كان الرأي السائد هو بحث إسرائيل عن فرصة لشن الحرب ضد إيران، غير أن التطورات ال*أخيرة ومنها الرد المحتشم وغير المعلن عنه على الهجوم الإيراني، يؤكد تلاشي هذه الأطروحة، ويبقى السبب الحقيقي هو تراجع مخزون مضادات الطيران في سيناريو شبيه لما يحدث في أوكرانيا، وعجز القبة الحديدية عن مواجهة فعالة للصواريخ الإيرانية واستحالة صمود إسرائيل من دون دعم أمريكي.
وكانت إيران قد شنت هجوما بمئات المسيرات والصواريخ الباليستية والمجنحة ضد إسرائيل ليلة السبت/الأحد 14 أبريل انتقاما من تعرض قنصليتها في دمشق للتدمير يوم الفاتح من أبريل، وردّت إسرائيل ليلة الجمعة 19 أبريل. ويوجد فرق شاسع بين الهجومين، فقد تبنت إيران الهجوم، وأعلنت عن استهداف مراكز عسكرية حساسة مثل قاعدة نيفاتيم، في المقابل، لم تتبنَ إسرائيل الهجوم بثلاث طائرات مسيرة صغيرة ضد مصنع حربي في أصفهان، وتبقى الفرضية الرئيسية هي لجوء إسرائيل الى خلية نائمة من الجواسيس داخل إيران، لضرب أصفهان وليس تنفيذ هجوم من خارج الحدود، وبعد الرد والرد المضاد، بدأت تتضح معطيات عسكرية دالة للغاية وأبرزها:
*لا تستطيع إسرائيل لوحدها صد هجوم إيراني واسع، فقد شاركت في صد هجوم ليلة 14 أبريل أكثر من عشر سفن حربية غربية مرابطة في البحر الأحمر وشرق المتوسط، وعشرات الطائرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والأردنية. وتنقل المواقع العسكرية الأمريكية مثل «المعهد الأمريكي للبحرية الحربية» اعتراض القوات الأمريكية لأكثر من 80 طائرة مسيرة وصواريخ باليستية ومجنحة، أي الثلث. وعليه، لو لم تكن المشاركة الغربية المباشرة لكان أكثر من نصف الطائرات المسيرة والصواريخ قد ضربت الأهداف المسطرة. لنستحضر كيف كذبت إسرائيل بأنها اعترضت 99% من الهجمات، واعترفت لاحقا فقط بـ84% ومن دون شك ستعترف غدا بنسبة أعلى.
*لا تمتلك إسرائيل صواريخ أنظمة دفاع جوي قادرة على اعتراض أحدث الصواريخ الباليستية والمجنحة الإيرانية، رغم عدم استعمال إيران الصواريخ الحديثة في ترسانتها. ولعل المعطى العسكري المهم جدا في ليلة 14 أبريل أن الذي اعترض الصواريخ الباليستية الإيرانية ليس إسرائيل بقبتها الحديدية الشهيرة، بل الولايات المتحدة بفضل نظام الدرع الصاروخي مستعملة صواريخ اعتراضية من نوع إس إم 3. ونقل البنتاغون بارجتي «يو إس إس كارني» وكذلك «أرلي بيرك» من البحر الأحمر إلى شرق المتوسط بعد ضرب إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، تحسبا لرد إيراني. وارتباطا بهذا، لأول مرة تستعمل الولايات المتحدة صواريخ الدرع الصاروخي لاعتراض صواريخ هجومية، وفي هذه الحالة صواريخ إيرانية. وتتراوح قيمة كل صاروخ من نوع إس إم 3 ما بين تسعة ملايين دولار إلى ثلاثين مليون دولار. ويرفض البنتاغون تقديم معلومات كافية حول استعمال الدرع الصاروخي يوم 14 أبريل الجاري. ويعرف الدرع الصاروخي ببرنامج حرب النجوم الذي كان قد طرحه الرئيس رونالد ريغان في الثمانينيات، ودخل حيز التنفيذ خلال مرحلة الرئيس باراك أوباما.
*تضغط الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، على إسرائيل لتهدئة التوتر مع إيران خوفا من تكرار إيران هجوما جديدا واسعا، لأن هذا البلد يمتلك من المسيرات والصواريخ لشن هجمات كبيرة طيلة شهور. ويمكن للقوات الغربية وإسرائيل صد الهجوم الإيراني الثاني والثالث، ولكن ابتداء من الرابع ستكون عملية صد الهجوم صعبة للغاية، نظرا لتراجع مخزون أنظمة الدفاع الجوي. وسيتكرر سيناريو أوكرانيا، إذ أن القوات الأوكرانية ترصد مسيرات الشاهد الإيرانية التي تستعملها روسيا، لكنها عاجزة عن اعتراضها لنقص في مضادات الطيران والصواريخ. وينبه القادة العسكريون الأمريكيون أن استعمال مضادات الطيران والقذائف في أوكرانيا وفلسطين والبحر الأحمر يتجاوز الإنتاج بكثير، ما يترتب عنه خلل في الدفاع. وكانت جريدة «ديفانس وان» قد نقلت عن مسؤولين في البنتاغون التفكير في استعمال سلاح الليزر لإسقاط الصواريخ والمسيرات التي يطلقها الحوثيون للحفاظ على مخزون مضادات الطيران مثل باتريوت.
هذه التطورات العسكرية هي التي تفسر لماذا يلح بعض الخبراء العسكريين، ومنهم إسرائيليون على القول بأن إسرائيل فقدت الردع الاستراتيجي يوم 14 أبريل، لأن القبة الحديدية بقيت محدودة المفعول أمام بعض الصواريخ الباليستية والمجنحة الإيرانية، التي لولا الدرع الصاروخي الأمريكي، لكانت قد أحدثت دمارا كبيرا. ويعتبر هجوم 14 أبريل القفزة النوعية الثالثة للسلاح الإيراني، وكان الأول خلال نوفمبر 2019 عندما أسقطت إيران طائرة التجسس الشهيرة «أركيو 4 غلوبال هوك» ثم دور الدرون الشاهد في الحرب الروسية – الأوكرانية، وأخيرا استعمال البنتاغون صواريخ الدرع الصاروخي أو حرب النجوم لاعتراض بعض الصواريخ الباليستية الإيرانية، التي لا تعتبر الأحدث في الترسانة الإيرانية. ينكب الخبراء العسكريون في الغرب على تقييم مدى تطور السلاح الإيراني وخطورة ذلك على النفوذ الغربي في منطقة حساسة مثل الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، بل إلى مستوى اعتماد روسيا على مسيرات الشاهد ورغبة الصين شراء الآلاف منها، وتركز وكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية DIA على دراسة مدى تطابق آخر درون إيراني الشاهد 149 مع الدرون الأمريكي المتطور MQ-9 Reaper ، يذهب سياسيون وإعلاميون في العالم العربي إلى الحديث عن مسرحية الهجوم الإيراني على إسرائيل، والتزموا الصمت حول الهجوم الإسرائيلي الذي لا تستطيع تل أبيب الإعلان عنه رسميا خوفا من رد إيراني. لو كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تضمنان توجيه ضربات عسكرية قاسية ضد إيران من دون رد قاس من طهران، لكانت المقاتلات الأمريكية والإسرائيلية والغربية تدك المدن الإيرانية.
بعيدا عن الاستقطاب المذهبي، السؤال المستفز هو: لماذا نجحت إيران في بناء مشروع عسكري متطور يضمن أمنها القومي، وبدأت في تصدير السلاح إلى قوى كبرى مثل الصين وروسيا وفشل العرب رغم الميزانيات العسكرية الباهظة في تصنيع ولو طائرة مسيرة للاستطلاع؟
كاتب مغربي