لماذا غضب «عرب شيكاغو» من الأمريكيين الأفارقة في الاحتجاجات الأخيرة؟

حجم الخط
15

خلال زيارة سابقة لشيكاغو لاحظت قدرا من التعاطف السياسي يبديه أبناء الجالية الفلسطينية هناك مع الأمريكيين الافارقة، بحكم تاريخ الاضطهاد المشترك الذي عانى منه الطرفان، وعلى المستوى المحلي، فإن عددا كبيرا من المحلات التجارية في الأحياء التي يغلب عليها السود، مملوكة للعرب، خصوصا الفلسطينيين واليمنيين، الذين حققوا نجاحات تجارية كبيرة، منذ قدومهم للولايات المتحدة قبل عقود.
وعلى الرغم من النظرة السلبية السائدة عن أحياء الافارقة الأمريكيين، بسبب ارتفاع معدل الجريمة، وانتشار عصابات المخدرات، وحوادث القتل، في تلك الأحياء، فإن العرب حافظوا عموما على علاقات طيبة معهم، ولم يتأثروا بتلك الحوادث، كون معظمها كان يقع بين الأفارقة الأمريكيين أنفسهم، أو بين الأمريكيين من أصول لاتينية، حيث تنشب مواجهات دامية بين عصابات الأحياء الفقيرة منذ عقود طويلة، بلغت أوجها في السبعينيات، لدرجة أنها كانت تخرج أحيانا عن سيطرة الشرطة المحلية.
لكن الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت بعد مقتل جورج فلويد، شهدت توترا كبيرا في العلاقة بين العرب والأمريكيين الأفارقة، فخلال أعمال النهب الواسعة التي تمت في أحياء السود في شيكاغو، تعرضت معظم محلات العرب هناك، لهجمات وعمليات سرقة، من قبل سكان تلك الاحياء، التي عمل فيها العرب لعقود، وقد اضطرت هذه الحوادث العرب، خصوصا الفلسطينيين واليمنيين، لحمل الأسلحة لحماية محلاتهم، كما وقعت بعض المواجهات المحدودة بين أصحاب المحلات العرب، والأمريكيين الأفارقة الذين هاجموا محلاتهم، وأصيب أحد اليمنيين بضربة مطرقة على رأسه. الكثير من الأصدقاء الفلسطينيين في شيكاغو تحدثوا عن مصابهم وخسائرهم، بسبب هذه الهجمات التي استمرت ليلتين كاملتين، وقد تحدثت مع عبد الرحمن فرحان في شيكاغو، وهو تاجر يملك خمسة محلات في حي Calumet Park ، وأعرب عن استيائه بعد نهب محلاته الخمسة وخسارته ما يقرب المليوني دولار، بينما سقف التأمين للمحل الواحد 100 ألف دولار فقط، ويظهر فرحان في عدة فيديوهات، وهو يتحدث مع سكان الأحياء من الأمريكيين الأفارقة ويسألهم، لماذا تدمرون أحياءكم، لماذا نهبتم صيدلية «والجرين» الوحيدة في حيكم؟ من أين ستشترون الدواء لعائلاتكم غدا؟ وتكرر الأمر مع عدة فلسطينيين تعرضت محلاتهم لهجمات .وحتى بعض الأمريكيين الأفارقة في شيكاغو وجهوا انتقادات لاذعة لبني قومهم، ونشرت إحدى السيدات صورا لمحل تم نهبه في شيكاغو، وكتبت معلقة على حسابها في تويتر، «لم يقم أي من رجال الشرطة بتدمير حينا، لم يقم العنصريون البيض بسرقة محلاتنا، يجب أن نتوقف هنا عن لوم الآخرين، نحن من فعلنا ذلك لأنفسنا، هؤلاء الشباب السود الذين قاموا بذلك يفتقرون للأخلاق والقيم». وهو ما يسلط ضوءا على جانب آخر من القصة،
كثيرا ما يتم تجاهله، رغم أن تجنب انتقاد جرائم النهب والسرقة التي تحصل، لأن منفذيها من السود، هو أيضا تحيز عنصري، تماما كما يتجنب البعض الحديث عن انتهاكات الشرطة الأمريكية لأن منفذيها من البيض. ويبدو حديث السيدة الأمريكية الافريقية جزءا من أصوات بدأت تتعالى بالنقد الذاتي في تلك المجتمعات، وتحميلها جزءا من المسؤولية عن أوضاعها .ولا يقتصر الأمر على المجتمعات الافريقية، فحتى بعض مناطق العرب تعاني من المشكلة نفسها، بسبب تهرب سكانها من دفع الضرائب، مثل ديربرن في ميتشيغان، إذ تبدو أحياؤها مهملة وشوارعها رثة، وبلديتها من أفقر البلديات، رغم أن أغلب سكانها العرب ميسورو الحال.

الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت بعد مقتل جورج فلويد، شهدت توترا في العلاقة بين العرب والأمريكيين الافارقة

واعتمادا على مشاهداتي الشخصية خلال زيارة سابقة، لأحياء الافارقة الأمريكيين في شيكاغو، كحي Calumet Park وهو من أكثر الأحياء التي تعرضت في الأيام الأخيرة لعمليات نهب هائلة من سكانها، وشمل ذلك المحلات العربية، فإن قلة اهتمام السكان السود هناك بالعمل، مقابل الاعتماد الكبير على المعونات الاجتماعية والتهرب الضريبي والعقاري، قاد لسوء مستوى المدارس والتعليم والخدمات، وأدى إلى الإضرار بالمجتمعات الأمريكية الافريقية، كما أن هناك تسربا كبيرا من مدارس الأطفال، ويعود ذلك لقلة الاهتمام بالتعليم في تلك الأحياء الفقيرة، فهناك بعض العائلات تفضل أن تخرج ابنها من المدرسة وتدعي أنه عاجز وتحصل على تقرير طبي، بهدف الحصول على معونة حكومية شهرية بقيمة 600 دولار .وهكذا تقل نسبة الحضور في المدارس، وبالتالي يقل الدعم من الولاية، الذي يعتمد على عدد الطلاب، ويبقى فقط الدعم المعتمد على ضرائب الأحياء والعقارات، الشحيحة أصلا؛ بسبب التهرب الضريبي، ولذلك تحاول الحكومة تعويض ذلك، بالتعليم الجامعي، إذ يدرس الكثير من الطلبة الأمريكيين ذوي الأصول الافريقية من تلك الاحياء الفقيرة، بمنح حكومية مجانية. ومع إجماع معظم المختصين بأن التمييز العنصري لا يزال حاضرا في الولايات المتحدة، رغم تجريمه قانونا، إلا أنه من الواضح أيضا أن الأمريكيين بذلوا جهودا أيضا، لإلغاء العبودية وتحقيق العدالة الاجتماعية، فلم تتوقف المحاولات منذ الحرب الأهلية التي وحد فيها إبراهيم لنكولن البلاد عام 1863، والتي أصدر فيها إعلان تحرير العبيد، إلى قانون الرئيس كينيدي عام 1961 الشهير باسم affirmative action الذي هدف لتوزيع عادل للوظائف وتكافؤ الفرص بين الأعراق، وهذا المفهوم الأخير، اعتمدته الجامعات الامريكية لمنح نسبة عادلة لقبول الطلاب الافارقة في الجامعات، تعوض ضعف مستوى التعليم في مدارسهم ونقص درجاتهم في إمتحانات القبول الجامعي SAT ، التي تشير وفق دراسات بحثية تمت منذ عام 2000 الى 2015، واستهدفت مقارنة نتائج الطلاب الامريكيين وفقا لانتماءاتهم العرقية، إلى أنهم يحصلون على أقل الدرجات في هذه الامتحانات، بينما يحصل الآسيويون الآمريكيين على اعلى الدرجات يليهم البيض فاللاتينيون، ولذلك باتت الجامعات تمنح ما يشبه «البونص» للطلاب الأفارقة الأمريكيين، لتمكنهم من الحصول على نسبة تلائم تعدادهم السكاني في امريكا رالبالغ نحو 13%، ووفق دراسة مطولة لعالمي اجتماع أمريكيين نشرت في كتاب، واعتمدت على نتائج 9000 طالب في 9 جامعات، فإن الطالب الافريقي الأمريكي يعامل بافضلية قدرت بـ310 نقطة على الأبيض، بمعنى أن الطالب الأسود الذي يحصل على درجة 1000 في امتحان الـSAT للقبول، لديه فرصة الطالب الأبيض الحاصل على1310، في القبول الجامعي، ويبدو السبب في ذلك هو أن الجامعات حريصة على «كوته» تضمن وجود نسبة من السود، ولأن درجاتهم ضعيفة حسب نتائجهم، فانهم يحصلون على ما يشبه «بونص»، لضمان وجودهم وبالتالي تحقيق التنوع بالاعراق المقبولة في الجامعات. ووفق دراسة اجتماعية اخرى، فإنه لولا هذه «الكوتة» التي تمنح للسود للقبول الجامعي وتعوضهم نقص درجاتهم، لكانت نسبة قبولهم انخفضت في بعض الكليات النخبوية من33% الى12% فقط، وما زال الموضوع مثارا للجدل بين مؤيد ومعارض لـ affirmative action، والمظلوم الأكبر بهذه الكوتة هم الآسيويون الأمريكيون، الذين يحصلون على أعلى الدرجات في امتحانات الـSAT، وتقول الدراسة إن درجاتهم تخفض بمعدل 140، لذلك رفعوا قضايا للمحاكم على جامعة هارفرد وغيرها، لكن الجامعة تنفي ذلك وتقول إن الاختبار الاكاديمي ليست المقياس الوحيد، وهناك الصفات الشخصية وغيرها من المعايير.
ولعل القصة الأكثر تعبيرا عن هذه السياسة، هي قصة الطالب الهندي الذي ادعى أنه افريقي، وغير قصة شعره في المقابلة الجامعية، ليحصل على قبول جامعي كلية الطب، ليؤلف لاحقا كتابه بعنوان «تقريبا أسود» Almost Black.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سهيل:

    شكرا للكاتب الكريم علي ها المقال الي ابرز لنا الوجه الاخر من القصة …
    السود اقاموا الدنيا ولم يقعدوها بعد مقتل الرجل .. تبين لاحقا انه استعمل عملة مزيفة ليحال بها علي صاحب محل عربي ….؟
    ثم توالت التدخلات الصحفية والاعلامية خصوصا في قناة Cnn التي اصبح جل المتدخلين فيها من السود وهم يظهرون في صورة الضحية متناسين انهم هم من جلب هذا علي انفسهم …
    الامريكي الاسود مازال يعيش علي مآسي الماضي و لكن لمذا لا نري الامريكيون من اصل عربي و اسيوي او هندي او باكستاني و لاتيني يتذمرون علي احوالهم او معاناتهم رغم انهم اكثر كفاءة وتعليما من غيرهم
    الظاهر ان ازمة الامريكي الاسود تم استغلالها فقط لاثارة المزيد من الضغط واللغط علي ادارة ترامب قبل انتخابات نوفمبر وللاسف مرة اخري يستغل البراغماتيون ماسي الاخرين للتسلق للبيت الابيض …

    1. يقول د محمد شهاب أحمد:

      الأمر ليس العملة المزيفة _ قيل أنها لم تظهر كذلك
      بل القتل بالهمجية التي رآها الجميع …ما حصل بعدها كان غضب مكبوت …نعم غير صحيح ، و لكن مفهوم

  2. يقول Mohamad Martini:

    للأسف هناك من العرب الذين يفتحون محلاتهم عند الأفارقةالأمريكيين , يفتحونها لبيع زبائنهم الخمور وسرقة طوابع غذاء السود بتبديلها من غذاء الى مشروبات روحية ,

  3. يقول سهيل:

    شكرا للكاتب الكريم علي هذا المقال الذي ابرز لنا الوجه الاخر من القصة …
    السود اقاموا الدنيا ولم يقعدوها بعد مقتل الرجل .. تبين لاحقا انه استعمل عملة مزيفة ليحال بها علي صاحب محل عربي ….؟
    ثم توالت التدخلات الصحفية والاعلامية خصوصا في قناة Cnn التي اصبح جل المتدخلين فيها من السود وهم يظهرون في صورة الضحية متناسين انهم هم من جلب هذا علي انفسهم …
    الامريكي الاسود مازال يعيش علي مآسي الماضي و لكن لمذا لا نري الامريكيون من اصل عربي و اسيوي او هندي او باكستاني و لاتيني يتذمرون علي احوالهم او معاناتهم رغم انهم اكثر كفاءة وتعليما من غيرهم

    الظاهر ان ازمة الامريكي الاسود تم استغلالها فقط لاثارة المزيد من الضغط واللغط علي ادارة ترامب قبل انتخابات نوفمبر وللاسف مرة اخري يستغل البراغماتيون ماسي الاخرين للتسلق للبيت الابيض …

    1. يقول سمارة:

      لللاسف فالبعض من الجالية العربية في مدن امريكا (وشيكاغو احداهم) اتخذوا عملهم في الاحياء الفقيرة لتجارة الخمور، جزئا كبيرا منهم يستغل بطاقات التمويل الحكومية و الكوبونات، للاسف نفس هؤلاء التجار يدعون التبعية للاسلام و يصلون بالمساجد والاسلام بريئ منهم، التجارة ليسة سهلة ولكن بيع وتجارة الخمور سهل وبالذات في الاحياء الفقيرة ومعظمها مكتظة بالاقليات المنبوذة، نفس هؤلاء التجار يستغلون اخوانهم العرب حيث يتسغلون ايديهم العاملة باجور اقل من الحد الادنى القانوني لان بعضهم لا يملك الاقامة و حق العمل في البلد

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية