لماذا يريد المصريون التمرد على رئيسهم؟

حجم الخط
5

بعد مرور أكثر من عامين على’ ثورة’ الخامس والعشرين من يناير، وأكثر من عام على تمكن حزب الإخوان المسلمين من السيطرة على مقاليد السلطة في مصر، وجد الحكم الجديد نفسه أمام تحديات ومشاكل بالجملة، أدخلت الدولة في حالة من الإرباك وعدم الاستقرار السياسي المتصاعد، فالاحتجاجات لا تكاد تهدأ في أغلب مناطق مصر، والوضع الاقتصادي في ترد مستمر، كما أن السلوك السياسي لحزب الإخوان ولد سخطا عارما لدى شريحة مهمة من الشعب المصري، التي ما فتئت تعبر عنه بطرق وأشكال متعددة، لعل أبرزها مؤخرا إطلاق حركة ‘تمرد’ التي تعمل على جمع تواقيع 15 مليون مصري، من أجل الإطاحة بحكم الرئيس محمد مرسي، والدعوة إلى انتخابات مبكرة عبر التمرد عليه والتظاهر ضده في 30 من الشهر الجاري، في تحد جديد لهذا الرئيس الغارق في المشاكل، فلماذا إذن يريد المصريون التمرد على رئيسهم، بعدما كانوا قد صوتوا له في أول انتخابات رئاسية بعد ‘الثورة’؟
لقد شكل انتصار الحراك الشعبي المصري وتمكنه من الإطاحة بهرم السلطة منعطفا تاريخيا على غاية من الأهمية في تاريخ مصر المعاصرة، حمل معه الكثير من الآمال والتطلعات لشعب يرتبط بحضارة تمتد إلى آلاف السنين، بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، واستعادة مصر لمكانتها الريادية إقليميا ودوليا، إلا أن تجربة أكثر من سنة من حكم الإخوان أظهرت مصر أكثر غرقا في أزمات حادة وعلى جميع المستويات، فعلى المستوى السياسي باتت حالة عدم الاستقرار والاستقطاب السياسي الحاد في الشارع المصري والمواجهات التي تنحو منحى يتسم بالعنف في كثير من الأحيان، والتي كان آخرها موجة الاحتجاجات الدامية على تعيين سبعة محافظين محسوبين على الإخوان المسلمين في محافظات مصرية عديدة، والمواجهات بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه هي المهيمنة على المشهد السياسي المصري اليومي، أما الحالة الاقتصادية فجد متدهورة، فالبطالة وغلاء الأسعار وانقطاع الكهرباء والماء، زيادة على العجز في الميزان التجاري المصري وانخفاض احتياطي العملة الصعبة والوضع المزري الذي وصلت إليه السياحة، زد على ذلك التهديد الذي يشكله بناء اثيوبيا لسد النهضة على الأمن القومي المصري تشكل أهم ملامحها.
كلنا يتذكر جيدا كيف فاز محمد مرسي على أحمد شفيق، في انتخابات كثر فيها القيل والقال، وشدت إليها أعصاب الجميع، لتظهر النتيجة بفوز الرئيس الإخواني في جولة الإعادة بنسبة 51.73 في المئة من أصوات الناخبين المصريين، وكلنا يتذكر أيضا أن حزب الرئيس الفائز كان قد تعهد للشعب المصري بمجموعة من التعهدات كان أهمها:
عدم الانفراد بالسلطة والتحرك وفق مبدأ ‘المشاركة لا المغالبة’.
عدم الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية.
عدم الحصول على أغلبية في مجلس الشعب المصري.
تحقيق التوازن في تشكيلة الجمعية التأسيسية .
تشكيل حكومة مدنية متعددة الأطياف.
إلا أن نكوص الحزب عن تعهداته وسعيه إلى السيطرة على كل مقاليد الحكم في مصر، حيث لم يكتف بالرئاسة فقط، بل هيمن على مجلس الشعب وعلى مؤسسات أخرى بالدولة، وأصدر إعلانا دستوريا يعطي صلاحيات واسعة للرئاسة، قد دق ناقوس الخطر لدى فئات مهمة من الشعب، من جانب آخر فإن استمرار العلاقة مع ‘إسرائيل’ وبشكل حميمي عبرت عنه رسالة مرسي الودودة والعاطفية جدا، التي سلمها سفير مصر الثورة في ‘تل أبيب’ إلى عزيز وصديق مرسي العظيم صاحب الفخامة السيد شيمعون بيرس رئيس دولة ‘إسرائيل’! كما أنه لم يحرك ساكنا أمام اتفاقية ‘كامب ديفيد’ التي كبلت مصر عن القيام بأي دور إقليمي، زد على ذلك الطريقة المرتبكة لمحاكمة رموز النظام السابق، التي كان من المفروض محاكمتهم على حقبة كاملة من الظلم والقمع والقتل والفساد وارتهان الدولة للخارج، وإذا به يتم إخراج هاته المحاكمات بشكل غامض جدا شبيه بمسرحية لا طعم ولا لون لها، كل ذلك وأكثر جعل الكثيرين يتساءلون عن الفرق بين حكم الإخوان وحكم النظام السابق، فإذا كان الإخوان لهم مبرراتهم التي يصوغون بها انتهاج مثل هذه السياسة، فإن نفس هذه المــــبررات كانت لدى نظام مبارك، فما الفرق إذن بين حزب الإخوان الذي حكم في عهد الثورة ونظام الرئيس المخلوع، وكيف يفهم حزب الإخوان المسلمين الثورة؟
والواقع أن مقتضيات ‘الثورة’ الحقيقية تتطلب قدرا عاليا من الحنكة السياسية والإرادة والشجاعة والاستعداد للتضحية ووضوح الرؤية، فالثورة ليست مجرد استبدال رئيس بآخر بقدر ما هي تغيير جذري لبنيات وتوجهات حكم استبدادي ظالم وفق تصور شامل، يجيب على كل تفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية بالبلاد، بعيدا عن الشعارات الفضفاضة والمنطق التبريري للأمور، صحيح أن مصر ستتحمل نتيجة وضعها الاقتصادي الكارثي الناتج عن السياسة اللاوطنية للنظام السابق، وسعي الغرب وحلفائه إلى محاصرة أي توجه ثوري حقيقي لمصر، الكثير من المحن والمصاعب ونقص في الأموال والثمرات والأنفس، إلا أنه سرعان ما تلته فترة فيها يغاث الناس بالاستقلال الحقيقي والاكتفاء الذاتي وتبوؤ المكانة اللائقة كأمة مساهمة في مسيرة الإنسانية، فقوانين علم الاجتماع والتاريخ تحدثنا عن أن الأمم العظيمة تولد من رحم التضحية والمعاناة.
أمام وضع كهذا الذي يحتاج الى الكثير من الالتفاف والجهد من أجل حل مشاكله العويصة، لم يجد الرئيس محمد مرسي من حيلة سوى انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام، فبعدما حشد أنصاره ليخطب فيهم تلك الخطبة الحماسية العصماء، قرر قطع العلاقات مع سورية وإعلان الجهاد ضدها، ودعا إلى فرض منطقة حظر جوي على أجوائها، في وقت كان ينتظر فيه الكثيرون أن يعلن عن خطة حوار شامل من أجل إنهاء حالة الإرباك السياسي بالبلاد، والعمل على قطع العلاقة مع ‘إسرائيل’، والغريب في الأمر أن هذا القرار جاء بعد مضي مدة طويلة من بداية الأزمة السورية، وفي وقت كان فيه الرئيس المصري يتحدث عن مبادرته الرباعية لحل هذه الأزمة! واللافت أيضا للانتباه في هذا الإطار هو رد الجيش المصري الواضح، بأنه لن يسمح بإقحامه في أي نزاعات ضد دولة شقيقة، قاطعا الطريق على أي عبث بالأمن القومي لمصر، كما أن البيان الختامي لقمة الثماني دعا صراحة إلى تدمير الجماعات المتطرفة، إضافة إلى إقرار الرئيس الأمريكي بصعوبة فرض حضر جوي على سورية، مما يزيد من غموض وغرابة قرار الرئيس المصري، اللهم إذا كان الأمر يتعلق، إما بتنفيذ أوامر صادرة من غرفة العمليات الغربية بأن جمعوا الجماعات المقاتلة في سورية تحت عناوين الجهاد والفوز بالجنة، تمهيدا لإبادتهم كما جاء في البيان الختامي لمؤتمر الثماني بايرلندا الشمالية، أو بكون الرجل لا يتحدث من تلقاء نفسه، كما ورد في نبوءة ‘نستراداموس’، التي لا نؤمن بها، من زاوية أخرى وبمعزل عن الاصطفاف إلى جانب المعارضة السورية المسلحة أو ضدها، فإن السؤال المطروح في هذا السياق هو من المستفيد من تأجيج حالة النزاع الدموي في سورية وتأجيج الخطاب الطائفي والمذهبي الذي يودي بحياة الكثير من الأبرياء، ويدمر بنيات ومؤسسات وتراث الدولة السورية ويهددها بالتقسيم؟ أليست هي ‘إسرائيل’ والغرب، الذي طالما خطط ليل نهار للحفاظ على إسرائيل قوية، وجوار مفتت، كما جاء في مبدأ ‘بيغن’ منذ أكثر من ثلاثين سنة خلت.
خلاصة القول بأن مصر ما بعد ‘الثورة’ ونتيجة لمجموعة من المشاكل العميقة التي تتخبط فيها باتت مقبلة على مرحلة من أشد المراحل سخونة في تاريخ مصر الثورة، والتي من شأنها أن تزيد من حدة الاضطراب السياسي في البلاد وما يعنيه ذلك من انعكاسات خطيرة على الأمن والاستقرار والتعايش السلمي بين مختلف أطياف وفئات المجتمع المصري، خاصة أن مستوى الاستقطاب والاصطفاف السياسي بلغ حدا مخيفا، وإذا كان البعض سوف ينتقد المتمردين على الرئيس المصري، بحجة أن الوقت ما زال مبكرا للحكم على تجربة الإخوان في الحكم، فإن المنطق السوي يقضي بكون المقدمات الصحيحة هي وحدها التي تؤدي لنتائج صحيحة، وكما يقول المثل الأمازيغي ‘الحمل الذي سيصير كبشا قويا تبدو ملامحه منذ الوهلة الأولى’، فسياسة التذبذب التي بدت على حزب الإخوان إبان الثورة، التي وضع فيها قدما في ساحة التحرير وأخرى مع تلقف أي دعوة للنظام البائد من أجل الحوار، كفيلة بأن تحدد لنا بوضوح سقف واتجاهات سياسته.

‘ كاتب من المغرب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أحمد الزموري:

    في غياب الوعي السياسي والمشروع المجتمعي فان النتيجة هي التخبط والتذبذب

  2. يقول ouchenarif:

    شكرا للاستاذ الخليفي على مقاله الرائع اضم صوتي الى كل الاحرار المطالبين بالرحيل للدكتاتور مرسي«ارحل لأن مطالب الشعب تجاوزت كل الصفقات، ارحل لأن الدماء التي سالت ولا تزال رسمت طريق الانتخابات الرئاسية المبكرة ولا بديل عنها، ارحل طوعًا كما رحل الفاشلون في كل نظام، أو ارحل كرهاً كما رحل من قبلك، وفي المحاكمات الثورية متسع للجميع

  3. يقول ouchenarif:

    شكرا للاستاذ الخليفي .كلمة “تمرد” كانت الكلمة السحرية التي وقع عليها اختيار مجموعة من الشباب للتعبير عن غضبهم ويأسهم” وقالوا في بيان تدشين حملتهم “وجب علينا التمرد بعد ما وصلت إليه البلاد من تدهور ملحوظ فى الحالة الاقتصادية وسوء الأحوال السياسية بعد وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى حكم البلاد برئيسها محمد مرسى الذى أخل بكل موازيين العدالة وضرب بالثورة وإرادة الشعب المصرى عرض الحائط وكأن الثورة لم تقم. واتضحت الصورة على مرأى ومسمع العالم أجمع أن النظام المصرى انتقل من عصابة إلى أخرى ولم تحقق الثورة أهدافها ولم تحقق أحلام من ضحوا من أجلها فى الحصول على وطن يتمتع بالاستقلال الوطنى والحرية والعدالة الاجتماعية بعد أن تحكم فيه الخائنون ولازال يتحكمون فيه”…نتمنى

  4. يقول Ikram tahiri:

    تحليل منطقي و موضوعي لواقع الحكم الإخواني لمصر.
    فعلا إن الدول العظمى تولد من رحم التضحية و المعاناة و التي حتما ستليها مرحلة من القوة و التقدم و الإستقلال الحقيقي ولكن هذه التضحية و وضوح الرؤية و …هي من سيمات الثورات الحقيقية و ليس من طبائع حزب الإخوان المسلمين الذي يعالج كل شئ بشعار: الإسلام هو الحل. و الواقع أننا لم نرى إسلاما و لم نرى حلا و لاحول و لا قوة إلا بالله.

  5. يقول صدقت ياستاذ الخليفي:

    لقد سقط القناع عن الاخوان المنافقين وبانت عورتهم وكانت لابد ان تسقط بعد ان تدثرو قراببة قرن في ثوب الاسلام المقدس انه التاريخ ومايصنع فقد قالها المؤرخ البريطاني العظيم توينبي”حين نسير بلا هدف ومشروع ومنظومة لتحقيق الهدف فنحن إلى العبث سائرون. وحين نظن أننا بغير العلم سنحقق أى شىء فنحن جاهلون.”
    جماعة الاخوان المنافقين لاتمك لا رؤية ولامشروع ولا تصور كانت تتحين الفرص للانقضاض على السلطة حتى ولو تتطلب ذلك ضفقة مع اصدقائهم الامريكيين والصهاينة. انتهت قصت الاخوان….فليعودوا الى توزيع الحريرة في رمضان وتزوج الاربعة والسكساك…ههههه وتكريم التبصيل ويتركوا شؤون الدولة والسياسة فهي ليست لهم…تحياتي للقدس العربي ولكاتب المقال

إشترك في قائمتنا البريدية