لماذا قتل جمال خاشقجي؟

كنت في ألمانيا في منزل أحد الأصدقاء الأعزاء الذي أصر على إقامة حفل صغير لي بمناسبة إصداري لروايتي الثالثة (في عرين الشيطان) ، لم تكن فرحتي بإصدار ذلك الكتاب أكبر من فرحتي بتلك المفاجأة السارة التي فجرها مضيفي عندما أبلغني رسالة شفهية من جمال خاشقجي يهنئني من خلالها بالنسخة الإنكليزية لروايتي الثانية (امبراطورية العبيد) والتي حصل عليها من أحد الأصدقاء في واشنطن، إذ قال له (وهنا أقتبس من كلام جمال رحمه الله):
«نحن المسلمين والعرب في أمس الحاجة في هذه الأيام إلى مثل هذه الأعمال الأدبية التي تخاطب الغرب بلغتهم سيما وأن الهجمة الهمجية لليمين المتطرف ضد ديننا الحنيف قد ازدادت ضراوتها وأعادت بقوة ما يسمى بمصطلح الإسلاموفوبيا إلى أذهان الناس».

القرار الخطير

فرحت كثيرا بهذه الشهادة النبيلة من ذلك الشخص النبيل، وما أسعدني أكثر حقا كان دعوته لي رحمه الله إلى حضور مؤتمر في لندن الهدف منه هو خلق نواة صلبة للديمقراطية العربية تكون لبنتها الاولى على شكل هيئة جامعة لكل الأحرار من المثقفين ومن النخب العربية والمسلمة، ولكن يد الغدر كانت أسرع منه، فقضى رحمه الله وأخذ احلامه معه.
والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة الآن: من قتل جمال خاشقجي؟
وهل يجرؤ محمد بن سلمان على القيام بذلك الفعل الشنيع واتخاذ ذلك القرار الخطير بمفرده!؟
قطعا لا. إن قرار اغتيال جمال خاشقجي قد تم اتخاذه من أعلى مستوى سياسي في الدولة العميقة في أمريكا، تلك التي تقبع وراء الكواليس وتتحكم بمفاصل الحياة السياسية في هذه الإمبراطورية، والسبب في ظني بسيط بل وفي غاية البساطة، فجمال خاشقجي كان قد بدا بمخاطبة الشعب الأمريكي، ذلك المارد النائم والمغيب تماما عن حقيقة ما يفعله الساسة في بلاده، وهذا الأمر يمثل خطا أحمر ولا ينبغي تجاوزه على الإطلاق لأن ذلك المارد اذا ما استفاق من سباته فسوف ترون أمريكا بوجه مختلف تمام الاختلاف.

سياسة الولايات المتحدة

لقد بدأ جمال يكتب في «الواشنطن بوست» وهي صحيفة مرموقة وتتمتع بمصداقية عالية لدى القارئ الأمريكي وذلك أدى بطبيعة الحال إلى خلق نوع من الوعي لدى الناس بحقيقة وبشاعة سياسة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
ذلك أمر أزعج الساسة إلى حد كبير، كما أن لقاءاته مع الناس سواء أكانت بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عبر وسائل الإعلام قد باتت تشكل تهديدا حقيقيا لصانع القرار في أمريكا، فهم لا يريدون للشعب الأمريكي أن يطلع على ما يحدث في كواليس السياسة المظلمة، فذلك لن يسمح لهم بتمرير قراراتهم القذرة لأن الشعب الأمريكي النبيل لن يسمح بذلك على الإطلاق، وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير في نظر أولئك القتلة إلى جمال رحمه الله هو عزمه وإصراره منقطع النظير على إنشاء نواة صلبة للديمقراطية الحقيقية في العالم العربي، وذلك أمر في غاية الخطورة، فلطالما وقف ساسة الغرب مدعو الديمقراطية إلى جانب الأنظمة الديكتاتورية القمعية في عالمنا العربي، وأمدوا ملوك الطوائف من الحكام العرب بكل أطواق النجاة، ولقد رأينا ذلك جليا في ثورات الربيع العربي والتي حاربها ساسة الغرب بالوكالة ، ودعموا عودة الأنظمة الشمولية القديمة بفوضى وانقلابات اطلقوا عليها تسمية الثورات المضادة وقد كرسوا لها كل ما يملكون من أدوات .

خلق فتنة

لقد اختار متخذو قرار اغتيال خاشقجي تركيا مكانا لاغتياله، وذلك بهدف خلق فتنة كبيرة وفوضى في بلد يعتبرونه عدوا، فتركيا قد تم تصنيفها من قبل الغرب أنها آخر قلاع السنة التي يجب تدميرها لا سمح الله ولا قدر بعد أن تم تدمير العراق وسوريا فعليا وإخراج مصر من المعادلة كليا، ولكن ما فاجأهم حقا كان سوء التنفيذ، فلم يتوقع قادة الدولة العميقة في أمريكا أبدا أن يكون التنفيذ بتلك السذاجة المطلقة، وعلى طريقة مهلهل ربيعة (الزير سالم) في حرب البسوس ، فمن منهم بحق الله قد تنبأ أن يتم اغتياله في قنصلية بلاده ، وأن بن سلمان أراد رأس خاشقجي في حقيبة سفر!؟

كاتب من سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الذي قتله ابن سلمان! ولكن لماذا يحميه ترامب؟ هل هو مشترك بالجريمة؟ ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول محمود الوهب:

    جيد أن تكتب في القدس العربي.. والمقالة جيدة لكنها تبقى وجهد نظر.. أعتقد أن الفاعل ابن سلمان وجاءت الجريمة في سياق الصراعات على السلطة.. والأمريكان قبضوا مقابل سكوتهم..

إشترك في قائمتنا البريدية