يمكن القول بأن تشكيل “حكومة التغيير” كان أمراً ضرورياً، فقد وضعت حداً لظاهرة مدمرة انتحارية، وهي استعداد الدولة ومؤسساتها لمصلحة بقاء نتنياهو الشرعي. في الوقت نفسه، من الواضح والمفهوم ضمناً أن استمرار وجود “حكومة التغيير” ضرورة لا يجب التملص منها؛ لأن البديل سيكون حكومة كهانية بيبية. مع ذلك، لا مناص من الاعتراف بأن تشكيل واستمرار وجود الحكومة الحالية مرتبط بثمن باهظ جداً بالنسبة لليسار السياسي، الذي أساسه إعطاء الشرعية لتطبيع الاحتلال في نظر الجمهور الواسع في إسرائيل، بما في ذلك من يؤيدون الوسط – يسار، ويساريون بارزون.
قبل تشكيل حكومة “فقط ليس بيبي” أثارت كلمة “احتلال” في أوساط معظم الإسرائيليين بالأساس تثاؤباً واحداً كبيراً. ولكن إذا كان ميرتس الآن، الذي يعد النضال ضد الاحتلال واستئناف العملية السياسية هو خبزه اليومي، يوافق على الجلوس في حكومة تقول علناً بأن التفاوض مع الفلسطينيين حول حل الدولتين غير موجود من ناحيتها على الأجندة، فمن الطبيعي ظهور أفكار هرطقة بين أكثر مؤيدي اليسار ولاء، خشية ألا تكون نهاية الاحتلال مهمة ملحة ومهمة لدولة إسرائيل.
إذا كان هناك جزء من الممثلين الأصيلين لجمهور المواطنين الفلسطينيين مستعد لأن يكون شريكاً في حكومة تعتبر استمرار استعباد الشعب الفلسطيني أحد مبادئها العلنية، فثمة افتراض بأن يبدأ بعض هؤلاء الإسرائيليين القلائل (الذين أعطوا صوتهم للقائمة المشتركة في وقت ما) في التوافق مع الفكرة المرفوضة بصيغة ميخا غودمان، التي تقول إنه يمكن تحويل احتلال شعب آخر إلى نوع من حيوان أليف ودود، يمكن مواصلة العيش إلى جانبه إلى الأبد.
الحديث يدور عن أضرار كبيرة، في الفكر والوعي، لجوهر المبادئ الأساسية لدى اليسار السياسي في إسرائيل. ولتقليص هذه الأضرار مطلوب معارضة أيديولوجية مقاتلة من اليسار، التي ستقوض الشعور بطبيعية للاحتلال في أوساط الجمهور الإسرائيلي. هذا بالضبط ما يفعله رئيس القائمة المشتركة، عضو الكنيست أيمن عودة. وعلى هذه الخلفية، يجب إذاً أن نفهم ونبارك دعوته الشجاعة لأبناء شعبه، مواطني إسرائيل العرب – الفلسطينيين، الابتعاد عن الخدمة في قوات الاحتلال الإسرائيلية كابتعادهم عن النار.
حسناً، ليس لكم أي مساهمة أكثر لتطبيع الاحتلال من صور جنود حرس الحدود، عرب إسرائيليين، وهم يفرقون مظاهرات لإخوانهم الفلسطينيين في شرقي القدس أو في أي مكان آخر في المناطق الفلسطينية المحتلة، وإذا كان هناك فلسطينيون إسرائيليون مستعدين للانضمام لقمع عرب فلسطينيين آخرين، فلن يكون هناك حتى من بين بقايا اليسار من يفترض بأن الاحتلال ربما في الواقع غير سيئ جداً للفلسطينيين. وإذا قام فلسطيني بسحق كرامة فلسطيني آخر بمساعدة المحتل الإسرائيلي، فيمكن أيضاً أن أكثر اليساريين يسارية سيبدأون بنفي وجود الشعب الفلسطيني والتنكر لحقوقه الوطنية.
إن بوادر هذه الظاهرة السخيفة لتحليل مظالم الاحتلال بواسطة قمع الفلسطينيين على أيدي فلسطينيين آخرين، يجب وأدها في المهد. لهذه الغاية، جاءت كلمات عضو الكنيست عودة الوطنية، وليس الوطنية المتطرفة، موجهة لإخوانه الفلسطينيين الإسرائيليين على خلفية شرقي القدس، مدينة العاصمة المخصصة لدولة فلسطين الحرة. لذلك، قدم خدمة ثمينة جداً للنضال المشترك لليسار السياسي اليهودي والعربي ضد الاحتلال، وهو نضال تم إهماله الآن من قبل معظم اليسار اليهودي بسبب الحالة الطارئة التي تقتضي التجند ضد البيبية والكهانية. ومن أجل ذلك، يستحق عودة تلقي الامتنان من بقايا اليسار اليهودي الإسرائيلي.
هنا تكمن المشكلة؛ فبدلاً من الامتنان، تلقى عودة هجوماً منفلت العقال من قبل أجزاء من هذا اليسار. وهذا الهجوم دليل قاطع على إبعاد الضرر “المحتم” الذي تعرضت له أفكار اليسار السياسي الإسرائيلي بسبب شراكته التي اقتضاها الواقع في حكومة بينيت وشكيد وليبرمان وساعر والكين. هؤلاء اليساريون الذين يهاجمون عودة الآن يُنسون من شدة مفاجأتهم الطفولية جراء الشراكة التي لا يجب الاستخفاف بها بين نفتالي بينيت ومنصور عباس؛ فأن تكون يسارياً حقيقياً في إسرائيل يعني أن تعارض بصورة شديدة وبدون تنازلات الاستعباد الوطني للشعب الفلسطيني من قبل إسرائيل. إذا كان الأمر هكذا، فأيمن عودة قام بعمل جيد عندما ذكر أهل اليسار بهذا، ومن المفضل أن يستمر بتذكيرهم أكثر فأكثر.
بقلم: ديمتري شومسكي
هآرتس 20/4/2022
اللهم انصر اخواننا في فلسطين واكسر اللهم شوكة المحتل اللعين إسرائيل كسرا لا جبر بعده أبدا آمين يارب العالمين
اللهم انا نستودعك فلسطين وأهلها ليلها ونهارها ورجالها ونسائها وشبابها وأطفالها يا من لا تضيع عنده الودائع ???