غزة – مصطفى حبوش: أثارت دعوة كتائب عز الدين القسام، الذراع المسلح لحركة “حماس”، مؤيديها في العالم، إلى دعمها ماليا من خلال عملة “بيتكوين” الرقمية، تساؤلات حول ما وراء هذه الدعوة وسبب اختيار هذا النوع من العملات.
وتدعم هذه الدعوة معطيات كثيرة تؤكد أن حركة “حماس” تعاني من أزمة مالية خانقة منذ عدة سنوات.
والثلاثاء الماضي، كتب أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، في منشور عبر قناته على تطبيق “تليغرام”: “ندعو كل محبي المقاومة وداعمي قضيتنا العادلة لدعم المقاومة ماليا من خلال عملة البيتكوين عبر الآليات التي سنعلنها قريبا”.
وقال أبو عبيدة إن “العدو الصهيوني يحارب المقاومة من خلال محاولة قطع الدعم عنها بكل السبل، لكن محبي المقاومة في كل العالم يحاربون هذه المحاولات الصهيونية ويسعون لإيجاد كافة سبل الدعم الممكنة للمقاومة”، دون مزيد من التفاصيل.
ولاحقا، أعلنت كتائب القسام عن عنوانين لمحفظتين إلكترونيتين، وطلبت من أنصارها، تحويل الأموال إليهما.
و”بيتكوين”، هي العملة الافتراضية الأكثر شهرة بين مئات العملات المشابهة، وتستحوذ على القيمة السوقية الأكبر حول العالم.
ولا تملك العملة الرقمية المشفرة، رقما متسلسلا ولا تخضع لسيطرة الحكومات والبنوك المركزية، كالعملات التقليدية، بل يتم التعامل بها فقط عبر شبكة الإنترنت، دون وجود فيزيائي لها.
ولا تملك عملة بيتكوين المشفرة، رقما متسلسلا ولا تخضع لسيطرة الحكومات والبنوك المركزية، كالعملات التقليدية، بل يتم التعامل بها فقط عبر شبكة الإنترنت، دون وجود فيزيائي لها.
وارتفعت قيمة “البيتكوين” منذ ظهورها عام 2008، معتمدة على حركة العرض والطلب وقبول التعامل بها في الشركات الكبرى والبورصات العالمية، فبدأ سعرها بـ0.001 دولار، لتصعد بنهاية العام 2017 إلى أعلى مستوى لها عند 19400 دولارا، قبل أن يهبط ويستقر سعر الوحدة عند 3400 دولار.
وفي الوقت الذي يرى البعض أن هذه العملة، تضمن الأمان التام للمتبرعين، حذر آخرون من أن بمقدور وكالات الاستخبارات العالمية الكشف عنهم بسهولة.
وفي الوقت الذي يرى البعض أن هذه العملة، تضمن الأمان التام للمتبرعين، حذر آخرون من أن بمقدور وكالات الاستخبارات العالمية الكشف عنهم بسهولة.
وسيلة آمنة ومشفرة
ويرى رئيس تحرير صحيفة “الاقتصادية” الأسبوعية التي تصدر من غزة، محمد أبو جيّاب، أن “الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها حركة حماس نتيجة ممارسة الضغط الاقتصادي عليها وتجفيف منابع تمويلها وتقييد عمليات التحويل المالي إلى غزة، السبب الرئيس وراء هذه الدعوة”.
وقال أبو جيّاب: “في دول العالم يوجد الكثير ممن يرغبون بالتبرع للمقاومة، لكن هؤلاء لا يستطيعون إرسال الأموال عبر الوسائل التقليدية مثل البنوك أو شركات تحويل الأموال؛ خشية من اتهامهم من حكومات دولهم بدعم الإرهاب، إضافة إلى أن هناك قيود كبيرة تمنع وصول الأموال لغزة بسهولة”.
وأضاف: “نتيجة لذلك، بادرت كتائب القسام لهذه الدعوة واختيار عملة البتكوين يرجع إلى أنها عملة مشفرة ويحظى تداولها بسرية تامة، فهي لا تخضع لأي نوع من الرقابة ولا سلطة مركزية أو مرجعية قانونية لها”.
ويقول أبو جيّاب إنه لا يمكن لأحد أن يعرف مرسل هذه العملات أو مستقبلها سوى المرسل والمستقبل أنفسهما؛ لأن عمليات التحويل تتم وفق معادلات معقدة ومشفرة ولا تخضع لأي نوع من الرقابة.
ويشير إلى أن كتائب القسام أرادت من وراء هذه المبادرة توفير الحماية للمتبرعين، وبالتالي تشجيعهم على تقديم المزيد من الدعم.
تدويل دعم المقاومة
كما يهدف الذراع المسلح لـ”حماس” من هذه الدعوة، حسب أبو جيّاب، إلى “تدويل دعم المقاومة بحيث لا يقتصر على الأطراف الذين تربطهم بالحركة أو بقياداتها علاقات مباشرة، ويتوسع الأمر ليشمل أي شخص محب للشعب الفلسطيني ومقاومته ورافض للاحتلال في أي بقعة على وجه الأرض”.
وتوقع أبو جيّاب أن يتم تحويل مبالغ كبيرة إلى حسابات كتائب القسام، خلال أشهر قليلة.
وحول آليات تحويل هذه العملات إلى سيولة نقدية، قال المختص الاقتصادي:” اعتقد أن من بدأ الخطوة يعلم كيف سيتصرف لاحقا، ولا يمكن التنبؤ بالآليات التي سيتم من خلالها إيصال الأموال إلى قطاع غزة”.
دعوة مجدية
من جانبه، رأى مدير شركة مالية تتعامل بالعملات الإلكترونية بغزة، أن دعوة كتائب القسام لدعمها عبر عملة “البيتكوين” ستكون “مجدية للغاية وستجمع من خلالها مبالغ مالية كبيرة خلال الفترة المقبلة”.
وأوضح المدير طالبا عدم الكشف عن هويته، أن ما سيشجع الناس على التبرع بهذه العملة الإلكترونية هو “السرية والعمليات المشفرة التي سيتم عبرها نقل الأموال”.
وقال: “من يتعامل بهذه العملة يعلم أنه من الصعب أو المستحيل كشف شخصيات أصحاب المحافظ (الحسابات) التي تتعامل بها”.
وأضاف: “بواسطة عملة البيتكوين تتم صفقات تجارية غير رسمية في أنحاء العالم، مثل تجارة السلاح بعيدا عن أعين الحكومات والجهات الرسمية”.
وأشار إلى أن الشيء الوحيد الذي يتم معرفته عند عمليات بيع أو شراء أو تبادل العملات الإلكترونية هو رقم المحفظة (الحساب) ولا يمكن التعرف على شخصية مالك هذه المحفظة، إلا إذا أعلن هو عن نفسه، وبالتالي فإنه من الطبيعي ألا يُعلن من يتبرع لفصائل المقاومة عن امتلاكه للمحفظة التي تبرع من خلالها.
ثغرة أمنية
على الجانب الآخر، يرى المختص في الشؤون التقنية، محمد شُرّاب، أنّ من الممكن “اكتشاف المتبرعين بهذه العملة لحساب كتائب القسام في حال لم يتخذوا إجراءات احتياطية تحميهم من ذلك”.
وقال شُرّاب، إن “عملية استخدام عملة البيتكوين بالشراء أو البيع أو نقل هذه الأموال تتميز بعدم وجود طرف ثالث وسيط مثل البنوك أو المؤسسات المالية الرسمية، ولهذا تلجأ إليها جهات مثل فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة حتى لا يتم اكتشاف العمليات التي تقوم بها”.
وأضاف مستدركا:” لكن الطريقة التي أعلنت عنها كتائب القسام لتلقي التبرعات بعملة البيتكوين يوجد فيها سلبيات بعضها قد يتسبب بكشف شخصيات المتبرعين”.
وأوضح أن إعلان “القسام” عن رقم محفظته، سيمكن الجهات المعادية من معرفة رصيد هذه المحفظة كاملا وجميع العمليات التي تمت عبرها.
وأشار شُرّاب إلى أن بمقدور أجهزة المخابرات المعادية لحركة “حماس”، رصد أرقام المحافظ الإلكترونية التي تبرعت لمحفظة “القسام”، وتتبع عمليات هذه المحافظ في مواقع أخرى تسجل بياناتهم الشخصية، مثل مواقع التجارة الإلكترونية كـ”أمازون” أو “علي بابا”، وبالتالي معرفة شخصياتهم.
ولفت إلى أنه للخروج من هذه الإشكالية، يمكن للمتبرعين استخدام “محفظة خاصة لنقل الأموال لمحفظة القسام، وعدم استخدامها في أي عمليات أخرى”.
وحول آلية الحصول على عملات “البيتكوين”، قال شراب، إنه “يتم الحصول على هذه العملات من مواقع إلكترونية مختصة، تشبه أسواق البورصات وتقوم بعمليات بيع وشراء العملات الإلكترونية”.
أزمة مالية خانقة
في السياق ذاته، قال المحلل السياسي المقرب من حركة “حماس”، إبراهيم المدهون، أن “خطوة كتائب القسام تأتي لمواجهة الحصار الاقتصادي المفروض على حماس”.
وأضاف:” أعتقد أن لدى (كتائب) القسام رؤية واضحة وكاملة لم تفصح عن جميع جوانبها، للتعامل مع التبرعات التي سترد إليها بالعملات الإلكترونية”.
وأضاف المدهون: “هذه الدعوة، تهدف أيضا للفت انتباه المتعاطفين والمحبين للشعب الفلسطيني إلى ضرورة استئناف دعم المقاومة، وفيها أيضا رسالة للاحتلال الإسرائيلي بأنه مهما شدد من حصاره فإن لدى حركة حماس وسائل مبتكرة لمواجهته وكسره”.
وأكد الكاتب السياسي أن حركة “حماس” تواجه فعلا أزمة مالية منذ سنوات، وهي جزء من الأزمة الاقتصادية التي تضرب المنطقة.
أسباب الأزمة
وأشار إلى أنه من أهم أسباب الأزمة المالية، توسّع الحركة وزيادة نفقاتها خاصة أنه بات لديها الكثير من المؤسسات وعشرات الآلاف من المنتمين إليها، والآلاف من الموظفين الذين يتقاضون رواتب منها.
وقال إن الضغوط الأمريكية على بعض الدول “دفعها إلى إعادة حساباتها خشية من المساس بمصالحها والتوقف عن مساعدة الحركة”.
وذكر أيضا أن الأزمات القائمة في سوريا وليبيا واليمن، أثّرت أيضا على الواقع المالي لحركة “حماس” فكثير من أموال “التبرعات”، باتت توجّه لهذه الدول.
وتأسست حركة “حماس” في 14 ديسمبر/كانون أول عام 1987 على يد مجموعة من قادة جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، كان أبرزهم الشيخ أحمد ياسين.
ولا تكشف الحركة عن مصادر تمويلها، لكن مصادر تحدثت في وقت سابق، قالت إنها تتمثل في الاشتراكات الثابتة التي يدفعها أبناء الحركة، ثم التبرعات التي يتم جمعها من “أنصار الحركة حول العالم”، وثالثا، من المنظمات الأهلية والأحزاب وبعض الدول. (الأناضول)