لندن ـ «القدس العربي»: بدأ كاتب التاريخ يحزم حقائبه، استعداداً لرحلته الأخيرة في دوري أبطال أوروبا، حيث سيطير إلى عاصمة النور والحب مساء السبت المقبل، لتوثيق المشهد الختامي لنسخة 2021-2022 من قلب ملعب «سان دوني»، إما بحفر اسم ريال مدريد للمرة الرابعة عشرة على الكأس ذات الأذنين، أو أن يفعلها ليفربول ويعيد صياغة التاريخ، أو بعبارة أخرى سيضرب المدرب الألماني يورغن كلوب ورجاله عصافير بالجملة برصاصة واحدة، منها رد الدين القديم للنادي الملكي، وفض الشراكة مع بايرن ميونيخ في عدد مرات التتويج بالبطولات، بجانب مشاركة ميلان في وصافة الجبابرة الأكثر نيلا لشرف معانقة الأميرة الأوروبية للمرة السابعة تاريخياً.
فاتورة باهظة
بالنظر إلى فرص كلا الفريقين في نهائي الـ28 مايو/ أيار، سيكون من الجنون الرهان على طرف بعينه، أو التسليم بوجود أفضلية مطلقة لفريق عن الآخر، والأمر لا يتعلق بكونها مباراة نهائية شبه مثالية للجنة التسويق والميديا في الاتحاد الأوروبي بين اثنين من أصحاب التاريخ والباع والجماهيرية الطاغية في كل أرجاء المعمورة فحسب، بل للقاعدة الثابتة في عالم المركولة المجنونة التي تنص على أن «كرة القدم أحيانا لا تخضع لحسابات العقل والمنطق»، فما بالك والحديث عن نادي القرن الماضي ونظيره المُلقب بزعيم الإنكليز قاريا، بيد أنه في العادة تكون هناك مؤشرات وعلامات، تكون بمثابة أداة أو بوابة بالنسبة للمحللين والنقاد لطرح التوقعات والفرضيات المحتملة للمباريات، وإذا سلطنا الضوء على التفاصيل أو الملاحظات العريضة التي يمكن للمتابع البسيط بناء توقعاته للنهائي عليها، سنجد منها، الفاتورة الباهظة، التي يدفعها الفريق الإنكليزي، مقابل طمعه المشروع في تحقيق ما عجزت عنه كل أندية البريميرليغ في كل العصور، بالسيطرة على الثلاثية المحلية بالإضافة إلى كأس الأبطال السابعة، وذلك بطبيعة الحال، بعد قهر تشلسي مرتين، الأولى في نهائي كأس الرابطة من علامة الجزاء، والثانية بنفس الكيفية في نهائي كأس الاتحاد الإنكليزي.
واليوم الأحد، ينتظر هدية السماء إلى الأرض، بأن ينجح الأسطورة ستيفن جيرارد وفريقه أستون فيلا في تجنب الهزيمة أمام بطل ومتصدر الدوري الإنكليزي الممتاز مانشستر سيتي، لتعويض خطيئة السقوط أمام ديمبا با عام 2014، شريطة الفوز على ولفرهامبتون في نفس التوقيت، لضمان الثلاثية المحلية قبل البحث عن الرباعية أمام الميرينغي في نهائي باريس، وكما نعرف جميعا، هذه النجاحات المدوية، كبدت المدرب الألماني وجهازه المعاون، خسائر بشرية لا يستهان بها، بانتشار لعنة الإصابات العضلية بين اللاعبين، نتيجة تلاحم المباريات والروزنامة المضغوطة في الربع الأخير من الموسم، ما بين ارتباطات للاعبين الدوليين مع منتخبات بلادهم في بداية الشهر، وبين القتال على كل الجبهات، بخوض مباراة أشبه بالنهائي كل 72 ساعة على أقصى تقدير، وتجسد ذلك في مشهد سقوط النجم الأول محمد صلاح في نهائي أعرق كؤوس الأرض، بعد تعرضه لانتكاسة عضلية، حاول كلوب تجنبها قدر المستطاع، بالاحتفاظ بالهداف على مقاعد البدلاء في بعض المباريات، لكن في الأخير، شاء القدر أن يكون واحداً من ضحايا هذا النوع من الإصابات، التي بدأت بالبرازيلي فابينيو، واكتملت بمرافقة فيرجيل فان دايك لزميله المصري على المقاعد في نفس النهائي، ثم بعودة المدافع الإنكليزي جو غوميز لنقطة الصفر، بعد خروجه الاضطراري في ليلة تجاوز القديسين والاستمرار في مطاردة السكاي بلوز، بتقليص الفارق بينهما لنقطة واحدة، إلى أن نعرف هوية البطل مساء اليوم.
تعرق وضغوط أكثر
مع حلول موعد نهائي الأبطال، سيكون ليفربول بلغة الأرقام، الفريق الأكثر خوضا للمباريات الرسمية في أوروبا هذا الموسم، بعد رحلته الشاقة في كأس الرابطة وكأس الاتحاد الإنكليزي والبريميرليغ، بالإضافة الى 12 مباراة في الأبطال قبل الصدام الثالث عشر أمام اللوس بلانكوس، هذا ولم نتحدث عن مغامرات صلاح وساديو ماني في الماما أفريكا، وسلسلة مباريات الـ120 دقيقة التي لعبها الثنائي، خصوصا قائد المنتخب المصري في حملة الكان وفاصلة مونديال قطر 2022، وهذا يفسر لنا سبب الصداع الذي يعاني منه كلوب في الوقت الراهن، وهو شبح الإصابات الذي يهدد الجميع بدون استثناء، والأسوأ من ذلك، الذعر من سيناريو تأثر اللاعبين ذهنيا وبدنيا في نهائي «سان دوني»، مقارنة بالمنافس، الذي سيخوض النهائي بأسلحته الفتاكة، بعد تعافي المصابين من مشاكلهم الطفيفة في أسابيع الراحة والاستعداد للنهائي، التي تعامل خلالها المدرب كارلو أنشيلوتي مع مباريات الليغا، على أنها سهرات ودية وتحضيرية لنهائي الرابعة عشرة، بعد الاحتفال المبكر باللقب، وتجلى ذلك في اعتماد كارليتو على أكبر عدد من اللاعبين البدلاء، بهدف منح كريم بنزيمة وباقي الركائز الأساسية، ما يكفي من الراحة والاسترخاء، ليكونوا في أعلى معدلاته الفنية والبدنية في المباراة النهائية.
وهي ميزة أو رفاهية تمتع بها عملاق الدوري الإسباني في الأسابيع الثلاثة الماضية، تعطيه أفضلية لا بأس بها على خصمه الإنكليزي، خاصة بعد السمعة الكبيرة التي روجها لنفسه، كفريق يستمد قوته من عزيمة لاعبيه ولياقتهم البدنية الفولاذية، التي مكنتهم من إسقاط كبار إنكلترا وأوروبا واحدا تلو الآخر، بعد حملة التشويه والتشكيك التي تعرض لها العراّب الإيطالي، في ردود الأفعال على الهزيمة المحبطة أمام شيريف تيراسبول المولدوفي في دور المجموعات، وبدأت بقلب الطاولة على فريق الأحلام باريس سان جيرمان، في الشوط الثاني لموقعة إياب ثمن النهائي، بعد التأخر في الأداء والنتيجة أمام المنافس في الذهاب وأول شوط في إياب «السانتياغو»، تماما كما فعلها مع حامل اللقب تشلسي في ربع النهائي، ثم ملحمة اللحظات الأخيرة أمام مانشستر سيتي في موقعة إياب نصف النهائي، فهل سيستمر عنفوان الملكي في بطولته المفضلة ويكون أحمر الميرسيسايد آخر ضحاياه الكبار في حملة الرابعة عشرة؟ أم سيتعافى صلاح ورفاقه بالألقاب المحلية ويكون لها مفعول السحر لأخذ الثأر المزدوج من أنشيلوتي على نهائي 2007 عندما كان مدربا لميلان في موقعة أثينا، ولفريقه الحالي بعد خسارة نهائي كييف 2018، تلك المباراة الشهيرة التي يتذكرها جمهور كل ناد بطريقته الخاصة، باعتبارها الليلة الظلماء التي بكى خلالها المو بعد إصابته بخلع في الكتف في أول نصف ساعة، إثر تدخل سيرخيو راموس العنيف، وبالنسبة لعشاق الريال، كانت آخر ليالي أوروبا السعيدة والظهور الأخير لكريستيانو رونالدو بالقميص الأبيض.
سلاح ذو حدين
بدأ يظهر تأثير الضغط الإعلامي والجماهيري على كلوب ورجاله، بعد الوصول للأمتار الأخيرة في البطولات الأربع، ولعل المثال الأبرز، كان محمد صلاح، الذي تصدر عناوين الصحف والمواقع الرياضية، قبل حتى حصول الريال على تأشيرة اللعب في النهائي، بالكشف عن رغبته الجامحة في رد الثأر لسلطان الكرة الأوروبية، ثم بالتغريدة التي استخدم خلالها تعبير «تصفية حسابات» وباقي رسائل التهديد والوعيد، التي توقفت مع مشهد استبداله بديوغو جوتا في نهائي الكأس منتصف الشهر، لكن الإعلام المدريدي، ما زال يتفنن في تسليط الضوء عليها، لرفع الحالة المعنوية داخل غرفة خلع الملابس في اللوس بلانكوس، وفي رواية أخرى، لتحريض المدافعين ولاعبي الوسط على الفرعون في المواجهات المباشرة على الكرة، لحرمانه من ممارسة هوايته المفضلة بهز شباك خصوم الريدز، وبالتبعية، القضاء على السلاح الأكثر فتكا بالنسبة لكلوب، وهذه النبرة أو الطريقة التي تحدث بها، إن دلت على شيء، فحتما على جزء بسيط من الضغوط التي يعيشها النجم المصري ورفاقه.
وكما أشرنا أعلاه، ستكون الضغوط والتوقعات الكبيرة، بالحصول على الرباعية أو الثلاثية، أشبه بالسلاح ذي الحدين، إما سيكون مذاق البطولات المحلية، هو الدافع أو المحرك الرئيسي لتجديد طاقة اللاعبين والحفاظ على نفس الرغبة والهوس في حصد البطولات، وإما تذهب كرة القدم إلى السيناريو الأسوأ، أن تكون البداية مساء اليوم، بخسارة لقب البريميرليغ، وثم تأتي التوابع بالاستيقاظ على الكابوس أمام بنزيمة ورفاقه. وفي كل الأحوال، ستبقى على الورق وداخل المستطيل الأخضر، واحدة من المعارك، التي يستحيل التنبؤ بنتيجتها أو حتى أحداثها، في وجود نسخة ريال مدريد الحالية، التي احتار النقاد وعالم كرة القدم في تحليلها، للطريقة التي تفوق بها الفريق على خصومه في مراحل خروج المغلوب، كأننا نشاهد إستراتيجية أسطورة الملاكمة محمد علي، لكن في شكل منظومة جماعية، بترك المنافس يفعل ما يحلو له طوال النزال، إلى أن تخور قواه، وفي الأخير يأخذ المنافس بالمقولة المأثورة «على حين غرة»، أيضا ليفربول، واحد من القلائل، الذين يشاركون الريال، في عقلية «الريمونتادا» وثقافة القتال وإجادة لعبة «من أين تؤكل الكتف»، وباقي المواصفات التي تشكل ما يُعرف بشخصية الفريق البطل.
التاريخ والحاضر
لو عدنا للغة الأرقام، سنلاحظ أنها تدعم وجهة النظر، التي تميل لفكرة أنها ستكون مباراة نهائية متكافئة والحظوظ بينهما ستكون 50% لـ50%، إذ أنه سيكون الصدام التاسع بين ريال مدريد وليفربول على مستوى دوري الأبطال، بعد 4 انتصارات بيضاء مقابل 3 لممثل البريميرليغ وتعادل وحيد في ثماني مواجهات مباشرة سابقة بينهما، والتي بدأت في 27 مايو/ أيار عام 1981، حين فاز الريدز على الريال في نهائي «حديقة الأمراء» بهدف آلان كينيدي، وبعد قرابة الثلاثة عقود، تقابلا في دور الـ16 لنسخة 2008-2009، وآنذاك تمكن ستيفن جيرارد ورفاقه من إذلال الميرينغي بخماسية في مجموع مباراتي الذهاب والإياب، بانتصار بهدف في العاصمة الإسبانية، وبرباعية بلا هوادة في إياب «الآنفيلد»، قبل أن يفك الريال عقدته مع دابته السوداء الإنكليزية، بانتصارين في مرحلة المجموعات نسخة 2014-2015، بثلاثية نظيفة على مرأى ومسمع جمهور «الآنفيلد»، وبهدف ماركة الحكومة في «السانتياغو»، ثم موقعة «كييف» وما تبعها في آخر مواجهة بينهما، التي أكد خلالها الريال تفوقه على خصمه الإنكليزي، بالإطاحة به من ربع نهائي النسخة الماضية، مكررا فوزه بنفس نتيجة النهائي في ذهاب «سانتياغو بيرنابيو»، وبتعادل سلبي في العودة. الشاهد، أن التاريخ يؤيد الحاضر، بأننا سنكون على واحدة من السهرات المفتوحة لكل الاحتمالات، في ما يمكن اعتباره الجزء الأخير لسلسلة أفلام ريال مدريد، التي لا ينصح بها لأصحاب القلوب الضعيفة.
وبعيدا عن الجينات المصرية، فلا أعتقد أن هناك شخصاً طبيعياً من عشاق كرة القدم الحقيقية، يتمنى غياب محمد صلاح عن النهائي، على الأقل للاستمتاع بالدراما ومباراته الخاصة مع لاعبي ومشجعي الريال، لكن بالنسبة لكلوب، سيبقى الحل الإستراتيجي وأكثر من يعول عليه وينتظر هداياه، أو واحدة من لحظات تجليه، التي يحاكي فيها إبداعات البرغوث ليونيل ميسي عندما تكون «الغزالة رايقة»، وبدرجة أقل ساديو ماني أو واحد من الثنائي ديوغو جوتا أو المتفجر لويس دياز، من دون إسقاط روبرتو فيرمينو من الحسابات، لسجله الحافل مع التألق في الليالي الكبرى، كواحد من المحظوظين الذين يُجيدون «فن التعامل» مع المباريات الكبيرة، مع الأخذ في الاعتبار، أن الكرات الثابتة والركنيات، ستكون من الأسلحة والأفكار التي يُقال عنها «من خارج الصندوق»، التي سيحاول من خلالها استكشاف مرمى الاخطبوط تيبو كورتوا، كما يفعلها في الأوقات المعقدة، آخرها في ليلة عبور القديسين بشق الأنفس الأسبوع الماضي، برأسية إبراهيم كوناتي من ركلة ركنية. فقط سيبقى التحدي، أن يتمكن كلوب من حل معادلة الحفاظ على أسلوب الضغط العالي وتجنب بطش ريال مدريد في أوقاته المفضلة في الدقائق الأخيرة. وملاحظة أخرى قد يراها البعض «بسيطة»، وهي نجاة الحارس أليسون من هفوته شبه الدائمة في كل مباراة، عندما يكون في حضرة كريم، ولعل من شاهد مباريات الريدز الأخيرة، لاحظ كم الهفوات التي ارتكبها الحارس البرازيلي في تمرير الكرة الى زملائه المدافعين، ولنا أن نتخيل رد فعل بنزيمة وهو يشاهد هذه اللقطات، فما بالك عزيزي القارئ، إذا حدثت في أرضية «سان دوني»؟ في الغالب سيسارع مخرج المباراة بتسليط الكاميرا على الحارس كاريوس، صاحب الخطأ الأشهر أمام الجزائري الأصل في نهائي كييف، ولو أنه في كل الأحوال، سيبقى كريم، هو السلاح الذي يعادل قوة صلاح في ليفربول، وربما أكثر، لهيمنة النجم الجزائري – الفرنسي على أغلب اللحظات الفارقة في موسم الفريق، مقارنة بليفربول، الذي يعتمد على الجميع بدون استثناء في الهجوم.
وفي عالم مواز، ستكون هناك معركة حامية الوطيس بين أفضل ظهير أيمن في العالم ترينت أكسندر أرنولد، وأكثر مهاجم تطورا هذا الموسم فينيسيوس جونيور، في مباراة خاصة، قد تكون حاسمة في أحداث ونتيجة المباراة، كيف لا والمدافع الإنكليزي، من أهم مفاتيح اللعب في الثلث الأخير من الملعب، لموهبته الشاملة، التي يلامس بها صناع اللعب وأصحاب المهارة الخاصة. لكن عمليا، يمكن القول، إنه سيراجع نفسه أكثر من مرة، كلما حاول التقدم إلى الأمام لعمل الزيادة الهجومية في الثلث الأخير من الملعب، وذلك لتجنب الغارات التي سيشنها السهم البرازيلي في هذه المساحة الشاغرة، لكن في الأخير، ستكون الكلمة العليا لأم المعارك في وسط الملعب، لتطبيق أفكار المدرب وتنفيذها بشكل صحيح داخل الملعب، أي سيكون لحالة فابينيو وجاهزيته للمباراة، ومعه نابي كيتا والقائد جوردان هيندرسون، تأثيراً كبيراً على أداء وشكل الفريق من الناحية الجماعية، وبالمثل بالنسبة للثلاثي الكلاسيكي الأبيض كاسيميرو وتوني كروس ولوكا مودريتش، خصوصا الأخير، لمساهمته الكبيرة في إنجاز بنزيمة وفينيسيوس بتسجيل وصناعة ما مجموعه 100 هدف هذا الموسم وما زالت قابلة للزيادة، بفضل تمريراته العبقرية، وتوظيفه المثالي من قبل ميستر كارليتو، كلاعب حر بمهام تقمص دور حلقة الوصل بين ثلاثي الهجوم، وبالمثل، سيكون لكلا الحارسين، دورا كبيرا في نتيجة وأحداث المباراة برمتها، كما أثبت أليسون الموسم الماضي، بتوقيعه على هدف التأهل لدوري أبطال أوروبا، وكذا كورتوا يثبت من مباراة الى أخرى هذا الموسم، لماذا صمد الريال في البطولة حتى الآن، بتصدياته المذهلة التي كانت تُحيي آمال الفريق في الوقت المناسب، ليتكفل كريم والعصابة بباقي التفاصيل، والآن جاء دورك عزيزي القارئ لتشاركنا الرأي وتخبرنا، لمن تبتسم الكأس في النهائي؟