بغداد ـ «القدس العربي» : أنهى نائب رئيس الوزراء العراقي، وزير الخارجية فؤاد حسين، الأربعاء، جولة جديدة من مباحثات «الحوار الاستراتيجي العراقي ـ البريطاني» استمرّت مدّة يومين في العاصمة البريطانية لندن، حصل خلالها على وعود بمواصلة دعم المملكة المتحدة للقوات العراقية في مواجهة خطر تنظيم «الدولة الإسلامية» وأيضاً تقديم مساعدات «فنّية» لتحقيق إصلاح اقتصادي لا يعتمد على النفط فقط.
واستضاف وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي، رئيس الديلوماسية العراقية، في الحوار الاستراتيجي البريطاني ـ العراقي الذي عُقد في لندن يوميّ 3 ـ 4 يوليو/تموز 2023.
وذكر بيان مشترك صادر عن الجانبين في ختام الحوار، أمس، أن هذا الحوار الاستراتيجي «يبني على أسس توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية البريطانية – العراقية في بغداد في شهر يونيو/حزيران 2021 التي أفضت إلى توطيد التعاون الثنائي بين البلدين، وجددت التزام المملكة المتحدة بأمن واستقرار وسيادة العراق على الأجل الطويل».
تطوير وتوسيع التعاون
ويأتي انعقاد هذا الحوار في أعقاب زيارة وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لورد أحمد، إلى العراق وإقليم كردستان في الفترة من 28 فبراير/شباط إلى 2 مارس/آذار 2023.
وشدد البيان على «متانة واتساع أفق العلاقات الثنائية بين المملكة المتحدة والعراق، وجددت كلتا الحكومتين التأكيد على التزامهما بالعمل معا لما يصب في مصالحهما الإقليمية والعالمية. واتفق الوزيران على تطوير وتوسيع التعاون في نطاق واسع من القطاعات».
وبحثا «الإصلاح الاقتصادي وأهمية بناء مستقبل مزدهر للشعب العراقي، والتزام المملكة المتحدة بمساندة العراق ـ بما في ذلك من خلال مجموعة الاتصال الاقتصادي للعراق ـ بينما يمضي في إصلاحات كبيرة طويلة الأمد تلزم لتثبيت خطى اقتصاد العراق ومجتمعه».
ورحب كلا الجانبين بـ«أجندة العراق الطموحة للإصلاح الاقتصادي، واتفقا على أهمية التحقيق العاجل لنمو لا يعتمد على النفط، وتوفير فرص عمل في القطاع الخاص، وتحسين إمكانية توفير التمويل للشركات، كما اتفقا على أهمية أن يُتِم العراق سريعا انضمامه إلى البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في 2023، ومواصلة العمل عن قرب مع صندوق النقد الدولي حول برنامج طويل المدى لدعم العراق، إلى جانب الانضمام إلى مؤسسات مالية دولية أخرى، كالمصرف الأوروبي للاستثمار».
وعبّرت المملكة المتحدة «عن التزامها بمشاركة خبراتها وتوفير دعم ثنائي ومساعدة فنية لتحقيق الإصلاح الاقتصادي في مجالات أساسية مثل تنمية قدرات الاقتصاد، وتنويع مصادر العائدات الحكومية، وتحسين توفير التمويل للشركات، وتسهيل انضمام العراق لمنظمة التجارة العالمية».
وبشأن القطاع التجاري المتزامن مع ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين، عقد الجانبان الاجتماع السادس لمجلس التجارة البريطاني ـ العراقي. وكان الاجتماع الخامس قد عُقد في بغداد في يناير/كانون الثاني 2019. وقد بحث الخبراء سبل تشجيع مزيد من الاستثمار في العراق، وكيفية تذليل العقبات أمام التجارة، كذلك اجتمع نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية بعدد من الشركات البريطانية الرائدة لبحث فرص تجارية جديدة.
واتفق الجانبان على «إنجاز اتفاقية الشراكة والتعاون بين المملكة المتحدة والعراق في أسرع وقت ممكن، وعرضها على البرلمان في كلا البلدين في السنة الحالية».
وفيما يتعلق بالمناخ والبيئة، قبيل انعقاد مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين (كوب 28) لاحقا هذه السنة، بحث الوزيران أهمية العمل معا لمعالجة تغير المناخ والمشاكل البيئية، واتفقا على زيادة التواصل رفيع المستوى بين البلدين خلال ما بقي من سنة 2023.
الوفد العراقي يُنهي جولة مباحثات الحوار الاستراتيجي مع بريطانيا
وقد رحب الجانبان بالدعم المقدم من المملكة المتحدة لزيادة تطوير وتقوية المساهمات المحددة وطنيا في العراق، كما طرحت المملكة المتحدة فرص تقديم مساعدة فنية، بما فيها برنامج بالعمل مع مكتب الأرصاد البريطاني لتعزيز قدرة العراق على الاستعداد للعواصف الرملية والترابية والاستجابة لدى حدوثها.
وعلى صعيد الدفاع والأمن، اتفق الوزيران على أهمية «مواصلة حرمان داعش من مساحة نشاطه في العراق» ورحبا بالتزام المملكة المتحدة والعراق بـ«دعم التحالف الدولي ضد داعش». كما رحبا بالتزام الحكومة العراقية بـ«حماية مقرات التحالف ومباني البعثات الدبلوماسية في العراق».
وقد أعربا عن تقديرهما للجهود الحيوية التي يبذلها الجانبان لإعادة تأهيل وإعادة إدماج النازحين العراقيين، بمن فيهم العائدون من مخيم الهول في شمال شرق سوريا، وجددا التأكيد على أهمية التنسيق الدولي لدعم سبل الوصول إلى حلول مستدامة لسكان المخيمات.
وأعربا كذلك، عن تقديرهما لجهود المملكة المتحدة بالعمل مع وزارة الدفاع العراقية ووزارة شؤون البيشمركة حول التعليم العسكري الاحترافي، واتفقا على مواصلة مشاركة الجيش العراقي في دورات تدريب الضباط في المملكة المتحدة، بما في ذلك في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية، والكلية البحرية الملكية بريطانيا في دارتموث، وكلية سلاح الجو الملكية في كرانويل، إلى جانب دورات الأكاديمية العسكرية في شريفنهام والكلية الملكية للدراسات العسكرية.
وإدراكا للتهديدات الإلكترونية الحديثة، اتفق الجانبان على توطيد التواصل بين البلدين بمجال الأمن الإلكتروني، بما في ذلك من خلال دعم المملكة المتحدة لمديرية الأمن الإلكتروني التي تأسست حديثا التابعة لوزارة الدفاع العراقية.
وفيما يخصّ الهجرة والجريمة المنظمة، بحث الوزيران التحديات التي تواجه المملكة المتحدة والعراق في التصدي للجريمة المنظمة الخطيرة ودوافع الهجرة. وقد استعرضا مجالات التعاون بين البلدين لضمان أن تكون الهجرة بشكل آمن وقانونية، بما في ذلك «التعاون في برامج هادفة لبلورة فهم أفضل لدوافع الهجرة غير القانونية ومعالجتها، وتأسيس عمليات متينة وموثوقة للتعاون بمجال الهجرة، بما فيها برامج إعادة الاندماج». وسوف تزيد المملكة المتحدة دعمها لتعزيز حدود العراق من خلال برامج يتفق عليها الجانبان.
وفي القطّاع الصحي، شدد الجانبان على أهمية «تطوير القطاع الصحي في العراق» ورحبا ببرنامج التحول الديمغرافي البريطاني المستمر، وتكلفته 35 مليون جنيه إسترليني، الذي يهدف إلى مساعدة الحكومة العراقية في تقديم خدمات تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية بما ينسجم مع القوانين والأعراف العراقية.
وبما يتعلق بملف حقوق الإنسان، بحث الوزيران الحاجة إلى «مواصلة التعاون بين البلدين بمجال حقوق الإنسان، ودعم النساء والفتيات ـ وخاصة الناجيات من العنف الجنسي المرتبط بالنزاع». وقد رحبت المملكة المتحدة بالجهود الذي بذلها العراق مؤخرا لتطبيق قانون الناجيات الإيزيديات، وأعرب الجانبان عن إدراكهما للدعم المقدم من المملكة المتحدة لإطلاق عملية تقديم طلبات جبر الضرر ـ والتي بدأت من خلالها أكثر من 800 من النساء والفتيات باستلام مبالغ جبر الضرر ـ وإطلاق مسار التحويل للاستفادة من خدمات الدعم النفساني والدعم بمجال الصحة العقلية.
كذلك بحث الجانبان الحاجة الحيوية لمساعدة الأطفال المولودين نتيجة العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، ورحبا بموافقة العراق على النظر في تقديم التزامات طوعية بموجب منصة العمل لإبراز حقوق ورفاه الأطفال المولودين نتيجة العنف الجنسي المرتبط بالنزاع.
وفيما يخصّ الجوانب السياسية الثنائية والإقليمية، رحب الوزيران بـ«جهود الحكومة العراقية الرامية إلى تعزيز علاقات العراق مع دول المنطقة سعيا للتعاون ولإحلال الاستقرار» بما في ذلك من خلال مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة. وقد رحبت المملكة المتحدة بجهود ربط العراق بشبكة الكهرباء في دول مجلس التعاون الخليجي، وتأسيس روابط أكبر بمجال الطاقة مع المنطقة.
تعزيز الاستقرار الإقليمي
وتتطلع جمهورية العراق والمملكة المتحدة إلى اختتام جلسات الحوار الاستراتيجي، واستعراض ما أحرزه البلدان من تقدم في جلسة الحوار الاستراتيجي التالية المزمع عقدها في 2024 في بغداد، وفقا للبيان.
ومساء أول أمس، نقل بيان لوزارة الخارجية حسين حديثه خلال لقائه كليفرلي، عن «دور العراق في إطار تعزيز الاستقرار الإقليميّ وتقريب وجهات النظر بين دول المنطقة وخاصة المملكة العربيَّة السعوديَّة والجُمْهُوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة، واستعداد العراق لمواصلة بذل الجهود لتخفيف التوتر في المنطقة».
كما تضمن اللقاء «مُناقشة سُبُل تعزيز العلاقات الثنائيَّة بين البلدين في ضوء الاستقرار الأمنيّ وإقرار الموازنة العامة وعزم الحكومة على ترجمة ذلك إلى برامج خدميَّة وإعادة الإعمار».
ودعا حسين إلى «تكثيف التعاون في مجالات التعليَّم والصحة وقطاعات الأعمال والصناعات والزراعة وغيرها».
وأجرى الوزير العراقي على هامش زيارته إلى لندن، سلسلة لقاءات منفصلة. وتلخّصت المباحثات على «جُهُود العراق في تحقيق الحوار وتخفيف الازمات» وتناولت بحث العديد من الملفات ذات الاهتمام المُشترَك ومنها قضايا حقوق الناجين من الصراعات وضحايا العنف الجنسيّ أثناء الصراعات» بالإضافة إلى «آفاق التعاون في مجال الهجرة وبرامج إعادة الاندماج والعودة الآمنة للمهاجرين» وملفات أخرى.