لندن ـ «القدس العربي»: تعرض النجم المصري عمر مرموش لكل السخرية والهجوم اللازم العام الماضي، وصلت لحد التهكم عليه في سجال مشترك بين الإعلامي مهيب عبدالهادي ونجم الأهلي والزمالك في التسعينات رضا عبدالعال، بدأ بسؤال استنكاري من قبل مقدم البرنامج الرياضي، جاء نصه على النحو الأتي: «ما الإنجاز الذي يقوم به في الدوري الألماني حتى يشارك بصفة أساسية مع المنتخب الوطني؟»، ليجيبه الضيف بعبارته المأثورة في عالم السوشيال ميديا، قائلا: «تصدق بالله… أحمد مدبولي لاعب النادي الإسماعيلي أفضل منه 100 مرة»، قبل أن يتكفل بحق الرد والدفاع عن نفسه، بتصدر عناوين الصحف والمواقع الرياضية العالمية على مدار الأيام والأسابيع القليلة الماضية، بفضل عروضه الهوليوودية التي يقدمها مع ناديه آينتراخت فرانكفورت، آخرها قبل عطلة أكتوبر/تشرين الأول الدولية، التلاعب بالحارس الأسطوري مانويل نوير في مناسبتين، بالإضافة إلى تمريرة حاسمة، في قمة البوندسليغا أمام بايرن ميونيخ، التي انتهت بالتعادل بثلاثة أهداف في كل شبكة، ليتوج مجهوده بتصدر قائمة هدافي الدوري الألماني، بفارق 3 أهداف عن هاري كاين، كأول لاعب عربي يحقق هذا الإنجاز منذ أيقونة المنتخب التونسي عادل السليمي مع فرايبورغ في 1999، قبل أن يكلل هذا التوهج بالحصول على جائزة لاعب الشهر في الدوري الألماني، تزامنا مع الأنباء والتقارير التي تضع اسمه في جمل مفيدة مع عمالقة الدوري الإنكليزي الممتاز وأوروبا، والسؤال الذي يفرض نفسه: كيف نجح الفرعون المصري الجديد في خطف أنظار كبار القارة العجوز بهذه السرعة؟
بصمة ميدو
مثل مثله الأعلى محمد صلاح، بدأ مسيرته من تحت الصفر، وكأي شاب من مواليد القاهرة، حاول استكشاف موهبته مع نادي وادي دجلة، عندما كان ينافس في الدوري الممتاز عام 2016، وشاء القدر أن يكون واحداً من اكتشافات العالمي أحمد حسام ميدو، في تجربته العابرة مع النادي العاصمي. وحسنا فعل مرموش في أول ظهور مع الفريق الأول في الدوري الممتاز، بعد مساهمته في تسجيل هدف الفوز على الاتحاد السكندري، في المباراة المثيرة التي انتهت بفوز فريقه 3-2، وحدث ذلك قبل أن يحتفل بعيد ميلاده الـ18، ومن هنا بدأ يتردد اسمه في بعض وسائل الإعلام الإسبانية والألمانية، نظرا لارتباط اسمه بعدة أندية صغيرة ومتوسطة، إلى أن جاءته فرصة العمر التي لطالما كان يبحث عنها، بإمكانية انتقاله إلى شباب فولفسبورغ في 2017، ورغم تأخر الخطوة التالية في مسيرته، بقضاء ثلاث سنوات كاملة مع فريق رديف فولفسبورغ، بدون إظهار مؤشرات على أنه يتطور أو يتم صقل موهبته وإعداده للعب مع الفريق الأول، إلا أنه سرعان ما نجح في تعويض ما فاته، بنجاحه في اختبارات إعارته خارج النادي، بدأت بتجربته الأولى مع سانت باولي، الناشط في القسم الثاني الألماني في عام كورونا، والتي خرج منها بتسجيل سبعة أهداف من مشاركته في 21 مباراة، كأول ومضة مبشرة إلى جاهزيته لبدء الاحتكاك والمنافسة على مستوى الدرجة الأولى، ولهذا السبب أرادت إدارة فولفسبورغ، اختبار إمكاناته في مستوى تنافسي أعلى، بإرساله إلى شتوتغارت على سبيل الإعارة في الموسم التالي، ذاك الموسم الذي عانى فيه مرموش من صداع الإصابة بجانب ابتعاده عن المشاركة لارتباطه بأداء الواجب الوطني مع منتخب بلاده في كأس أمم أفريقيا الكاميرون 2021، وفي الأخير نجح في إثارة إعجاب الإعلام والجمهور في ألمانيا، بمساهمته في إنقاذ الفريق من الهبوط إلى الدرجة الثانية، ما مهد أمامه طريق العودة إلى «فولكسفاغن ارينا» وبرأس مرفوعة أكثر من أي وقت مضى، بعدما رسم لنفسه صورة مشروع الجناح الصاعد إلى سماء النجومية العالمية بسرعة الصاروخ.
منعرج طريق
على النقيض من التوقعات الكبيرة والآمال العريضة التي علقها جمهور فولفسبورغ بعد عودة مرموش من رحلته مع الإعارات، لم تسر معه الأمور بالطريقة التي أرادها، بظهوره بنسخة أقل حدة وإيجابية عن تلك التي كان عليها مع شتوتغارت، مكتفيا بتسجيل خمسة أهداف على مدار الموسم، الذي شهد غيابه عن مباراة واحدة فقط، وهو ما جعل إدارة النادي، تصرف النظر عن فكرة التمديد معه، لتلتقطه أعين آينتراخت فرانكفورت في صيف 2023، في صفقة مجانية بدت ظاهريا أشبه بالمخاطرة أو المقامرة، لكنها في حقيقة الأمر كانت «ضربة معلم»، وواحدة من أهم اكتشافات النادي في السنوات القليلة الماضية، بتحول نيزكي في مسيرة الشاب العشريني، من جناح في أتعس لحظاته وأدنى مستويات أسهمه في سوق اللاعبين، إلى جوهرة مؤهلة للعب لأكبر وأشهر الأندية الألمانية والأوروبية، وذلك في فترة زمنية لا تزيد على 15 لـ16 شهرا، يكفي أن قيمته السوقية كانت شبه رمزية بعد انتهاء موسمه المخيب للآمال مع فولفسبورغ، والآن قفزت لنحو 30 مليون جنيه إسترليني، ومن المحتمل أن تزيد للضعفين على أقل تقدير، إذا نجحت الإدارة في مقاومة إغراءات الأندية الإنكليزية في سوق الانتقالات الشتوية التي ستفتح أبوابها في أول ساعات العام الجديد، وواصل مرموش على نفس النسق الاستثنائي، كواحد من أكثر اللاعبين تأثيرا وحسما وتسجيلا للأهداف حتى نهاية الموسم، خاصة بعد بدايته التي فاقت كل التوقعات هذا الموسم، بعد مساهمته في تسجيل 15 هدفا من مشاركته في تسع مباريات فقط، بإجمالي 9 أهداف وصناعة 6، مقابل 17 هدفا وصناعة 6 من مشاركته في 41 مباراة في مختلف مسابقات الموسم الماضي، دليلا على الطفرة الواضحة في أدائه وبصمته داخل المستطيل الأخضر، وذلك باعترافه، يرجع إلى دعم النادي وثقة المدرب والمسؤولين في إمكاناته، حيث قال في مقابلة موثقة في يوليو/تموز الماضي في تعليقه على ظهوره اللافت في أول موسم مع آينتراخت فرانكفورت: «الأهداف التي سجلتها وأدائي خلال الموسم لم يكن بالصدفة. عملت بجد من أجل كل هذا. هنا في النادي، تحصل على دعم كبير وأفضل مساعدة لتطوير موهبتك. لدي شعور جيد جدا تجاه فريقي. يبدو لي وكأنه عائلة، وهذه هي الطريقة التي يتعين علينا بها التعامل مع مبارياتنا لاحقا».
الخطوة التالية
لا يُخفى على أحد، أن اسم مرموش اقترن بعملاق البريميرليغ ليفربول في سوق الانتقالات الصيفية الأخيرة، لكن لسبب أو لآخر، تعطلت الصفقة، ليكون آينتراخت فرانكفورت، هو الرابح الأكبر من تعثر الصفقة أو تمسكه ببقاء جوهرته النفيسة، بعد جني ثمار الرهان عليه، بظهوره بهذه النسخة البراقة، التي جعلت الصحف والمواقع الرياضية، تضعه في مقارنة مع أفضل لاعبي العالم في الوقت الراهن، ليس فقط بفضل لغة الأرقام، التي تعطيه أفضلية على جُل المشاهير والأسماء المرشحة للفوز بجائزة «البالون دور»، لأفضل لاعب في العالم لهذا العام من مجلة «فرانس فوتبول»، بل أيضا للنضوج اللافت سواء في عقليته أو مردوده داخل المستطيل الأخضر، كلاعب أقل ما يُقال عنه «وحش كاسر»، لا يمكن إيقافه عندما يقرر الانطلاق بالكرة في المساحات الشاغرة. والمثير للإعجاب في مرموش، أنه يُجيد اللعب بنفس الجودة والكفاءة في كل مراكز الهجوم، إما جناح أيسر مهاجم أو جناح أيمن مهاجم أو رأس حربة وهمي، لموهبته المتفجرة في القدرة على المراوغة وبعثرة المدافعين، بتلك الطريقة المحرجة التي أهان بها مدافع البايرن دايو أوباميكانو، قبل أن يمزق شباك نوير في ملحمة البايرن، وهذه النقطة يتشابه فيها مع مواطنه صلاح، لكنه بوجه عام أكثر نكرا للذات، كلاعب من النوعية المفضلة للمدربين أصحاب النهج الجماعي، شعاره الرئيسي «مصلحة الفريق قبل الجميع»، استنادا إلى ما قاله في وقت سابق نقلا عن موقع «Goal» العالمي «إذا كانت هناك فرصة بنسبة 30% لتسجيل هدف وكان زميلي في الفريق لديه فرصة أفضل وكان في وضع أفضل، فسأمرر الكرة حتى نتمكن من تسجيل هدف كفريق، وليس عمر فقط»، وهذا ما ينفذه على أرض الملعب، وبشهادة مدربه دينو توبمولر، الذي يقول عن جوهرته: «إنه مسؤول عن خلق الخطر في المقدمة، وإحراز الأهداف وصنع الفرص للآخرين. إنه من الصعب للغاية الدفاع ضده بسبب سرعته في الركض إلى العمق، إذ أنه يستطيع أيضا التسلل من مسافة قريبة، والتعامل مع الكرة بشكل رائع وتمرير بعض التمريرات الرائعة. إنه في حالة رائعة في الوقت الحالي، ويشعر بالراحة، هذا هو مفتاح نجاحه هذه الأيام».
وبالإضافة إلى كل ما سبق، نتحدث عن لاعب يتمتع باللياقة البدنية اللازمة للضغط بكل شراسة وعدوانية على المدافعين ولاعبي الوسط، والشيء الأكثر أهمية، أنه ما زال لديه الوقت لتطوير موهبته وقدراته التي بدأت في الظهور والانفجار في الوقت الحالي، كواحد من أفضل المفاجآت السارة في الدوريات الأوروبية حتى الآن، ومع استمرار وضعه الحالي كما هو عليه، قد يضطر ناديه لرفع الراية البيضاء أمام المحاولات الجريئة المحتملة في الميركاتو الشتوي أو الصيفي على أقصى تقدير، وهذا ما أقر به المدير الرياضي للنادي ماركوس كروش مؤخرا، قائلا: «لا نريد أن نخسر العديد من اللاعبين الأساسيين. يجب أن أقول بصراحة إنه لا يوجد لاعب في آينتراخت غير قابل للبيع»، فهل يتحقق حلم مرموش في المستقبل القريب بالانتقال إلى أحد كبار البريميرليغ؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام والشهور المقبلة، بعد ارتباط اسمه بالثلاثي مانشستر يونايتد وآرسنال وليفربول وبدرجة أقل ميلان وأندية أخرى إيطالية وألمانية أكثر شعبية وطموحا من آينتراخت فرانكفورت.