إن سلة الأفكار التي تتراكم يوميا في عقولنا، لا شك في أنها تؤثر في قراراتنا واختياراتنا، فمنذ أن ولدنا ونحن نراكم الأفكار التي لا تعشش وحيدة في عقولنا، بل هي أيضا تتزاوج وتتوالد كما يتوالد بنو آدم، وتتحرك كمخلوقات عقلية تؤثر إن إيجابا أو سلبا في قراراتنا، ذلك أن أفعالنا وسلوكاتنا ما هي في النهاية إلا ترجمة لأفكارنا.
ألسنا نعبر مرارا في خطاباتنا عن أهمية توالد الأفكار في نجاح المحاضرات، حيث أن توالد الأفكار هذا لا يحسنه فقط الكُتاب والفلاسفة والمفكرون، بل هو خاصية إنسانية وملكة عقلية نجدها عند أقل الناس تكوينا، حيث لا وجود لفكرة عقيمة إن هي التقت بفكرة أخرى، حيث إن تلاقح الأفكار هو ما يبعث الإنسان للفعل إن إيجابا أو سلبا، فكم من حلم أصبح حقيقة وكم من أحلام دفنت مع أصحابها لأنهم بنوا عراقيل وفرامل وهمية كبحت قدراتهم الإنسانية الخارقة مدى حياتهم فقبرت أمانيهم وأحلامهم.
ليست مقبرة هايغيت وحدها ذات الأهمية التاريخية العالمية لاحتوائها على الشخصيات الأكبر ذات الأهمية التاريخية ثقافيا، لكونهم أعلام ميدانهم كالمؤرخ إيريك هوكسباوم أو مؤسس الحركة التعاونية البريطانية جورج هوليك أو المفكر كارل ماركس أو المغني جورج مايكل وعالم التشريح هنري غراي أو عالم البيولوجيا التطورية هربرت سبنسر وغيرهم، بل في الحقيقة إن تأملنا بعمق فدائرة عدد الإنسانية ذات الأفكار الخلاقة هي أكثر اتساعا مما نعرف، ذلك أن المقبرة في نظر احد علماء التنمية الذاتية الأمريكان، هي خزان الأفكار الخلاقة التي قبرت قبل أن يحولها أصحابها إلى فعل.
المقبرة في نظر احد علماء التنمية الذاتية الأمريكان، هي خزان الأفكار الخلاقة التي قبرت قبل أن يحولها أصحابها إلى فعل.
إذن لنتجاوز الفرامل الوهمية وكوابح الظنون التي تعوق تحويل الأفكار البناءة إلى أفعال، ولا يمكن تجاوزها حسب رائدة جمعية الأعمال النسوية البريطانية كاري جرين إلا برمي تلك الكمية الهائلة من الأفكار السلبية والعوائق الذهنية الوهمية في سلة القمامات نهائيا، حتى لا تأخذ وقتا كبيرا من انطلاقتنا اليومية، ويسهل علينا ضبط عقولنا على الموجة التي نريد، وتوقيف جميع المشوشات الذهنية التي قد تعوق إنصاتنا للموجة العقلية البناءة، التي ضربت مثالا عنها القولة المأثورة لأنطوني روبنز «إنما يحدد قَدَرك بالاختيارات التي تقوم بها، لذلك اختر الآن، واختر جيدا»، تلك القولة التي تقول عنها السيدة جرين إنها كانت المسؤول الأول عن نجاحاتها في ريادة الأعمال لأنها جعلتها تدرك جيدا أنها هي نفسها (أي كاري جرين)، المسؤولة عن كل حالات الفشل التي تقلبت فيها من ذي قبل، التي بضبط العقل على الموجة الفكر، جعلها تتوصل إلى أن كل تلك الشكوك والمخاوف التي كانت تعوقها من تحقيق نتائج مميزة، إنما كان وهمية تحجب عنها الرؤية السليمة التي قد تمكنها من تحديد هدفها ولِم عليها أن تسعى إلى تحقيقه؟ وأي شخصية يجب عليها أن تكون لتتمكن من تحقيق هدفها؟ وأي استراتيجية عليها أن تتبع لتحقق كل ذلك؟
تستنتج في النهاية المحاضرة كاري جرين في مانشستر البريطانية أنها في النهاية وبإدراكها لهذه الحقائق، إنما عليها أن تبرمج عقلها على النجاح، وأن ذلك لا يتأتى إلا بمسألة بسيطة لكن في غاية الأهمية ألا وهي «تحويل الأفكار إلى أفعال»، وهي الآلية السهلة الممتنعة التي لا تتأتى للفرد إلا بضبط العقل على الموجة التي يريد، بطرد الأفكار الهدامة، وتوقيف سيرورة العقل كلما تدحرجت عجلته نحو الأسفل ليصل به إلى هوة الفشل، ومحاولة النهوض به شيئا فشيئا بشحنه بالأفكار البناءة وشحذ الهمة بالتحكم بالفكر وجعل زمامه بيدنا لا هو المتحكم فينا.
تؤكد رائدة الأعمال جرين كاري هذه، في حقيقة لا مراء فيها إنه بالوعي الكامل والتصور المنهجي الواضح لهذه الخطوات السابقة سارت عجلتها في سعي حثيث نحو النجاح، كما ستسير خطى كل من سار على نهجها، فالنجاح في نظرها ليس صدفة ولا هي مصادفة أن يعيش المرء حياة هنيئة، بل هو محاولة دائمة عن قصد ووعي.
٭ كاتب ـ المغرب