لماذا هيأ قادة الأمن الإسرائيلي أجواء حرب بأسلوب شرق أوسطي؟

حجم الخط
0

مثل الحصادين، فإن تحذيرات الحرب عندنا هي الأخرى ظاهرة موسمية تبشر بالخريف المقترب. ثلاثة تصريحات مختلفة ولا يرتبط أحدها بالآخر خلقت أجواء حرب في الأيام الأخيرة، والكثير من الإسرائيليين الذين لعلهم تعبوا من الحرب التي في داخلنا، تبنوا بحرارة التهديد الخارجي القديم والطيب. إذن، يسعدني أن أخيب آمال هؤلاء وأهدئ من روع الباقين: لا مؤشرات على اقتراب حرب.

صحيح أن هناك الكثير من الأعداء الذين يعملون حولنا ويتمنون انهيارنا، والكثير من المنظمات المعادية التي تراقب مسيرة التدمير الذاتي التي نجتازها بسرور وباهتمام، لكنهم يفهمون ونحن أيضاً علينا أن نفهم بأن التهديد الوجودي المهم والوحيد الذي يحوم فوق إسرائيل اليوم موجود في القدس.

إن سلسلة التصريحات التي أطلقت هذا الأسبوع من وزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس الموساد، هي التي أثارت لدى كثيرين إحساساً بأن أياماً رهيبة تحل مرة أخرى. ومثلما قال زميلي غي زوهر، هذه أقوال تحتاج تفكيكاً وتركيباً.

وقف رئيس الأركان في المهرجان لإحياء 50 سنة على حرب يوم الغفران، وتحدث عن أن الدرس من الحرب إياها هو عدم الاستخفاف بالتهديدات التي نقف أمامها، وأن نكون جاهزين لتحقق السيناريو الخطير. السيناريو الأمني الخطير اليوم هو سيناريو حرب متعددة الجبهات، وإليه يخطط الجيش الإسرائيلي. هذا لا يعني وجود مؤشرات على أنه سيناريو يوشك أن يقع علينا.

إيران و”حزب الله” وحماس ينظرون بانفعال واهتمام إلى إسرائيل التي تسحق نفسها حتى الجنون. يصعب عليهم أحياناً أن يصدقوا ما تراه عيونهم: أن إسرائيل بكلتا يديها تتحلل من قدراتها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية. يثير هذا فهم نزعة قوية لتشجيع المسيرة وتسريعها، لكن الأقوى هو تخوفهم من أنهم إذا ما تدخلوا فإنهم سيوحدون أجنحة الأمة الإسرائيلية الممزقة ويوقفوا مسيرة الهدم المباركة، في نظرهم.

ولهذا، فهم يضبطون أنفسهم، حالياً على الأقل. يحاولون أن يعظموا الاحتكاك لكن ليس بقوة تؤدي إلى مواجهة واسعة. “حزب الله” الذي يرى هذه الحكومة تقف عديمة الوسيلة أمام توغلهم الفظ على السيادة الإسرائيلية، معني بخلق احتكاك آخر على الجدار، لكنه يحذر هذه الأثناء من المبادرة بأعمال تدفع إسرائيل إلى رد فعل واسع. إيران تشجعه على التجرؤ أكثر، لكن إيران نفسها لا تتجرأ على المبادرة بشيء من أراضيها.

بالتوازي، جاء وزير الدفاع إلى المؤتمر في جامعة رايخمن وكشف النقاب عن إقامة إيران مهبطاً لطائرات غير مأهولة على مقربة من حدود إسرائيل، بل ورفعت فيه علماً إيرانياً.

لا يفترض بهذا المهبط أن يقض مضاجع أحد، بل العكس، يفضل لو أن كل ذخائر “حزب الله” كانت أهدافاً علنية يرفرف من فوقها علم. يمكن للجيش الإسرائيلي أن يدمر هذا المهبط في كل لحظة معطاة حتى دون أن ينهض عن الكرسي. اسألوا لماذا وجد وزير الدفاع من الصواب الكشف عنه؟ الجواب شاعري: لمثل هذا المؤتمر الذي يتحدث فيه كثيرون بنبرات عالية، هناك حاجة لجلب شيء ما يجذب الانتباه.

في جبهة الجنوب، حماس، التي حافظت حتى الآن على هدوء تام من قطاع غزة، تريد هي أيضاً أن تنال حظوة على التفكك الإسرائيلي؛ فبدأت تبادر إلى مسيرات ليلية نحو جدار القطاع. حتى الآن كانت استجابة سكان القطاع لهذه المسيرات محدودة، لكن فيها ما قد يؤدي إلى احتكاك يقود إلى التصعيد. هذا الأسبوع، سقط قتلى غزيون جراء انفجار عبوة حملوها، وإذا ما ارتفع عدد المصابين، فربما يجتذب غزيين أكثر للانضمام إلى الأعمال الليلية.

في خلفية انتخابات داخلية في حماس السنة القادمة، سيحاول الزعيم النشط لحماس في الخارج، صالح العاروري تحدي زعامة يحيى السنوار الراغب في الهدوء والاستقرار في القطاع. التهديدات الإسرائيلية للمس بالعاروري رفعت مستوى مكانته، ولهذا يحاول السنوار في الليالي الأخيرة الإثبات بأنه هو أيضاً يساهم بنصيبه في الكفاح ضد إسرائيل، لكن لا شهية واهتمام له في مواجهة أخرى في غزة.

أما التصريح الأكثر صخباً فكان لرئيس الموساد في ذاك المؤتمر في رايخمن، الذي ذكر فيه عدد الإحباطات المبهرة للجهاز، 27 (!)، ضد محاولات إيرانية لضرب أهداف إسرائيلية ويهودية في العالم. دادي برنياع، الذي وصل رجاله إلى المخربين أنفسهم وحققوا معهم على الأراضي الإيرانية، كشف أيضاً مرسليهم من وزارة الاستخبارات الإيرانية وجهاز الاستخبارات للحرس الثوري ووحدة 840، المسؤولة عن إقامة شبكات الإرهاب خارج إيران.

كان يكفي كشف الأجهزة والشخصيات لنقل رسالة رادعة، لكن برنياع واصل وهدد حتى بقتلهم إذا ما نجحوا في تنفيذ مؤامراتهم. لا أدرى إذا كان أرسل بأمر من المسؤول عنه ليقول ما قاله أم أنه اختار الصيغة بنفسه، لكن كان غريباً أن نسمع رئيس الموساد يتحدث بأسلوب شرق أوسطي ولا يتميز به على نحو ظاهر. في الماضي، عندما كان الموساد يعتقد جدير بصفية أحد ما، كان يفعل هذا دون أن يهدد ويحذر مسبقاً.

يتواصل من تحت هذا التبجح تآكل في أهلية الجيش الإسرائيلي بعامة وسلاح الجو بخاصة. وثمة قادة أسراب لم يطيروا منذ سبعة أسابيع ويهبطون في أهليتهم. تشعر هيئة الأركان العملياتية لسلاح الجو كل ليلة بنقص في الأشخاص المجربين الذين توقفوا عن التطوع. في هذه الأيام التي بين إجازة الصيف والأعياد، الأيام التي لا يتدربون فيها، يجد سلاح الجو صعوبة في إعطاء مقياس دقيق لوضع الأهلية. لكن فور الأعياد، في منتصف تشرين الأول، سيتعين عليهم اتخاذ قرارات حول ملء شواغر الطيارين الذين كفوا عن التطوع، والاستعداد للموجة التالية التي ستأتي مع انعقاد الكنيست وإجازة قوانين إعفاء الحريديم.

لكن رئيس الوزراء ووزراءه مشغولون بتهديدات أخرى: المحكمة تخيفهم أكثر من كل قنبلة إيرانية، ومركبات مدرعة للسلطة الفلسطينية تتخذ صورة التهديد الوجودي. الـ 75 سنة الأولى كانت رائعة، حتى وإن لم تكن سهلة دوماً. فليكن لنا شرف السنة التالية.

ألون بن دافيد

 معاريف 15/9/2023

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية