هل نحن من القطيع؟ لو درنا على كل المحطات ووسائل الإعلام العربية لن نجد وسيلة يمكن وصفها تماما بالموضوعية والحياد، فكل وسيلة إعلامية تطبق سياسة عامة للمحطة أو الإذاعة أو الصحيفة ويكون لها توجه سياسي معين وثقافي اجتماعي والمفاضلة بينهم فقط فيمن يحاول أن يوازن ويمسك العصا من المنتصف فلا يظهر انحيازا تاما مع أو ضد للقضايا التي يتم تغطيتها وقد يظن البعض أنه من الممكن تجنب أثر الإعلام واختيار وسيلة لا تؤثر على العقل والتوجهات ولا يدرون أن الإعلام تغلغل في كل مفاصل الحياة في العالم المعولم وأنه يمكن أن يقلب الليل نهار والنهار ليل ويصور الخطيئة في ثوب الفضيلة والعكس ولذا قيل ‘ما يفعله الإعلام هو اقناع الناس بأن رجلا أخرسا قال لرجل أطرش أن رجلا أعمى شاهد رجلا مشلولا يلحق برجل مقطوع اليدين ليمنعه من شد شعر رجل أصلع!!’
وبعيدا عن السخرية فإن الواقع ليس أقل خطورة أو درامية كما يقول المفكر نعوم تشومسكي في كتابه سيطرة الإعلام Media Control ، حيث يمكن تحويل الجمهور المتلقي من النقيض الى النقيض فالإعلام يسعى الى الوصول بالجمهور الى اعتناق نفس الأراء بالنسبة للقضايا المختلفة لأن التفكير خارج الإطار والصندوق يؤدي الى الاختلاف والتمرد والمشاكل والخروج على النظام العام وهذا ما لا تريد الحكومات التعامل معه أو المخاطرة بحدوثه لذا غالبا ما تغلق الوسائل الإعلامية التي تغرد خارج السرب أو تضيق وتشوه صورتها باعتبارها تابعة للمعارضة أو الأقليات إن الإعلام وصناعة الرأي العام بقوة الأسلحة العسكرية فهي تقيم الحروب وتنهيها والاعلام مدارس واتجاهات يتم تعليمها في المعاهد الإعلامية، وبحسب تشومسكي فإنها صناعة تكلف العالم المتقدم بالذات بلايين الدولارات سنويا وبخاصة الجانب الترفيهي وهو المقابل للاعلام الجاد حيث يكون المقصود من زيادة البرامج الترفيهية أن يمر الجمهور على الأخبار الجادة مرور الكرام ويأخذها بدور المتلقي فقط وعندما يشعر المتابع بعجزه عن التغيير في مجريات الأمور الكبيرة يتجه الى المسلسلات وبرامج الترفيه التي تسري عنه وتشعره بأهميته عن طريق المواقع التفاعلية والتصويت فرأي الجمهور في هذه البرامج مهم ويغير بالتصويت مجرى الأمور، أما في السياسة فهم صفر عالشمال والأخبار تؤدي الى المرض والتعاسة وبهذا يحجم الناس عن الأخبار وبالذات جيل الشباب وهذه سياسة محكمة للفت الأنظار عن الأحداث المهمة وكيفية تفاعل الدول الفاعلة في المجتمع الدولي معها! ويضيف تشومسكي في كتابه أن تكثير وسائل الإعلام مقصود بحد ذاته بحيث يتم فصل الجمهور في مجموعات وفصل الخطاب لإحكام السيطرة عليهم بحيث لا يسمح لهم بالتجمع أو الانتقال من دائرة التلقي والفرجة الى دائرة الفعل وصناعة الحدث ويمكن انجاز ذلك بعدة أمور منها:
1- تكرار نفس الأخبار أكثر من مرة على مدار الساعة واليوم على مبدأ (اكذب ثم أكذب ثم اكذب حتى يصدقك الآخرون) وبهذا يتم محاصرة الجمهور بالطرق المستمر على حواسهم بذات القصة أكثر من مرة للمتابعين والحرص أن تصل المعلومة للذي لا يتابع ولو مرة على الأقل ولذا تجد مواقع البحث التي تقدم خدمة البريد الالكتروني (الايميل) التي يفتحها الشباب بالذات أكثر من مرة تُفرد شريطا للأخبار وبالذات الأخبار الساخنة لضمان وصول المعلومة الى الجميع بالطريقة وضمن السياسة التي تتبناها الوسيلة الإعلامية.
2 – شيطنة الخصم وبراءة النفس، بحيث يصبح الآخر مرفوضا والنفس هي القاعدة والنموذج والمعيار التي يتم الحكم من خلالها وأي اختلاف معها يعني وجوب اتخاذ اجراءات جذرية لعقاب المخالف لأن الاختلاف ليس مجرد اختلاف في الرأي فحسب بل مسألة حياة أو موت وهكذا بررت وسائل الاعلام الأمريكية بالتعاون مع الحكومة مسألة الحرب على العراق وأفغانستان تحت مسمى الحرب على الإرهاب بشعار ‘من ليس معنا فهو ضدنا’ وبالرغم من تغنيها بحقوق الإنسان ومبادىء الحرية والعدل والمساواة الا أنها جعلت الشعب قادرا على تقبل الفظائع كلها التي حصلت في الحرب ومعتقل غوانتانمو من خلال معيار النسبية الأخلاقية وأن هؤلاء الأعداء لا ينطبق عليهم ما ينطبق على بقية البشر وان لم نعاقبهم فستكون طريقة حياتنا ومثلنا على المحك وليعيش الشعب مزيدا من حالة الوحدة يتم رفع شعارات وطنية لا يمكن لأحد أن يقف ضدها كشعار ادعموا قواتنا support our troops ومن يعترض عليها في حالة الحرب يجب إسكاته واتهامه بالخيانة.
3 – إبقاء حالة الخوف والترقب واصطناع عدو للشعب فلا يستطيع الجمهور أن يرفع رأسه أو يلتقط أنفاسه بل يجب أن يبقى متوجسا حتى يقبل كل ما تفعله الحكومات دون مناقشة بحجة الحفاظ على الأمن والمصلحة العامة.
4- ضرب وتشتيت جهود الوحدة بين الفرقاء أو العاملين في الميدان ببث الأخبار المتضاربة والاعتماد على الإشاعات وتقديمها كحقائق ومن في العالم العربي أو حتى العالمي سيحاسب وسيلة إعلامية على ما تطرحه وكم عدد القضايا المرفوعة حول العالم ضد الإعلام ونزاهته.
أحسنتي يا سيدتي ، مقال رائع
بارك الله فيك أختي الفاضلة..
العقل المتحرر نعمة كبيرة والله… ليت الناس يدركون خطر الأطر الفكرية المبرمجة لعقولهم..