صدقت التوقعات في قيام النظام المصري بإجراء انتخابات مبكرة، ووجد الشعب المصري نفسه فجأة داخلا في هذه الأجواء قبل موعدها بأربعة أشهر. على الفور، بدأت معركة جمع التوكيلات للمتقدمين إلى الترشح للرئاسة، حيث تخضع الانتخابات في مصر لشرط حصول المرشح على دعم وتوقيع 20 نائبا على الأقل من نواب البرلمان، أو الحصول على توكيلات انتخابية بالترشح من قبل 25 ألف مواطن. وفيما يضمن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي توقيعات النواب، فإن الفرصة الوحيدة للشخصيات التي تعتزم خوض السباق الرئاسي ضده، هي جمع التوكيلات من الجماهير.
لكن ما تداولته بعض وسائل الإعلام، وهو ما أكده لي إخوة من مصر، أنه يتم التضييق والتعسف الأمني، ومن قبل موظفي الشهر العقاري على المواطنين الذين ذهبوا لعمل توكيلات للمرشحين الذين يعتزمون خوض الانتخابات ضد السيسي. ووفقا لـ «بي بي سي نيوز عربي»، فقد شكا مؤيدو المرشّح أحمد طنطاوي، الاسم الأكثر بروزا بين معتزمي الترشّح، من التضييق عليهم بأساليب مختلفة، منها تعنت موظفي مكاتب التوثيق، وتقديمهم أعذارا متنوعة غير معقولة، ووصل التضييق إلى حد الاعتداء بالضرب من قبل الخارجين على القانون المدعومين من الشرطة، وبعضهم تم احتجازهم من قبل الشرطة. وقد أكد لي العديد من الأشقاء المصريين، أنه يتم جمع هويات الموظفين في المصالح الحكومية إلزاما، وعمل توكيلات بها لصالح رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، كما أن وسائل الإعلام لم تسمح بظهور طنطاوي، الذي تعرض سابقا لمضايقات أمنية منذ بدء انتقاده للنظام وسياساته واعتزامه الترشح للرئاسة، وكل هذه الوقائع والأحداث، تعكس قلق النظام المصري.
أعظم ما يستفيد منه النظام المصري من تقديم موعد الانتخابات، هو استباق التعويم الحتمي للجنيه، الذي سيتبعه بطبيعة الحال تفاقم الأزمة الاقتصادية
ابتداء نقول إن النظام يستفيد من تقديم موعد الانتخابات عن موعدها، في تفويت فرصة تنامي شعبية المرشحين، خاصة طنطاوي، وإجهاض الاستعدادات التي تتم من قبل المرشحين وفق جدولهم الزمني، لكن أعظم ما يستفيد منه النظام من تقديم موعد الانتخابات، هو استباق التعويم الحتمي للجنيه المصري، الذي سوف يتبعه بطبيعة الحال تفاقم الأزمة الاقتصادية، والمزيد من غلاء الأسعار الذي أرهق كاهل المواطن المصري، حيث إن القيام بهذه الخطوة قبل الانتخابات يعرض النظام لمزيد من السخط الشعبي الذي يمكن أن يؤثر على مسار الانتخابات بصورة أو بأخرى. وعلى الرغم من أن النظام المصري يبسط سيطرته على مفاصل الدولة ومؤسساتها، إلا أن التعسفات والمضايقات الأمنية، التي تمارس بحق مرشحي الرئاسة وقواعدهم الجماهيرية في معركة جمع التوكيلات، تكشف حرص الحكومة على محاولة حسم الانتخابات قبل إجرائها، عن طريق إفشال المرشحين البارزين في جمع التوكيلات اللازمة من الجماهير. من وجهة نظري، الرئيس المصري ليس قلقا مما ستسفر عنه الانتخابات التي ضمن أنها سوف تحسم لصالحه، للاعتبارات التي ذكرتها على هذا المنبر قبل شهر، وهي سيطرة النظام على مفاصل الدولة ومؤسساتها الصلبة، وتجييش الإعلام للترويج لسياساته، وحيلولة الجيش دون تولي أية شخصية مدنية زمام الحكم، ونجاح النظام في القضاء على الحياة الحزبية، وخلوّ الساحة من الشخصيات البارزة ذات الثقل السياسي والظهير الشعبي، وعدم توافق التيار المدني على شخصية محددة للدفع بها للسباق الرئاسي. لكنني أعتقد أن سبب قلق رئيس النظام، هو الشكل المحتمل للانتخابات، من حيث ظهور التنافس، والثقل الشعبي المتوقع لبعض المرشحين، حال منحهم حرية التحرك في الدعاية الانتخابية، وهذا من شأنه أن ينسف مزاعم التوافق الشعبي على شخص الرئيس، وادعاء أن الشعب كله يريده لفترة رئاسية أخرى إلا جماعة الإخوان وفلولها ومؤيديها. كما أن منح المرشحين المنافسين مساحة للتحرك والتفاف الجماهير حولهم، ينذر بتشكيل كتلة معارضة قوية، يمكن البناء عليها وتوسيع مجالات نفوذها وقواعدها الجماهيرية. يُعمّق من قلق النظام، إخفاقه في القضاء على الأزمات الاقتصادية المروّعة، وانفلات وكلاء الأسعار، ونزول شرائح واسعة من المصريين تحت خط الفقر، في الوقت الذي تطرح فيه مؤسسات القطاع العام للبيع، والإنفاق غير الرشيد في مشروعات ضخمة تتعارض مع مفهوم الأولويات، كالقصور الرئاسية والعاصمة الإدارية وعدة مشاريع أخرى، من دون أن تكون هناك أية بوادر لتحسين الحالة المعيشية للمصريين، ما أدى إلى لجوء كثير من الشباب للهجرة، بعد انتشار البطالة وانسداد الأفق في أن تكون هناك بارقة أمل في تحقيق حياة كريمة داخل الوطن.
لا أتوقع أن تشهد الساحة المصرية مفاجآت في العملية الانتخابية، وأعتقد أن الجميع تجاوز مرحلة التفكير في نتائج الانتخابات، إلى التفكير في مرحلة ما بعد تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فترة أخرى، وهي ست سنوات بعد التعديل الذي أجري على الدستور، وهي فترة طويلة لا شك، لا يمكن التكهن حيالها إلى أي حال قد يصل الشعب المصري، وهل يمكن أن يتحمل مزيدا من الضغط، وهل يمكن أن يصل إلى مرحلة الانفجار!
والحديث هنا ليس عن الانفجار في وجه النظام، فهذا مستبعد في السنوات القليلة المقبلة، نظرا لسيطرة النظام التامة على زمام الأمور، والافتقار إلى الرموز الشعبية القوية ذات التأثير والقدرة على التثوير، ولكن حديثي عن الانفجار هنا، أعني به الانفجار الداخلي، انفجار الشعب في نفسه ـ لا قدّر الله – وتفاقم جرائم السرقة والنهب والسطو المسلح، وتحول وجود التشكيلات العصابية إلى ظاهرة يصعب السيطرة عليها، حفظ الله مصر وشعبها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية