الكثير من علامات التشابه المثيرة للتساؤل كانت حاضرة بين الانتخابات الرئاسية الجزائرية، التي تمت في 7 سبتمبر الماضي وأختها التونسية التي نُظمت شهرا بعد ذلك. تشابه لا يقتصر على النتائج التي فاز فيها الرئيسان بنسب عادت بالبلدين إلى مرحلة الحزب الواحد، والانتخابات الأحادية التي كانت تنظم على شكل أقرب للاستفتاءات، كما كان سائدا في الفترة البومدينية، وقبلها في تونس المجاهد الأكبر، مع بورقيبة الرئيس مدى الحياة وخليفته بن علي. تشابه يمكن تعميمه على ظاهرة «التزوير القبلي»، التي عرفتها هذه الانتخابات عندما لجأ النظامان السياسيان إلى ضبط قائمة المرشحين المنافسين للرئيس، وهو يترشح لعهدة ثانية، أكدت مسبقا أن فوزهما بهذه النتائج العريضة كان متوقعا ومن تحصيل حاصل، بعد حصر الترشيحات في اثنين أو ثلاثة «منافسين»، من دون إمكانيات فعلية للتنافس الجاد. وهو ما ينفي تهم التزوير الفج عن هذه الانتخابات، التي كان يلجأ إليها النظامان في السابق، في يوم الاقتراع، كما كان يحصل في فترة الحزب الواحد وفي الكثير من المحطات السياسية بعد استقلال البلدين.
لنكون أمام تزوير من نوع مختلف هذه المرة، يظهر على شكل غلق سياسي وإعلامي للحياة السياسية الوطنية برمتها، اعتمد على عدالة تحت الأوامر، وصلت إلى سجن النساء في البلدين – كما هو حاصل هذه الأيام في الجزائر مع الناشطة عبلة قماري ابنة توقرت – والتضييق على المعارضة بشتى الطرق، كما تظهر بجلاء حالة الشيخ راشد الغنوشي، الذي لم يشفع له تقدم سنه ولا مكانته السياسية الوطنية والدولية في التمتع بالحرية والدخول إلى بيته. لتعمم حالة الغلق على الكثير من رجال الإعلام ونسائه. لم تستثنِ الحزب السياسي المعترف به قانونا، كما تبينه يوميات الحياة السياسية في البلدين.
فشل آخر لانتخابات تونس والجزائر التي لم تقنع، بجدواها السياسية المواطن في البلدين، فكانت المقاطعة الشعبية هي الحاضر الأكبر في الحالتين، افرزت رئيسين من دون قاعدة شعبية فعلية
وضع متشابه هو الذي يفسر لجوء قوى سياسية عديدة إلى مقاطعة هذا النوع من الانتخابات، وعدم المشاركة فيها في البلدين، تحول الترشح لها إلى أقصر طريق للتوجه نحو السجن والملاحقات القضائية من كل نوع، لتترك الساحة فارغة وميسرة أمام المرشح الرسمي للفوز بهذه الانتخابات بيسر كبير. تحولت نسبة المشاركة الشعبية فيها إلى التحدي الوحيد أمامها، لدى مواطن وصل به اليأس من أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية بانعدام الحريات والآفاق التي تميزها إلى التفكير في الهجرة والهروب من البلد، كحل شبه جماعي وحيد، يتساوى فيه الكبير والصغير، الغني والفقير، المرأة والرجل. على رأسهم أصحاب التأهيل والشهادات العلمية العالية، الذين تزيد هجرتهم في إفقار البلدين ومنعها من القيام بتراكم علمي استثمر فيه سنين طوال. لتستفيد منه في نهاية الأمر المجتمعات الغربية الغنية.
لنكون أمام تشابه – فشل آخر لهذه الانتخابات التي لم تقنع، بجدواها السياسية المواطن في البلدين، فكانت المقاطعة الشعبية هي الحاضر الأكبر في الحالتين، افرزت رئيسين من دون قاعدة شعبية فعلية، يعتد بها في هذا الظرف السياسي الإقليمي والدولي المضطرب. كما يظهره الوضع في دول الساحل الجارة، بكم المشاكل التي ظهرت نتائجها داخل البلدين، على شكل هجرة سرية واختراق لحدود البلدين بالأسلحة والمخدرات، وغيرها من الشرور الأخرى. منطقة جارة غاب فيها أي دور للبلدين، كما هو الأمر في الحالة الليبية، الجارة التي لم نعد نسمع فيها لأي دور للدبلوماسية التونسية أو الجزائرية، رغم التداعيات المباشرة للوضع في هذا البلد الجار على سلامة التراب والمواطنين في الحالتين، كما تشهد بذلك عدة أحداث عنيفة، على غرار حالتي هجوم بن قردان الإرهابي في تونس 2016 وتيقنتورين في الجزائر2013. ليصبح من المعتاد أن يتم توجيه دعوات للبلدين من قبل دول شمال المتوسط المتحكمة في ملف الأزمة، لحضور ندوات حول الوضع في ليبيا كضيوف وكأنهم غير معنيين بالأمر. المشهد نفسه الذي يتكرر عندما يتعلق الأمر بقضايا مشتركة، تهم البلدين، كما هو حال الهجرة غير النظامية، التي تريد أوروبا أن تتحول فيها دول المنطقة إلى دركي لحراسة حدودها الجنوبية. مستغلة التنافس وعدم التنسيق بين البلدين – يمكن تعميمه على الحالة المغربية – عكس ما تقوم به البلدان الأوروبية الصناعية القوية عسكريا، وهي تنسق وهي تصدر القوانين المشتركة لحماية مصالحها الاستراتيجية، تقوم بتفعيلها عندما تقتضي مصلحتها ذلك، على حساب «دول الطوائف» المقابلة لها، على ضفة جنوب المتوسط. حتى إن تعلق الأمر بشكولاتة المرجان الجزائرية الممنوعة من دخول كل أوروبا بقرار فرنسي! في وقت كان تقتضي فيه المصالح المشتركة للبلدين، التنسيق والتعاون للوصول إلى مواقف مشتركة، حفاظا على مصالح الشعوب والدول في هذا الزمن الأغبر، الذي عادت فيه بقوة التيارات اليمينة المتطرفة إلى السلطة في بلدان أوروبا الغربية، الجار الشمالي، المتعامل الاقتصادي الأول للبلدين، زيادة على ما يميزها من حضور بشري فيه لأبناء البلدين، على شكل هجرة قديمة تتجدد كل يوم. كان المفروض أن تدفع دبلوماسية البلدين إلى التنسيق في حدوده الدنيا، على الأقل، ولما لا وضع استراتيجيات مشتركة، كما هو حاصل بين وزارتي الداخلية في البلدين، عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأمنية والحريات، التي لها علاقة مباشرة بالمواطنين، الحاضرة تاريخيا، مهما كانت الواجهة التي تحكم داخل البلد، لم تنقطع العلاقات بينها أثناء حكم كل الرؤساء منذ عصر بورقيبة – بومدين إلى وقت الناس هذا الذي تتم فيه، مطاردة المعارض والمغضوب عليه وكأنه في بلده تماما!
تشابه مكمل آخر يمكن الحديث عنه بين الانتخابات في البلدين، يتعلق الأمر هذه المرة بالظرف السياسي، الذي نظمت فيه، يحيل إلى الركود السياسي الذي ظهر عقب انطفاء موجات المطالبة بالتغيير التي شهدها البلدين في السنوات الأخيرة، التي وصلت إلى مداها على الأقل في هذه المرحلة التاريخية. دون أن تنجز المطلوب منها، بكل اليأس الذي ولدته لدى فئات واسعة من المواطنين، بما فيها النخب السياسية والفكرية، الذين استكانوا لموجات الردة السياسية الطاغية، التي بشرت بها هذه الانتخابات الرئاسية. لتكون عنوان قبيحا لها، ستعود الشعوب من دون شك بعدها إلى الانطلاق من جديد، كما فعلت عدة مرات في تاريخها السياسي الطويل، لإنجاز المهام التي حددتها لنفسها.
كاتب جزائري