لندن – القدس العربي: لا جديد يُذكر لا قديم يُعاد منذ تقاعد الأسطورة سير أليكس فيرغسون .. حافظ مانشستر يونايتد على أحدث عاداته السيئة، بالتفنن في إحباط عشرات الملايين من مشجعيه في كل أرجاء المعمورة، بنفس سياسة «اليد المرتعشة»، التي عانى منها كل من تناوب على حكم «مسرح الأحلام» في المواسم التسع الماضية، قبل أن يأتي الدور على المدرب الهولندي إريك تين هاغ، ليكون أحداث الضحايا، بوضعه في موقف لا يُحسد عليه أمام الجماهير والرأي العام، بعد تخلي الإدارة عنه في سوق الانتقالات الصيفية الحالية، وسرعان ما انكشفت الخديعة الكبرى، في أول اختار رسمي أمام برايتون في افتتاح حملة البريميرليغ، فيما اعتبره جمهور النادي والإعلام البريطاني، بمثابة جرس إنذار لتين هاغ ومشروعه الكبير في معقل الشياطين الحمر، عكس الانطباع المبشر في الجولة التحضيرية الآسيوية الأسترالية.
علامات استفهام
بعيدا عن الهزيمة المحبطة أمام برايتون بنتيجة 1-2 في قلب «أولد ترافورد»، يبقى أكثر ما أثار غضب واستياء الجماهير، هو الأداء المخيب للآمال، بظهور الفريق بنفس الصورة البائسة التي كان عليها في السنوات القليلة الماضية، على الأقل لم يختلف كثيرا عن الوضع في حقبة المؤقت المنبوذ رالف رانغنيك والأسبق أولي غونار سولشاير، وتجلى ذلك، في البداية المتواضعة للغاية في الشوط الأول، وصلت لحد العجز عن تهديد الحارس روبرت سانشيز، باستثناء فرصة البرتغالي برونو فيرنانديز، التي أهدرها بغرابة شديدة، بتسديد الكرة داخل مربع العمليات فوق الألواح الخشبية، وذلك بعد استقبال هدفي الكابوس باسكال غروس، حتى في الشوط الثاني، لم تتحسن الأوضاع كثيرا، رغم مشاركة كريستيانو رونالدو على حساب البرازيلي فريد في الدقيقة 53، فقط جاء هدف تقليص الفارق وحفظ ماء الوجه بالنيران الصديقة عن طريق لاعب الوسط ماك أليستير في الدقيقة 68، أما غير ذلك، فهي تندرج تحت مسمى «مباراة للنسيان»، كشفت مدى إصرار المدرب الجديد على ضم لاعب من الطراز العالمي في وسط الملعب، للقضاء على ظاهرة «اللعب الانزراعي»، بالاعتماد على ثنائية فريد وماكتوميناي، التي أثبتت فشلها في كل النواحي، والأمر لا يتعلق فقط بتشابه الوظائف والمواصفات بينهما، بل أيضا لافتقار الاثنين لما يُعرف بـ «الإبداع الكروي»، بجانب الوفرة في «السذاجة» في عملية الضغط على الخصوم واستعادة الكرة.
وأسوأ مما سبق، لا يتمتعان بالرؤية والجودة اللازمة لتقديم ما تُعرف في لغة كرة القدم بـ«التمريرات المفتاحية» في الثلث الأخير من الملعب، وهذا يلخص حالة الفزع والذعر التي انتابت الجماهير، من رؤية ثنائي الوسط، الذي يكبح جماح اليونايتد، في ظل حالة انعدام اليقين والثقة في اللاعبين، هذا ولم نتحدث عن كوارث الدفاع، بالأحرى استمرار صداع الأخطاء الفردية، التي كانت من نصيب دالوت وهاري ماغواير أكثر من أي لاعب آخر، وهذا أثر بشكل سلبي على أداء الوافد الجديد مارتينيز، الذي على ما يبدو سيحتاج بعض الوقت للتكيف على أجواء الفريق والبريميرليغ، المختلفة تماما عن دوري الإيرديفيسي اللطيف، وكالعادة في آخر 3 آو 4 سنوات، ظهر الفرنسي أنطوني مارسيال، بنفس الصورة التي رسمها لنفسه، كمهاجم كسول لا يبحث عن الكرة، لدرجة أن بعض من يشاهد مباريات المان يونايتد، لا يلاحظ وجوده في الملعب، لندرة التحامه واشتراكه مع المنافسين على الكرة، وهذا في حد ذاته، شكل صدمة للجماهير، التي تفاءلت برؤيته بنسخة مختلفة تحت قيادة المدرب الجديد، لا سيما بعد حضوره الهوليودي في سلسلة وديات ما قبل الموسم، وكذا ماركوس راشفورد، اكتفى بخلق الحد الأدنى من الفوضى في دفاعات برايتون، الاستثناء الوحيد، كان كريستيان إريكسن، الذي أبلى بلاءا حسنا، سواء في مركز المهاجم الوهمي في بداية المباراة، أو في مركزه الطبيعي في خط الوسط، بعد مشاركة الدون في الشوط الثاني، وهذه البداية الكارثية، كانت كفيلة بفتح باب التساؤلات على مصراعيه، لعل أبرزهم سؤال الأغلبية الكاسحة .. إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ ومن المسؤول عن اتساع فجوة الجودة والكفاءة مع مانشستر سيتي وليفربول؟ وما سر ظاهرة هروب الصفقات المميزة في السنوات الماضية؟
خطط وهمية
قبل الإجابة على السؤال الأخير أو عنوان موضوعنا، لاحظنا جميعا ردود الأفعال الغاضبة، بعد المحاولة الفاشلة للتعاقد مع مهاجم بولونيا المخضرم ماركو أرناوتوفيتش، التي جعلت المشجعين يشعرون وكأنهم يتعرضون للخداع من قبل العائلة المالكة آل غليزر، أو على أقل تقدير، كأنه لم يكن هناك عملية «إعادة هيكلة» في مكاتب كارينغتون، بعد الاستغناء عن المدراء، الذين ورطوا النادي في أكثر من مليار جنيه إسترليني في صفقات أقل ما يُقال عنها فاشلة بالمعنى الحرفي، والحديث عن كبير الكشافة السابق جيم لولور، ورئيس الكشافة العالمية السابق مارسيل بوت، مقابل تعظيم صلاحيات المدير التنفيذي ريتشارد أرنولد والمدير الرياضي جون مورتو، والدليل على ذلك، الإصرار على تكرار أخطاء الماضي بصورة شبه كربونية، بداية بالتأخر في حسم الصفقات الرئيسية في وقت مبكر، كما يفعل باقي الكبار المحليين، مرورا بالرعونة وعدم الجدية في المعارك التفاوضية لشراء اللاعبين الجدد، نهاية بالعادة الغريبة، بتذكر الأهداف القديمة بعد سنوات وبعد فوات الأوان، الأمر أشبه بشراء لاعبين كبار لا يملكون سوى سيرة ذاتية مميزة، آخرهم مهاجم بولونيا البالغ من العمر 33 عاما، والذي قطع «شعرة معاوية» بين المدراء وأصحاب القرار في المؤسسة وبين الجماهير، التي أجبرت الرئيس التنفيذي على مغادرة الملعب قبل إطلاق صافرة نهاية مباراة برايتون، لتجنب سماع ورؤية غضبة الجمهور، مع انكشاف الخطط الوهمية، من الخطة (A)، والتي كانت تستهدف التوقيع مع مهاجم بنفيكا داروين نونييز مع افتتاح نافذة انتقالات اللاعبين الصيفية، بيد أنه بعد رفض العرض الأول، الذي لم يتخط حاجز الـ50 مليون جنيه بعملة المملكة المتحدة، انسحب اليونايتد من منافسة الغريم الشمالي ليفربول، ليظفر يورغن كلوب بالصفقة المدوية، والآن يستفيد من موهبته وطاقته المتفجرة رفقة محمد صلاح ولويس دياز في هجوم أحمر الميرسيسايد، وبعد ضياع الهدف الرئيسي، تحولت البوصلة تجاه مهاجم أياكس أنتوني، باعتباره الخطة (B)، وكما كان متوقعا، بعد تعثر المفاوضات مع ممثلي بطل الأراضي المنخفضة، وصل التطور إلى الخطة (C) والحديث عن مهاجم سالزبورغ السابق بنجامين سيسكو، ثم بالقشة التي قصمت ظهر البعير، باستهداف أرناوتوفيتش بعد 4 سنوات من تجاهل طلب جوزيه مورينيو لضمه إلى الفريق في فترة ما بعد خروج أيقونة السويد زلاتان إبراهيموفيتش.
نهاية واحدة
صحيح أرناوتوفيتش -33 عاما-، يملك من الجودة ما يكفي للعب في أعلى مستوى تنافسي في الدوريات الأوروبية الكبرى، لكن في حال التعاقد معه، ستكون رسالة واضحة، بأن السياسة التي تتحكم في القرارات المصيرية لم تتغير بعد، يكفي أنه سيكون المهاجم المسن الرابع، الذي يوقع معه النادي في غضون عامين، بعد النيجيري إيغالو والأوروغوياني إدينسون كافاني والميجا ستار كريستيانو رونالدو، وذلك عكس ما كان يتم الترويج له في بداية رحلة المسكين تين هاغ، بأن الإدارة ستدعمه لبناء فريق شاب بمواصفات وشخصية المان يونايتد، والمثير للدهشة والاستغراب، الطريقة المأساوية في الانتقال من هدف إلى هدف، كما الحال مع سيسكو، الذي كان ينتظر ولو إشارة ملموسة من اليونايتد حتى منتصف الأسبوع الماضي، لكن في نهاية المطاف، اضطر لقبول عرض الذهاب إلى البوندسليغا عبر بوابة لايبزيغ –الفرع الثاني لناديه النمساوي-، وذلك وفقا لعديد من المصادر الصحافية التي تحظى بمصداقية لا بأس بها، لاعتراض الإدارة الأمريكية المستحوذة على مانشستر، على الشروط المادية لممثل شركة مشروبات الطاقة العالمية، 50 مليون يورو بخلاف المتغيرات، على غرار ما حدث نونييز، بالخروج من الصفقة، لتفادي الدخول في مزاد علني مع ليفربول، وهذا يفسر التحول تجاه الخيار الأرخص أرناوتوفيتش، بتلك المحاولة أو الفكرة، التي ظهرت فجأة ضمن ردود الأفعال بعد هزيمة برايتون، بعاصفة من التقارير والشائعات، التي تتسابق في تحديث تفاصيل العرض الهزيل، الذي تقدم به اليونايتد لإطلاق سراح مهاجم ستوك سيتي الأسبق من «ريناتو دالارا»، مقابل عشرة ملايين يورو، وهو ما أشعل نيران غضب المشجعين، تزامنا مع صدمة التنازل عن الهدف الرئيسي في الميركاتو، والإشارة إلى الهولندي فرينكي دي يونغ، واستبداله بالخيار الرابع والأخير في قائمة المرشحين لتحسين جودة الوسط المتهالك، كأننا نتحدث عن الخطة A و B وإلخ في خيارات المهاجم الجديد أو البديل المنتظر لكريستيانو رونالدو، ومعروف بالنسبة لأغلى مشجعي النادي، أن الإدارة أظهرت محاولة مقنعة على الورق ومواقع التواصل الاجتماعي، باستهداف الإسباني فابيان رويز، لاعب وسط نابولي الإيطالي، بعد تسريب خبر ترحيب فقراء الجنوب ببيع لاعب لا روخا، قبل أن يحق له الهروب بموجب قانون بوسمان منتصف العام 2023، لكن على ما يبدو أن كشافة ومحللي النادي جاؤوا بعد فوات الأوان، أو كما يتردد في وسائل الإعلام الفرنسية، بشأن اقتراب لاعب ريال بيتيس السابق من الذهاب إلى باريس سان جيرمان.
وبعد ضياع الهدف البديل، قيل إن الإدارة تفاضل بين فنان لاتسيو ميلينكوفيتش سافيتش ومتوسط ميدان بيتيس غويدو رودريغيز، وإذ بالمسؤولين يتواصلون على أرض الواقع مع والدة ووكيلة أعمال لاعب يوفنتوس أدريان رابيو، وهي صفقة تبدو من ناحية المنطق والعقل، خطوة جديدة إلى الوراء، دعك عزيزي القارئ من حقيقة أن اليوفي يسعى جاهدا للتخلص من اللاعب، لعدم حاجة ماكس أليغري لخدماته، لكن الحقيقة تخبرنا أن رابيو، توقف به الزمن عند موسمه الأخير مع باريس سان جيرمان، ذاك الموسم الذي عانى فيه الأمرين، بابتعاده عن ممارسة اللعبة لأكثر من ستة أشهر، إثر خلافاته مع الإدارة بشأن تمديد عقده في «حديقة الأمراء»، ويكفي أن أخباره في الصحف والمواقع الرياضية، لا تخرج عن أزماته مع المدربين أو قضاياه عموما خارج المستطيل الملعب، أما داخل المستطيل الأخضر، مجرد لاعب وسط كلاسيكي، أشبه بمحمد النني في سنوات ابتعاده عن اللعب والجلوس على مقاعد بدلاء آرسنال، بعبارة أخرى، لا يختلف كثيرا عن نوعية صفقات أصحاب التاريخ والسير الذاتية اللامعة على الورق فقط، بل يُمكن القول بناء على نسخته الباهتة بقميص البيانكونيري في السنوات الماضية، أنه يفتقر لأبسط الخصائص والمواصفات المطلوبة في لاعب الوسط الجديد في مشروع تين هاغ، بما في ذلك الحضور الدفاعي واللمسة الإبداعية في الأدوار الهجومية، شأنه شأن الثنائي المنبوذ فريد وماكتوميناي، بنسبة كبيرة لن يُعطي الإضافة أو اللمسة الإبداعية التي يبحث عنها المدرب في وسط الملعب، وهذا في حد ذاته ينذر بأزمة تلوح في الأفق بين تين هاغ والمديرين التنفيذيين، وذلك استنادا إلى تصريحاته قبل مواجهة برايتون، التي أقر خلالها بشكل قاطع، أنه لن يتعاقد إلا مع اللاعبين المناسبين لأفكاره حتى لو أُغلق الميركاتو بنفس القائمة الحالية، قبل أن يصف وظيفته الجديد بالجحيم، بعد التجرع من مرارة الهزيمة والتحسر على الأداء الباهت في افتتاحية الدوري الأشهر والأكثر تنافسية في العالم، حتى الصفقات التي أبرمها النادي بشكل رسمي، من مدرسته الهولندية المفضلة، كلاعبه السابق في أياكس ليساندرو مارتينيز ولاعب تيفنتي السابق ثيريل مالاسيا وكريستيان إريكسن.
القوة الجاذبة
نفس الأمر بالنسبة للصفقات المستهدفة، كانوا على صلة وثيقة به، بما فيهم مهاجم بولونيا، الذي عمل معه قبل 10 سنوات في تيفنتي الهولندي، لكن كما أشرنا أعلاه، بدأ تين هاغ يشعر بمعاناة أسلافه مع الوعود والأحلام الخادعة، وفي رواية أخرى بدأ يكتشف يلاحظ الفخ الكبير، والذي يكمن في ضياع ما كان يُعرف عن مانشستر يونايتد قديما بـ «قوته الجاذبة»، التي كان يتمتع بها في الأمس غير البعيد، كناد أشبه بالجنة أو الحلم بالنسبة لأي لاعب كرة قدم في العالم، قبل أن تتبدل أوضاعه، من الأكثر تتويجا وهيمنة على البريميرليغ وأغلب البطولات المحلية منذ تسعينات القرن الماضي وحتى بداية العقد الماضي، إلى منظومة مفككة، لا تكترث سوى للأرباح وجني الملايين من شركات الدعاية والحملات التجارية، وهذا ما انعكس بشكل سلبي على عقلية اللاعبين وشخصية الفريق، بدليل توقف البطولات منذ مشهد العكاكيز في احتفال المدرب الأسبق جوزيه مورينيو ورجاله بالتتويج باليوربا ليغ على حساب أياكس عام 2017، وما زاد الطين بلة، غياب الرؤية والتعاون بين الإدارة وكل المدربين الذين قادوا الفريق، آخرهم المدرب الحالي، الذي يُمكن القول، إنه أسوأ حظا من أسلافه، وذلك بطبيعة الحال بمقارنة ما حصل عليه من دعم، مقابل الدعم والجاذبية القوية التي تمتع بها ديفيد مويس، لويس فان خال، جوزيه مورينيو وأولي غونار سولشاير، ولنا في صفقتي هالاند ونونييز خير دليل، حيث اكتفى اليونايتد بمشاهدة الجار العدو مانشستر سيتي وهو يحسم صفقة مهاجم العقد، لعدم قدرته على منافسة السكاي بلوز أو مجاراته في عملية إغراء السفاح الاسكندينافي سواء بالمال أو بسلاح الألقاب المضمونة في حقبة بيب غوارديولا الذهبية، وكذا الدولي الأوروغوياني، هو الآخر تجاهل الشياطين الحمر، بمجرد حصوله على إشارة من يورغن كلوب، حتى كريستيان إريكسن، استغرق بعض الوقت لاتخاذ قراره بتفضيل ارتداء القميص الأحمر بدلا من البقاء مع برينتفورد، وهذا يرجع لحالة عدم الاستقرار يمر بها الكيان، بجانب الشعور العام لعالم المركولة المجنونة، بأن مانشستر يونايتد لم يعد من النخبة الحقيقية في بريطانيا وأوروبا، وهي الحقيقية الصادمة بالنسبة لأغلب المشجعين، الذين لا يصدقون أن مرعب وطن كرة القدم في العقود الماضية، ضل الطريق، وبات مكرها أو مجبرا على التسوق في سوق أو مستوى مختلف عن عمالقة البريميرليغ والقارة العجوز، رغم وفرة السيولة بعد الاستغناء عن عدد لا بأس به من أصحاب الأجور الباهظة أمثال بول بوغبا وإدينسون كافاني وجيسي لينغارد، لكن من الواضح أن بخل الإدارة واختفاء بريق النادي وابتعاده عن البطولات وعدم المشاركة في دوري الأبطال وأشياء أخرى من هذا القبيل ساهمت في انتشار ظاهرة هروب وتمنع النجوم على الفريق.