندا من بيانهم الطويل إلى مجمل أوضاع العالم، فتكررت، في ذلك البيان، عبارات تدل على دور الحلف في كل اتجاهات الكرة الأرضية.
تكررت إشارات طفيفة في البيان، إلى منطقة الشرق الأوسط، فتحدث في البند 28 عن «حوار البحر المتوسط» وفي البند 32 عن «تبني أمان أوسع واستقرار في الشرق الأوسط عبر الشركاء» وعن اعتماد القمة الأخيرة لخطة عمل «أقوى، وأكثر استراتيجية وتركيز على الأهداف لدى الشركاء في الجنوب» وعن مركز إقليمي للحلف في الكويت، ومقر تنسيق في العاصمة الأردنية عمان، وعن توسيع الدعم للأمن العراقي «بناء على طلب السلطات في بغداد».
كما تطرق البيان إلى قضايا إنسانية، مثل خطة «النساء، السلام والأمن» لدعم حقوق المرأة، وتحدث عن تدعيم المقترب الأمني الإنساني المختص بوقاية المدنيين منبها إلى أنه «في الوقت الذي يتعرض فيه القانون الدولي للتحديات، فإننا نبقى ملتزمين تماما بالقانون الإنساني الدولي».
ما تبقى من البيان، تركز بشكل رئيسي وفي بنود كثيرة وطويلة ومفصلة، تبعها تعهد إضافي ملحق بالبيان، على الصراع الروسي ـ الأوكراني، وما يتصل به من رفض للدعم الصيني والإيراني والكوري لموسكو، موضحا تفاصيل عديدة عن الكيفية التي سيجري بها دعم القوة العسكرية الأوكرانية وتمكينها للتغلب على الغزو الروسي.
رغم «مهمات الأمن على مدى ثلاثمئة وستين درجة» من الكرة الأرضية التي ذكرها البيان فقد تجاهل القادة المجتمعون المنطقة الأكثر خطرا، واشتعالا، والتي وصفها مسؤولو الأمم المتحدة ومؤسساتها الكثيرة (التي يتعرض بعضها، مثل أونروا، لعملية إبادة مثل الفلسطينيين) ومنظمات حقوق الإنسان العالمية أكثر من مرة بـ«الجحيم على الأرض» حيث تواصل إسرائيل حربها الإبادية ضد الفلسطينيين رغم صدور حكم مبدئي من محكمة العدل الدولية بخصوص هذه الإبادة، وإعلان محكمة الجنايات الدولية اعتزامها إصدار مذكرتي توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه بشبهة ارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
أشارت مقالة رئيسية في صحيفة «واشنطن بوست» نشرت مؤخرا إلى أن موضوع غزة كان «الفيل في الغرفة» خلال مؤتمر قمة الناتو في واشنطن، أي أنه كان الموضوع الذي يشغل الجميع، ويفرض نفسه عليهم، ولكنهم يصرّون على تجاهله، فيما كانت إسرائيل، وبطريقتها المعتادة لإعلان احتقارها العميق لكل ما يقوم عليه العالم، تقوم بتذكيرهم خلال اجتماعهم بالأمر عبر قصف عدة مدارس تؤوي نازحين مما أدى لاستشهاد عشرات الأطفال، وبإعلان اكتشاف مقابر جماعية جديدة في خان يونس، وبأخبار عن قيام الجنود الإسرائيليين بقتل المدنيين الفلسطينيين بداعي الملل فحسب.
يبدو تجاهل ذكر غزة وفلسطين والحرب الإسرائيلية الهمجية الجارية، بداية، كتجنب للخلاف، على الأقل مع عضو واحد هو تركيا، التي قال رئيسها رجب طيب اردوغان إنه سيطرح موضوع الإبادة المستمرة في غزة على المجتمعين، وباستثناء هذا الاعتراض، لربما كنا شهدنا تضمينا في البيان لدعم «الحليف الاستراتيجي» إسرائيل ضد «الإرهاب الفلسطيني».
غير أنه في المحصلة، بدت أشكال الاستنكار لقصف روسيا لمدارس أو مستشفيات في أوكرانيا، وتركيز البيان الهائل على متطلباتها، في الوقت الذي تجاهل فيه الجرائم الحربية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، نوعا من الفضيحة الصارخة، وتلاعبا مثيرا للاشمئزاز بالكلمات والقيم والآراء، وانحطاطا لا يشمل الديمقراطيات الغربية وأعضاء حلف الناتو فقط، بل يشمل النظم الدولية وقوانينها وقيمها جميعا.