تونس – “القدس العربي”: يبدو أن الرئيس التونسي قيس سعيد استجاب أخيرا للضغوط الدولية المطالبة بوضع سقف زمني لعودة النظام الدستوري والمؤسسات الديمقراطية، حيث أعلن عن “إصلاحات دستورية” وانتخابات برلمانية بعد عام، ما يعني أنه تراجع عن إلغاء الدستور كليا واكتفى بتعديله، كما تراجع عن فكرة “البناء القاعدي” القائم على إلغاء الأحزاب واستبدالها بمجالس محلية تتيح للشعب انتخاب ممثليه بشكل مباشر، رغم أن معارضيه يرون أن خطابه الأخير هو مجرد “مناورة” للهروب للأمام ومحاولة إقناع الغرب بـ”صوابية” تدابيره التي تسببت بعزلة دولية كبيرة لتونس.
وكان الرئيس سعيد أعلن، في خطاب توجه به للتونسيين مساء الإثنين، عن خريطة طريق تتضمن مواصلة تجميد عمل البرلمان حتى تنظيم انتخابات برلمانية جديدة في السابع عشر من كانون الأول/ديسمبر المقبل، فضلا عن تنظيم استشارة شعبية (إلكترونية ومباشرة) مع بداية العام وحتى العشرين من آذار/مارس المقبل، لتمكين التونسيين من التعبير عن آرائهم حول الوضع العام في البلاد، يتبعها استفتاء شعبي عام في 25 تموز/يوليو حول “إصلاحات دستورية” ستعدها لجنة خاصة، وتراعي فيها نتائج الاستشارة الشعبية السابقة.
وجاءت قرارات سعيد بعد أيام من دعوة سفراء مجموعة الدول السبع في تونس إلى تحديد سقف زمني واضح يسمح بعودة سريعة لسير عمل المؤسسات الديمقراطية في البلاد.
وكتب عبد الوهاب الهاني، رئيس حزب المجد ” خطة “الفاتح” في سبع نقاط للرد على بيان السبعة “الكبار” والسقوط في محاذير “الكبائر” السبعة: استفتاء الفاتح من جانفي الاكتروني” لا علاقة له بالفصل 80 من الدستور لا نصا ولا روحا، ولا يمكن المساس بالنص الدستوري طيلة فترة التدابير الاستثنائية، وأي استفتاء يتطلب تنقيح الأمر المنظم للسلطة العمومية لسلطات التدابير الاستثناىية، وان يحترم الشروط والضمانات التشاركية والشفافية والديمقراطية، والا تحول الاستفتاء إلى مجرد أداة تحيلية لإضفاء شرعية صورية على خيارات حسمتها قوة الأمر الواقع بعيدا عن قوة القانون”.
وأضاف “الإعلان عن عدم قابلية الدستور لموصلة العمل به وتخت سقف التدابير الاستثنائية وتكليف لجنة هلامية من اصدقاء الرئيس بإعداد نص الإصلاحات الدستورية يعتبر إيقافا للعمل بالدستور بقوة الأمر الواقع، وهو ما يعني انقطاعا مكتمل الشروط للعقد الديمقراطي وللنظام الدستوري”.
وتتناقض القرارات الجديدة مع خطابات سعيد السابقة والتي أعلن فيها مرارا أن الدستور انتهى ولم يعد صالحا، ويجب استبداله بدستور جديد يستجيب لمطالب الشعب.
وكتب المحلل السياسي عبد اللطيف دربالة “بعد أن قال لهم سابقا في تحدّ: من يريد خارطة طريق فليذهب إلى كتب الجغرافيا. وبعد أن استنكر ما اعتبره تدخّل القوى الأجنبيّة في الشؤون الوطنيّة ورفع شعار “السيادة الوطنيّة”. وبعد أن سخر من “أمّك صنّافة”، وتساءل مستنكرا في جهل بأمور اقتصاد الدول في النظام المالي العالمي. اليوم جاء الرئيس قيس سعيّد، مرغما ومكرها ومضطرّا، في محاولة للخروج من المأزق، بعد أن توقّفت التدفّقات المالية، وأُغلِقت حنفيّة المساعدات والقروض منذ ليلة التدابير الاستثنائيّة المشؤومة في 25 جويلية (تموز) وصارت البلاد على حافة الإفلاس، وخرج علينا فخامته بما يعتبره خارطة طريق”.
وأضاف “حاول أن يتذاكى بها على الشعب التونسي وعلى المجتمع الدولي ويظنّ نفسه بها أكثر فطنة وأنّه يتلاعب بالدول الكبرى ومؤسّسات “أمّك صنّافة” (التصنيف الائتماني) وبالشعب التونسي وبالنخب الواعية والقوى الحيّة في تونس، محاولا التحايل على الجميع قائلا لهم: أنتم تريدون خريطة وجدول زمنيّ. هنيئا لكم ما تريدون. هذه خارطة الطريق والجدول الزمني! فأنا سأصنع لكم نظاما سياسي وانتخابيا ودستورا جديدا بمفردي عبر استفتاء إلكتروني يخرق مبدأ الإقتراع السرّي والشخصي والمباشر الذي هو أساس الشرعيّة والشفافية في الانتخابات والاقتراعات”.
وكتب المحلل السياسي طارق الكحلاوي “لا يمكن أن لا نرى الخيط الرابط بين قرارات 13 ديسمبر وبيان دول السبع الذي صدر يوم 10 ديسمبر وتضمن فيما تضمن الجملة التالية “تحديد سقف زمني واضح يسمح بعودة سريعة لسير عمل مؤسسات ديمقراطية بما في ذلك برلمان منتخب يضطلع بدور هام”، تسقيف زمني واضح، وبالتحديد لعودة مؤسسة برلمانية منتخبة أي انتخابات تشريعية. يجب أن نتذكر أنه سبق لقيس سعيّد أن سخر من طلبات الإدارة الأمريكية ثم الدول السبع في بيان سابق حول ضرورة تسقيف زمني وتحديد خريطة طريق، وأحالها ضمنيًا حينها إلى “كتب الجغرافيا”، كما قال”.
وأضاف “بيان الدول السبع تضمن أيضًا جملة من المفاتيح: “بينما تتخذ تونس قراراتها السيادية بشأن الإصلاحات الاقتصادية و الدستورية والانتخابية، فإننا نجدد التنويه بأهمية احترام الحريات الأساسية لجميع التونسيين و أهمية شمولية وشفافية عملية إشراك كافة الأطراف المعنية بما في ذلك الأصوات المختلفة في الطيف السياسي والمجتمع المدني”. هنا تعبير “الإصلاحات الدستورية” تبناه قيس سعيّد، نحن إذًا إزاء صيغة تقر لقيس سعيّد بامكانية تنقيح أو تغيير الدستور ومن ثمة القانون الانتخابي لكن في المقابل تطلب منه أن يقوم بذلك عبر مسار تشاوري”.
ودوّن الناشط الحقوقي مصطفى عبد الكبير ” الضغط الدولي واضح من خلال الخطاب. التسقيف الزمني مهم ولكن غير مضمون ومحفوف بالمخاطر. القرارات المنتظرة منه كانت مبهمة وغير واضحة وقابلة للتأويل. كان بإمكانه الإعلان عن حل”.
ورفضت أغلب الأحزاب التونسية خريطة الطريق التي أعلن عنها الرئيس سعيد، معتبرها أنها تمهد للديكتاتورية وتعزز العزلة الدولية للبلاد، ودعت للتظاهر في ذكرى الثورة للدفاع عن المكاسب الديمقراطية والمطالبة بعودة المؤسسات الدستورية في البلاد.
لأنه جاء لتنفيد مشروع ما؟