في مساء يوم الخميس الاخير، في قاعة فخمة في فندق ‘لانكستر’ في لندن جلس مئات المدعوين وفيهم رؤساء الطائفة اليهودية ومسؤولون كبار في الجهاز السياسي في بريطانيا حضروا اللقاء السنوي لـ ‘بيكوم’ وهي مجموعة الضغط الاسرائيلية التي تعمل في المملكة المتحدة. تحدث نتنياهو الى الحضور على العشاء بواسطة الأقمار الصناعية بُث على شاشات كبيرة، وكان في أفضل حضور له وقد تحدث كالمتوقع عن الجهد الايراني للتسلح بسلاح ذري، وخندق كالمتوقع في موقف أساسه أنه إما أن تتجرد ايران من كل أملاكها في المجال الذري وإما أن تحتاج الى دفع الثمن كاملا على يد اسرائيل. أو بعبارة اخرى: أشار نتنياهو اشارة خفية الى أنه حتى لو بقي وحده فلن يحجم عن توجيه العمل على الايرانيين دون مساعدة امريكا. وهمس إلي عضو برلمان بريطاني قائلا: ‘ما الذي يتحدث عنه، وما الذي يحدث له؟ إن العمل دون امريكا جنون’. واختار عاموس يادلين، وهو جنرال احتياط كان في الماضي رئيس ‘أمان’ وقائد سلاح الجو، الذي استدعاه في آخر لحظة الى المؤتمر فويو زبلوفوفيتش مؤسس ‘بيكوم’ بعد أن ألغت الوزيرة تسيبي لفني مجيئها في آخر لحظة، اختار توجها يخالف توجه نتنياهو. فقال يادلين إن ايران برغم أنها بقيت الدولة الوحيدة التي تُعرض اسرائيل لتهديد وجودي، فان علينا أن نكون واقعيين’ لأنه ينبغي ألا نفرض أن يتبنى الايرانيون والمجتمع الدولي توجه نتنياهو وهو كل شيء أو لا شيء. وقال إنه يجب على اسرائيل أن تطلب أن تُلغى أجزاء كبيرة من البرنامج الذري الايراني لكن أن تبقى في يد نظام آيات الله أجزاء ما لها صلة ببرنامج تخصيب اليورانيوم لحاجات انتاج الطاقة. وحاول عضو البرلمان الذي تحدث إلي، والذي كان يشغل مناصب رفيعة في حكومات حزب العمال، أن يُبين أن بريطانيا ما زالت تلعق جراح مشاركتها مع الولايات المتحدة في حرب العراق. لافتا الى ‘أن المعلومات الاستخبارية المخطئة التي اعتمدنا عليها وقرارات الامريكيين المتسرعة في اثناء السنوات التي غرقنا فيها في الوحل العراقي أثبتت لنا الحاجة الى إبداء حذر أكبر من الدخول في حرب اخرى’. وكما فهمت من الأحاديث التي أجريتها في لندن، فإن اسرائيل ستبقى وحدها اذا استقر رأيها على مهاجمة ايران. فامريكا وبريطانيا لا تنويان الانضمام الى ‘الحفل’ الذي يشير إليه نتنياهو اشارة خفية حينما يعلن بأنه سيرسل طائرات سلاح الجو الاسرائيلي الى أهداف مختلفة في ايران حتى لو لم تنضم دول اخرى الى الهجوم. لقد زار البلاد قبل بضعة ايام السير جون سيورز رئيس الاستخبارات البريطانية التي هي نظيرة الموساد. ويُخيل إلي أنني لن أُخطيء الرسائل التي أراد أن يهبها لمتخذ القرارات عندنا وهي أنه لا يجوز أن تُرى اسرائيل في العالم أنها تُهيج حربا وأنها دولة تدعو الى حل الخلاف مع ايران بوسائل عسكرية. أفترض من أحاديث كانت لي هنا أن البريطانيين قالوا لنظرائهم في اسرائيل إن الولايات المتحدة وحدها تستطيع وقف المشروع الذري الايراني. وقال البريطانيون إن امريكا بخلاف ما تظنون هي القوة العظمى الوحيدة في العالم: فهي لا تتهاوى، وهي تختار سياسة براغماتية ستضطرون الى الاعتياد عليها والى العمل بحسب الخطوط التي ترسمها. وفي مقابل ذلك يعتقد البريطانيون أكثر من الامريكيين أن اسرائيل يجب أن تعمل في تصميم على حل الصراع مع الفلسطينيين. ‘لا تستطيعون الجلوس بلا عمل. أظهروا مبادرة وضائلوا الأخطار بازاء ملايين الفلسطينيين الذين تسيطرون على حياتهم’. يبدو أنهم في اسرائيل سيعترفون بأن التعاون بين اجهزة الاستخبارات في بريطانيا واسرائيل بلغ ذُرى لم تُعرف في الماضي، ولهذا فان الكلام الذي يُسمعه البريطانيون للاسرائيليين يأتي عن تقدير عميق لقدرات اسرائيل. لكن من المهم أن نتذكر أن فيما يتعلق بامكانية الهجوم على ايران. فهي بالعكس تُحذر اسرائيل من تأثيرات الكلام وامكانية عملية عسكرية لا يدعمها تعاون مع المجتمع الدولي.