لماذا يتعمد السيسي التخلص من عبد المنعم أبو الفتوح؟

حجم الخط
1

صدر الحكم ضد المرشح الرئاسي الأسبق، رئيس حزب “مصر القوية” الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ظهيرة الأحد 29 من مايو/آيار بالسجن المشدد لمدة 15 عاما بعد سجن سابق قاسٍ له ومعاناة مضاعفة لأكثر من 4 سنوات، وبذلك يصدق في الرجل قول المتنبي:
وإذا كانت النفوس عظاما … تعبت في مرادها الأجساد
فرغم أن الرجل يبلغ نحو 71 عاما ويعاني من عدة أمراض أبرزها القلب، فما زلت همته عالية وقامته مرتفعة، ورغم وجود عشرات الآلاف من المعتقلين يأخذهم النظام المصري رهائن، إلا أن أبو الفتوح المفصول من جماعة الإخوان عقب ترشحه لرئاسة الجمهورية في 2012م بأيام يعاني معاناة مضاعفة متجددة في سجنه، وهو الذي أسس حزبا جُمد نشاطه بإرادة أعضائه اعتراضا على القبض على زعيمه، بالإضافة إلى أنه خرج على الإخوان في أحداث 30 يونيو/حزيران 2013م، بل حذر قبل توليهم من حكمهم وفق تسريب لأحد مسلسلات رمضان الأخير”الاختيار” في حلقته الثالثة المذاعة في الرابع من أبريل/نيسان الماضي.

معارضة الإخوان

كان النظام يعرف جيدا أن الرجل معارض تماما للإخوان والمسلسل معد ومنفذ تحت إشراف النظام نفسه، بل إن رئيس النظام عبد الفتاح السيسي أقسم مرات في 2 من مايو/أيار على صحة كل ما ورد فيه مرات، وعقب إذاعة الحلقات 3، 13، 14 منه بادر محامي أبو الفتوح الحقوقي خالد علي لإصدار بيان في 27 من أبريل/نيسان الماضي أوضح فيه تقدمه بطلب إلى رئيس محكمة جنايات القاهرة لإعادة محاكمة أبو الفتوح وضم مشاهده المسربة له أو للمرشد العام للإخوان حوله للمرافعة في القضية رقم 1059 لعام 2021 جنايات أمن الدولة طوارئ بعد أن حجزتها المحكمة في 13 من مارس/آذار الماضي للحكم الذي صدر مؤخرا بناء على ما أثبته النائب العام؛ وبناء عليه تمت مصادرة أموال أبو الفتوح كما جاء في “إثباتات قيام قيادات التنظيم الدولي للإخوان الهاربين خارج البلاد، بالتواصل والاتفاق فيما بينهم على تصعيد وتيرة أنشطتهم الإرهابية والتخريبية تجاه الدولة ومؤسساتها، قاصدين من ذلك إشاعة الفوضى ابتغاء الاستيلاء على السلطة، وتكليف القيادي عبد المنعم أبو الفتوح، بمهمة تنفيذ المخطط الإرهابي، مستغلا في ذلك غطاءه الشرعي كرئيس لحزب مصر القوية”.
وبعيدا عن أن أبو الفتوح يعاني من أمراض الشيخوخة فإن التسريب الخاص بحديثه عن الجماعة الذي تبنى نظام السيسي إذاعته، يعبر عن رأي استقر لديه لحظة صرح به وهو مناسب بالتبعية لتسريب مرشد الإخوان بديع حوله، وهو وإن كان أمرا مؤسفا من الطرفين إلا أننا نعتقد أنه لذلك بقي أبو الفتوح مطلق السراح من بداية الانقلاب في 3 من يوليو/تموز 2013م حتى 13 من فبراير/شباط 2018م، وهو موقف يخص كليهما للأمانة نقف منه على مسافة حيادية واحدة شكلا ونتأسف موصوعا لوصول رفقاء كفاح سابق لهذا المستوى وتقربهما من عدو (قيادات الجيش) قبيل عصف الأخير بكليهما لاحقا، وإن أقررنا بأننا لم نقف على كامل التسريب الخاص بالمرشد وأبو الفتوح ولكن الموقف كافٍ لإثبات ما هو أكثر من الجفاء بين الرجل والإخوان وبالتالي عبثية سجنه بناء على اتهام بتلقي تكليف لتنفيذ مخطط إرهابي من تنظيم الإخوان، والأخير هو الذي قالت الدولة بنفسها أن أبو الفتوح يعاديه وأن مرشده يبادله الشعور أو على الأقل غير محايد في نظرته إليه، وهذا وذاك يجعل إثبات النائب العام مصدر عجب وغرابة!
قضى أبو الفتوح 4 سنوات ونصف السنة مطلق السراح رغم تعرضه للسباب من قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في تسريبات حواره مع الصحافي الراحل ياسر رزق في أكتوبر/تشرين الثاني 2013م، ووصفه بـ”الشاذ فكريا” و”الذي كان سيعلقهم مثل الذبيحة” لو أنه وصل للرئاسة حسب وصف رزق وتأكيد السيسي. ولكن الثابت أن أبو الفتوح على مدار أكثر من 4 سنوات ونصف السنة من بداية الانقلاب لم يفعل أو يتخذ موقفا غير محسوب العواقب رغم كونه الفائر في المركز الرابع في أول انتخابات ديمقراطية في تاريخ مصر في الجولة الأولى في 2012م، واستيائه من أوضاع الدولة. ومن العجيب أن رأي السيسي فيه توافق مع آراء لقيادات متعددة في الجماعة. ففي تصريح سابق لعضو مجلس شورى الجماعة محيي الدين الزايط في منتصف أبريل/نيسان 2012م، قال إنه إن فاز أبو الفتوح برئاسة مصر فسيضع الجماعة على طريق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، قاصدا سجن أعضائها وإعدام أبرز قياداتها، وهو ما فعله بالجماعة لاحقا مَنْ اختارته وقدمته لتولي حقيبة وزارة الدفاع وتمت ترقيته مرتين دفعة واحدة ليكون أهلا للمنصب، ففعل بها السيسي ربما أكثر من عبد الناصر.
ولطيب نفسه، ورونق فكره وعلو وثاقب رؤيته لمشكلات مصر من أبعادها يُحارب أبو الفتوح ويحاول النظام الحالي التخلص منه، وفي المقابل لا يجد الاهتمام أو تسليط الضوء الكافي على مأساته من مقاومي السيسي السلميين أو رفقاء الدرب من الإخوان.
كان كاتب هذه الكلمات خصه خلال فترة سجنه بمقالات آخرها بعنوان “في مآثر عبد المنعم أبو الفتوح” في جريدة “العربي الجديد” اللندنية، في 19 من مارس/آذار الماضي، وبعد 4 أيام فقط تعرض المناضل النبيل لواحد من أسوأ المواقف التي واجهها في حياته، إذ نشرت أسرته السبت الأول من رمضان/ 2 أبريل/نيسان أن امتناع أبو الفتوح عن استقبالهم استمر لما يراه من ظلم واضح في محاذير الزيارة المبالغ فيها منذ 14 فبراير/شباط 2018م، وتزايدت مع بداية عام 2019م، رغم الحبس الاحتياطي وتلفيق قضية إثر أخرى للإبقاء عليه رهن الاعتقال إلا أنه لمس مبالغة شديدة في محاذير زيارة الأبناء والزوجة والأحفاد له، ومع كريم النفس والاعتداد بالموقف النضالي، وتمام علمه بأن السيسي يدبر بنفسه له وقائع تهدف لكسر عزته، ورغم تقدمه في العمر وحاجته لدعم الأسرة من جميع الجوانب وأولها المعنوي، إلا أنه رفض الإهانة فأعلن توقفه عن استقبال الزيارات منذ يناير/كانون الثاني الماضي.
ويبدو أن إدارة سجن مزرعة طرة وجدت في القرار قسوة جديدة تريدها لتأزيم حياة المناضل في الأسر أكثر، من حيث أراد انفراجة ولو قليلة، فلما فاض بأبو الفتوح طالب بمقابلة مأمور السجن مرات دون جدوى، وهو حق قانوني له يعرفه بحكم تجاربه ثم معاناته جيدا، فلما لم يعد يحتمل أصر في الأربعاء 23 من مارس/آذار الماضي على المقابلة لعمل “محضر إثبات امتناعه عن الزيارة وعدم استجابة إدارة السجن لطلبه” (على حد ذكر بيان الأسرة على موقع فيسبوك)، فتهربت إدارة السجن فأصر على الانتظار، رافضا التوجه إلى زنزانته، ومن باب المرونة طلب مجرد مقابلة ضابط مباحث السجن، فما كان من العميد مفتش مباحث مصلحة السجون لمنطقة “سجن طره ب”، المكالف بالتحقيق في مصالح المساجين والعمل على تحقيقها وفق قواعد ونظم السجن، فما كان من المفتش إلا أن مارس أدوار الخصم والجلاد والحكم معا، فقاد قوة فيها أحد الضباط وعدد من الجنود لإرهاب أبو الفتوح، فلما لم يستجب تعاملوا معه بالقوة، وبما لا يليق مع إنسان لا مع مناضل مقاوم صاحب تاريخ منذ بدايات الشباب في عهد الرئيس عبد الناصر، وحتى اليوم مرورا بجميع الأنظمة اللاحقة، وهو أيضا الأكاديمي الطبيب أمين عام اتحاد الأطباء العرب من قبل.
لم يتحمل قلب النبيل أبو الفتوح كل هذا التعنت والقسوة و”القوة الغاشمة” في التعامل معه لتحقيق هدف السيسي في التخلص منه، ففاض بجسده المتعب المريض وبروحه المتوثبة التي تعاني القهر ومحاولات الإذلال، ففاجأته ذبحة صدرية جديدة فورا هددت حياته فاستهانت إدارة السجن أكثر لما لم تعالجه إلا بحقنه بموسع للشرايين لمرتين على مدار 6 ساعات من المعاناة المتصلة.
ذهب أحمد نجل أبو الفتوح مع الأسرة في السبت الأول من رمضان لزيارة الأب والعائل والزوج وانتظروا حتى الخامسة مساء، أو قبيل المغرب بتوقيت القاهرة، حتى تم إخبارهم بأن أبو الفتوح يرفض الزيارة، فكادوا يعودون لولا أن وصلته رسالة أبيه الخامسة المكتوبة، إذ لم يتم تسليم الأسرة سابق رسائله بطلب النجدة من محاولة قتله في محبسه، ولم يراع سجانوه الإنسانية مع مسن صاحب مبدأ ورأي لم يرتكب جرما يتطلب سيل الإهانات وتعمد إنهاء حياته.

شوكة صلبة

إن أزمة أبو الفتوح ليست مع النظام وحده بل مع السيسي نفسه الحريص على استبعاد جميع منافسيه، إنه مقاومه السلمي الوحيد الحي ولم يهادن من أبرز منافسي انتخابات الرئاسة في 2012م، وفهو لم يتنازل كـ”حمدين صباحي” مثلا صاحب المركز الثالث في الجولة الأولى من الانتخابات بل يهادن ويلتقي السيسي كما في الإفطار الرمضاني الأخير، ولم يتم إسكاته الأبدي من مثل مرسي منذ 17 من يونيو/حزيران 2019م، أو مؤقتا كالفريق أحمد شفيق المحددة إقامته في بيته والمستجيب للأمر بحذافيره. إن أبو الفتوح رابع أربعة أولهم حكم مصر والآخرون كانوا قيد خطوات من الأمر، فتم التعامل مع اثنين بحدة وحسم استجابا لها، وبقي هو بعد مرسي على نهج الحق وامتلاك جماهيرية كبيرة (وإن عارض الإخوان وعارضوه) لكنه ما يزال رغم سجنه شوكة صلبة في حلق السيسي، فيحاول الأخير التخلص منه لكن على خوف لكي لا يفتح باب تحقيق أو مجرد استفسارات دولية خاصة كما فعلوا مع مرسي، وإن كان ذلك لن يردعه عن الأمر بسجنه لسنوات طويلة لا تناسب شيخوخة أبو الفتوح ونبيل نضاله.
*
كاتب مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول تاريخ حروب الغرب وأتباعهم:

    قبح الله الظلم والظالمين

إشترك في قائمتنا البريدية