الجيش الإسرائيلي جسم دقيق، يحب الأرقام والبيانات، لا سيما الدالة على النوايا، التي بدورها تتطور إلى “توجهات”، ومن هذه التوجهات نشتق استنتاجات للعمل. هكذا هي أيضاً البيانات التي قدمها الجيش الإسرائيلي عن مس المستوطنين بقوات الأمن. في العام 2020 تم إحصاء 370 حالة عنف لإسرائيليين في الضفة، منها 42 حالة كانت موجهة لرجال الشرطة والجنود مقابل 29 حالة في العام 2019 (“هآرتس”، 11/1).
فجأة، تم الكشف عن توجه تصعيدي، وثار شك كبير إلى جانبه، بسبب “مستوى الجرأة” في أوساط نشطاء اليمين، وبسبب صمت يعتري المستوى السياسي إزاء ازدياد عنف اليهود. ولكن ما الذي يعتبر أذى ومتى يعدّ الأذى عملية؟ عندما يدور الحديث عن فلسطيني يكفيه أن يخرج من سيارته لمساعدة صديقه الذي أصيب بنار الجنود، حينئذ وعلى الفور يعتبر إرهابياً، ويكفي أن تسير فتاة عربية وهي تحمل مقصاً، حتى تعتبر إرهابية. حتى رشق الحجارة الذي حظي بقانون خاص، وإن لم يقتض نية للإيذاء، من فإنه يعتبر عملية إرهابية أيضاً… الأمر بسيط وسهل.
ولكن القصة لدى اليهود أكثر تعقيداً، خصوصاً إذا تعلق الأمر بمستوطنين يؤذون جنوداً أو رجال شرطة. هل البصق عملية تخريبية، أم هو أمطار. متى كان الحجر الذي ألقاه يهودي على جندي بمنزلة عملية تخريبية حسب المادة 275أ، التي تنص على أن “من رمى حجراً أو أي جسم آخر على شرطي أو على سيارة للشرطة بهدف إزعاج شرطي وهو يؤدي مهمته بصورة قانونية أو تعويقه، فحكمه السجن لخمس سنوات”؟
وماذا إذا تعلق الأمر بشخص قام بضرب مقدم في الجيش؟ نعم، إذا كان هذا الشخص عربياً فلن يقف في المحكمة، بل -في طرفة عين- لن يكون قادراً على الوقوف. ولكن إذا كان يهودياً؟ هل سيعتقل بتهمة التسبب بالضرر أم هو شجار بين أصدقاء؟ والسؤال الممتع أكثر يتعلق بتعريف “الجرأة”. حسب سلم الجيش الإسرائيلي، يقيس شجاعة المستوطنين، ومتى يبدأ هذا القياس؟
المستوطنون، حتى قبل تقسيمهم إلى مجموعات فرعية (شبيبة التلال، وسكان البؤر الاستيطانية، ومستوطنون شباب، وسارقو أراض قدامى) قاموا بالإيذاء والتخريب والبصق ورشق الحجارة ورمي الحفاضات القذرة من اللحظة التي وضع فيها حجر الزاوية لـ “مشروع الاستيطان”. من يتذكر الصفعة التاريخية التي وجهتها زوجة الحاخام لفنغر لأحد الضباط؟ أو اللكمات في “كدوميم”؟ أو المواجهات العنيفة في “عمونة”؟ أو تخريب سيارات الجيش في “يتسهار”؟ كل هذه تم الرد عليها بتفهم وبدرجة مناسبة من الشفقة.
لم تكن “الجرأة” في القاموس، ولم تكن “توجهاً” أو “تصعيداً”. جميعها “أحداث موضعية” نمت على البنية التحتية للعفن الخصب الذي شرعن مس اليهود بجنود الجيش منذ سنوات الاحتلال الأولى. لقد تبنى الجيش الإسرائيلي وحكومات إسرائيل بسرور قاموس الاستيطان، ووافقوا على التمييز بين المستوطنين و”شبيبة التلال”، وبين قيادة الحاخامية والزعران في الميدان. إذا هوجم جندي فيعتبر هذا أمراً استثنائياً حتى لو عقبته عشرات الأضرار. ترسخت هذه المواجهات في الوعي كجزء تنظيمي في التعايش بين الجيش والمستوطنين، هو استيعاب صاحب المهمة. لم يفكر أحد في “تصعيد الجرأة”. ولا تبدو لدى الجيش نية لتغيير القواعد، ويوافق على تبني دور الفلسطيني المضروب، الذي حضوره ذريعة كافية للمس به.
الافتراض الأساسي الذي يميز بين إيذاء المستوطنين للفلسطينيين وبين إيذاءهم للجيش الإسرائيلي هو افتراض كاذب ومضلل. هذا الافتراض يشجع افتراضاً يقول إن المستوطنين يميزون بين هجمات “تدفيع الثمن” واقتلاع أشجار الزيتون، وبين رشق الحجارة على رجال الشرطة ومهاجمة جنود الجيش. تعلم التجربة أن كل من يزعج المستوطنين على مختلف أنواعهم في تنفيذ وظيفتهم هو هدف للمس به. جرأة المستوطنين ليست هي التي يجب على الجيش قياسها، بل ضعفه أمامها. هذا نظام من الأواني المستطرقة والخطيرة، الذي سيواصل إضعاف وإنهاك قوة الجيش الإسرائيلي على أداء مهماته.
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 13/1/2021
هذه عقيدتهم وحقدهم المتمثل في انسانيتهم الخبيثة والحقوده على سائر البشريه، معتقدين في عقولهم المتعفنة أنهم شعب الله المختار!؟