يوم 26 يونيو/حزيران من كل سنة تحتفل البشرية باليوم العالمي لمناهضة التعذيب، ففي مثل هذا اليوم من سنة 1987 دخلت اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة حيز التنفيذ بعد اعتمادها من طرف الجمعية العامة وفتح باب التوقيع والتصديق عليها والانضمام اليها في القرار 39/46 المؤرخ في 10 كانون الأول / ديسمبر 1984.. ورغم التقدم الحاصل في ثقافة حقوق الإنسان، ورغم مصادقة عدد من الدول على هذه الاتفاقية فإن شهادات عديدة تؤكد على استمرار مسؤولين أمنيين في خرق مقتضيات هذه الاتفاقية.
في المغرب صادقت المملكة على هذه الاتفاقية كما صادقت الحكومة المغربية قبل أزيد من سنة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة الذي سبق أن أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دجنبر 2002 بعدما تم اعتماده من طرف لجنة حقوق الإنسان في أبريل/نيسان 2002 ومن طرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي في يوليو/تموز 2002 الذي أوصى الجمعية العامة باعتماد مشروع البروتوكول الاختياري.
مصادقة الحكومة المغربية جاء بالتزامن مع تقارير صادمة حول اختلالات عديدة تعرفها السجون المغربية، من أبرزها التقرير الهام الذي رصد فيه المجلس الوطني لحقوق الإنسان جملة من الانتهاكات التي تعرفها السجون المغربية ومنها ظاهرة التعذيب التي وقف عليها المجلس الوطني في معظم السجون المغربية.
قيمة البروتوكول تكمن في تأسيسه لنظام الزيارات المنتظمة من طرف هيئات دولية ووطنية مستقلة للأماكن التي يحرم فيها الأشخاص من حريتهم، وذلك تحت إشراف اللجنة الفرعية لمناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة التي تشتغل على ضوء ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه وعلى ضوء المعايير التي وضعتها الأمم المتحدة لمعاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم.
كما تنشئ كل دولة طرف هيئة زائرة واحدة أو أكثر على المستوى المحلي لمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة تسمى بالآلية الوقائية الوطنية.
ولتمكين اللجنة الفرعية لمنع التعذيب من أداء ولايتها على الوجه الأكمل تتعهد الدول الأطراف باستقبال اللجنة الفرعية لمنع التعذيب في إقليمها وتيسير سبيل وصولها إلى أماكن الاحتجاز وتزويدها بكافة المعلومات ذات الصلة التي قد تطلبها لتقييم الاحتياجات والتدابير الواجب اتخاذها بغية تعزيز حماية الأشخاص المحرومين من حريتهم من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
الحكومة المغربية لم تحترم أجل سنة واحدة على الأكثر ابتداء من تاريخ المصادقة على البروتوكول، لتقوم بإنشاء آلية وقائية وطنية مستقلة واحدة أو أكثر لمنع التعذيب على المستوى المحلي، وذلك بسبب عدم استكمال مسطرة المصادقة في أروقة الأمم المتحدة.
تتكفل الدولة بضمان الاستقلال الوظيفي لهذه الآليات الوقائية الوطنية وتتخذ التدابير الضرورية لكي تتوفر لخبراء الآلية الوقائية الوطنية القدرات اللازمة والدراية المهنية مع التعهد بتوفير الموارد اللازمة لأداء الآليات الوقائية الوطنية مهامها.
كما تمنح لها سلطة القيام، على نحو منتظم، بدراسة معاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم في أماكن الاحتجاز و تقديم توصياتها إلى السلطات المعنية بغرض تحسين معاملة وأوضاع الأشخاص المحرومين من حريتهم ومنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، مع مراعاة المعايير ذات الصلة التي وضعتها الأمم المتحدة؛ وتقديم اقتراحات وملاحظات تتعلق بالتشريعات القائمة أو بمشاريع القوانين.
ولتمكين الآلية الوقائية الوطنية من أداء ولايتها، ينبغي أن تتيح لها الحصول على جميع المعلومات المتعلقة بعدد الأشخاص المحرومين من حريتهم الموجودين في أماكن الاحتجاز فضلا عن عدد هذه الأماكن ومواقعها، والحصول على جميع المعلومات التي تشير إلى معاملة هؤلاء الأشخاص فضلا عن ظروف احتجازهم؛ والوصول إلى جميع أماكن الاحتجاز، ومنحها فرصة إجراء مقابلات خاصة مع الأشخاص المحرومين من حريتهم دون وجود شهود، أو أي شخص آخر تعتقد الآلية الوقائية الوطنية أنه يمكن أن يقدم معلومات ذات صلة، مع حرية اختيار الأماكن التي تريد زيارتها والأشخاص الذين تريد مقابلتهم؛ والحق في إجراء اتصالات مع اللجنة الفرعية لمنع التعذيب التابعة للأمم المتحدة.
السلطات المختصة في الدولة ستكون ملزمة ببحث التوصيات الصادرة عن الآلية الوقائية الوطنية، وبإجراء حوار معها حول تدابير التنفيذ الممكنة، كما تتعهد بنشر وتوزيع التقارير السنوية الصادرة عن الآليات الوقائية الوطنية.
لقد اعتبرت الحركة الحقوقية المغربية المصادقة على هذا البروتوكول مكسبا جديدا لمسار تطور حقوق الإنسان في المغرب، وآلية جديدة للنضال من أجل تطوير أوضاع حقوق الإنسان في بلادنا والوقاية من التعذيب قبل وقوعه.
اليوم عاد الحديث عن ظاهرة التعذيب خاصة بعد التقرير الأولي الذي أصدرته منظمة العفو الدولية حول المغرب في سياق حملتها الدولية لمناهضة التعذيب..
الحكومة المغربية على لسان وزير العدل والحريات اعترفت بوجود حالات تعذيب في عدد من مخافر الشرطة، مع التأكيد على أن هذه الانتهاكات لا تأخذ طابعا منهجيا وإنما هي مجرد انفلاتات فردية لن تتردد الدولة في معاقبة مرتكبيها.
لكن، رغم العديد من حالات فتح تحقيق في مزاعم التعذيب فإن التحقيقات التي استجابت لها وزارة العدل والحريات لم تصل إلى درجة إثبات حالات تعذيب أو إدانة مرتكبيها..
المسودة الأولية لتعديل مشروع قانون المسطرة الجنائية يحمل مجموعة من الآليات لمحاصرة هذه الظاهرة، وفي هذا الإطار جرى اعتماد التسجيل السمعي البصري لجلسات الاستنطاق مع السماح لحضور المحامي في حالات محددة، وهو ما سيسمح بتقليص حالات الادعاء بانتزاع الاعترافات تحت التعذيب..
كل هذه الإجراءات تبقى إجراءات محدودة إذا لم تتوفر الإرادة السياسية لدى جميع مؤسسات الدولة بضرورة احترام كرامة الإنسان والتشبع بثقافة حقوق الإنسان وقيمها النبيلة.
٭ كاتب من المغرب
د. عبد العلي حامي الدين
حزب العدالة والتنمية يعزف على أوثار عدة في آن واحد, يعرف حجم مساحة اللعب , قد تخرج النغمة جيدة وقد تختلط الأوزان والمقامات فيحير المرء.
الشعب العربي كله يتعرض على مدار الساعة إلى التعذيب النفسي والجسدي بنسب متفاوتة وبأدوات مختلفة.