تونس: حدد الرئيس التونسي قيس سعيد يوم 24 كانون الأول/ديسمبر المقبل، وهو تاريخ سقوط أولى ضحايا الثورة التي اندلعت في 2010، كموعد لانتخاب أعضاء مجلس الجهات والأقاليم، والذي سيكون بمثابة الغرفة الثانية للبرلمان.
وهذا أحدث تاريخ يحدده الرئيس قيس سعيد في عملية استكمال بناء مؤسسات النظام الجديد بعد إلغائه دستور 2014 وحل جل المؤسسات التي انبثقت عنه.
ويحمل التاريخ رمزية في تونس لأنه يذكر بوفاة محمد عماري وشوقي النصري برصاص قوات الأمن كأول ضحيتين للانتفاضة التي أطلق شرارتها بائع الخضار المتجول محمد البوعزيزي في ولاية سيدي بوزيد، والتي انتهت يوم 14 كانون الثاني/ يناير 2011 بسقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
ومنذ إعلانه التدابير الاستثنائية في البلاد قبل عامين، توخى الرئيس قيس سعيد- أستاذ القانون الدستوري المتقاعد والمنتخب بأغلبية واسعة في -2019 الخطوة ذاتها في ربط محطات سياسية بتواريخ ذات رمزية.
ويقول المحلل السياسي والمؤرخ الجامعي خالد عبيد لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) إن الرئيس قيس سعيد يريد أن يؤكد أنه يحمل هموم الثورة ويتبنى مطالبها، وأن خارطة الطريق السياسية التي يمضي في تطبيقها تلقى قبولا شعبيا.
وأضاف: “يريد (الرئيس) أن يقول إنه جاء ليؤسس لفترة ستدوم. واختيار التواريخ ليس اعتباطيا، سيعتمدها لاحقا لتأكيد مشروعية تفكيره”.
ومنذ البداية، اختار الرئيس سعيد يوم 25 تموز/يوليو عام 2021، الذي يوافق عيد الجمهورية، لإصدار قراراته في مجلس طارئ عقب احتجاجات في الشوارع، من بينها تجميد أعمال البرلمان المنتخب في 2019، قبل حله لاحقا وحل عدة هيئات دستورية أخرى. وقال الرئيس آنذاك إنه يعمل على بناء جمهورية جديدة، ثم أطلق استشارة وطنية إلكترونية حتى تاريخ 20 آذار/مارس 2022 التي تمثل ذكرى عيد الاستقلال، ثم وضع استفتاء على دستور جديد في 25 تموز/يوليو من نفس العام، أي في الذكرى الأولى لإعلانه التدابير الاستثنائية وذكرى عيد الجمهورية.
ومن ثم وسع الرئيس قيس سعيد رسميا صلاحياته، بشكل كبير، على رأس السلطة في الدستور جديد عبر اقراره النظام الرئاسي.
وحدد لاحقا يوم 17 كانون أول/ديسمبر 2022 تاريخا لانتخاب البرلمان الحالي بصلاحيات محدودة، وهو التاريخ الموافق لاندلاع الثورة ضد حكم بن علي في .2010
ولكن المعارضة اتهمته بخيانة الثورة وبالانقلاب على المؤسسات الدستورية الشرعية وتقويض الانتقال الديمقراطي الذي بدأ في 2011، والتأسيس لحكم فردي.
ولا تعترف المعارضة، التي يقبع كثير من رموزها في السجون، بالبرلمان الجديد، وتطالب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وإصلاحات دستورية وبالإفراج عن “المعتقلين” السياسيين.
وقال الناشط السياسي المخضرم عز الدين الحزقي، عضو “جبهة الخلاص الوطني” لـ (د.ب.أ): “هو (الرئيس سعيد) اختار تواريخ الثورة والحال إنه بصدد ضرب الثورة .. هذا نفاق وخطوة للتمويه وتحريك المشاعر الشعبوية عند العامة”.
وأضاف حزقي، الذي يقبع نجله القيادي البارز في الجبهة جوهر بن مبارك في السجن: “هو (الرئيس) ضرب كل المؤسسات ولم تعد هناك دولة. كما لا توجد مؤسسات مستقلة، كل المؤسسات تحت يديه.. الثورة مسار كامل منذ فترة الاستعمار لكن ما زلنا نعيشه لأن الاستعمار متواصل بشكل آخر”.
وسيكون المجلس الجديد، المستحدث بمقتضى دستور 2022، بمثابة الغرفة الثانية للبرلمان. ويجري الاقتراع على الأفراد في دوائر ضيقة تسمى العمادات ليشكلوا مجالس محلية.
وسيتم اعتماد نظام التصعيد لممثلين من المجالس المحلية إلى الجهوية، ثم إلى المجلس الوطني للجهات والأقاليم. وفي رده على الانتقادات الغربية لنظام الحكم وخارطة الطريق، أعلن الرئيس التونسي مرارا أنه يرفض حضور مراقبين من الدول الغربية لمراقبة الانتخابات في تونس.
ولم يرسل الاتحاد الأوروبي، الشريك الاقتصادي الأول لتونس، بعثة مراقبين في الاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية التي قاطعتها المعارضة وشهدت نسبة مشاركة متدنية.
(د ب أ)