أنباء عن نية أنقرة تفعيل منظومة إس 400 الروسية
إسطنبول-“القدس العربي”:دخل الصراع شرقي البحر المتوسط بين اليونان وتركيا حقبة جديدة مع تعقد الكثير من ملفات الخلاف وتشعبها لا سيما مع بروز أزمة رفع حظر السلاح الأمريكي عن قبرص الجنوبية وتلويح اليونان بإمكانية توسيع الجرف القاري لجزرها في إيجة والمتوسط واتهام أنقرة لأثينا بتسليح الجزر منزوعة السلاح، وجميعها ملفات تزيد احتمالية حصول صدام عسكري خطير في المنطقة في ظل فشل المحاولات الدولية التي يقودها الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو بشكل خاص في وضع حد للتصعيد والبدء بحوار بين البلدين.
ومع فرض فرنسا نفسها كلاعب رئيسي ومباشر في الخلاف بين تركيا واليونان وسط حرب كلامية غير مسبوقة بين البلدين، باتت الولايات المتحدة طرفاً مباشراً في الأزمة من وجهة نظر تركيا، وذلك عقب قرار واشنطن رفع حظر توريد السلاح المفروض منذ سنوات على قبرص الجنوبية -اليونانية- وهو ما دفع تركيا إعلان مناورات عسكرية جديدة مع قبرص الشمالية -التركية- شرقي البحر المتوسط والتلويح بإدخال روسيا كلاعب دولي جديد في الأزمة التي تشهد مزيداً من التعقيد يوماً بعد يوم.
تشعب الأزمة
رغم المساعي الدولية لاحتواء التصعيد، شهدت أزمة شرق المتوسط مزيداً من التصعيد ودخلت مرحلة جديدة من الخلاف لا سيما عقب اتهام تركيا اليونان بتسليح جزر في بحري إيجة والمتوسط مصنفة وفق الاتفاقيات الدولية على انها “جزر منزوعة السلاح” معتبرة ذلك انتهاكاً للاتفاقيات ومحاولة لتغيير الوضع القائم في الجزر و”تهديداً لأمنها القومي” وهددت بأن اليونان “ستكون الخاسرة” إذا لم تتراجع عن ذلك.
وعقب تلويح رئيس الوزراء اليوناني بإمكانية اللجوء إلى توسيع الحدود البحرية للجزر اليونانية في بحر إيجة من 6 إلى 12 ميلا بحريا، اعتبرت تركيا هذه الخطوة -في حال إعلانها- بمثابة “إعلان حرب” وأطلقت تهديدات مختلفة أعلنت فيها صراحة أن ذلك سيكون “سبباً كافياً لإعلان الحرب”.
كما يتواصل الخلاف الأساسي حول الحدود البحرية ودخول مناطق جديدة في إطار “المناطق المتنازع عليها” حيث تؤدي الإعلانات المتبادلة بين البلدين لإجراء بحوث وتنقيب أو إجراء مناورات عسكرية إلى ادخال مناطق جديدة في النزاع وبالتالي زيادة خطر التصعيد والمواجهة بين البلدين.
أطراف دولية جديدة
بدأت أزمة شرق المتوسط بين تركيا واليونان وتوسعت لاحقاً لتشمل ليبيا عقب توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وطرابلس، قبل أن تدخل مصر طرفاً بالأزمة وتوقع اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية مع اليونان، فيما أقحمت الإمارات نفسها كلاعب في الأزمة واصطفت إلى جانب اليونان لإغضاب تركيا حيث قامت بإرسال طائرات حربية للمشاركة بمناورات مع اليونان.
لكن فرنسا لا تزال اللاعب الأبرز حيث تتصدر المشهد بموقف سياسي وعسكري غير مسبوق ضد تركيا. فعقب إرسال سفينة وطائرات حربية إلى اليونان ووسط حرب تصريحات وتهديدات حادة بين أنقرة وباريس وأنباء عن صدام بحري جديد وقع قبل أيام بين البحرية الفرنسية والتركية، تقول مصادر فرنسية إن باريس تنوي إرسال حاملة طائرات إلى شرق المتوسط وهو ما يعني مزيدا من التصعيد وخطر الصدام مع تركيا أيضاً في المنطقة.
ودخلت الولايات المتحدة الأمريكية على خط الأزمة عقب إعلانها قبل أيام رفع حظر توريد الأسلحة إلى قبرص الجنوبية لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود وهو ما أغضب تركيا التي اعتبرتها خطوة عدوانية وهددت بالقيام بخطوات مضادة قد تتمثل بإرسال مزيد من القوات التركية والأسلحة النوعية وربما الأنظمة الدفاعية إلى قبرص الشمالية، لتصبح بذلك حلقة جديدة في مسلسل التصعيد المتواصل شرق المتوسط.
وفيما بدت كأنها مناورة تركية، أعلنت أنقرة إنذاراً بحرياً لإجراء روسيا مناورات عسكرية الشهر الجاري في منطقتين مختلفتين شرقي البحر المتوسط، قبل أن تنفي وزارة الدفاع التركية ذلك رسمياً في خطوة يعتقد أنها جاءت رداً على الخطوة الأمريكية وللتلويح بإمكانية إدخال موسكو لاعباً جديداً في الأزمة، ووسط أنباء عن نية أنقرة تفعيل منظومة إس 400 الدفاعية الروسية قرب الحدود المطلة على شرق المتوسط.
فشل مساعي الحوار
على جولتين مختلفتين، قادت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل محاولات للتوسط بين أنقرة وأثينا وإجلاس الطرفين إلى طاولة الحوار، لكن هذه المحاولات فشلت في الوصول إلى نتيجة قبل أن توفد وزير خارجتها إلى البلدين، ويعود هو الأخير بدون أي نتائج مطمئنة في ظل تعنت غير مسبوق من طرفي النزاع.
وإلى جانب المساعي الألمانية، قاد مسؤولو الاتحاد الأوروبي محاولات موازية فشلت هي الأخرى في حث الجانبين وقف التصعيد، قبل أن يعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أن البلدين وافقا على إجراء “مباحثات تقنية لوضع آليّة من أجل منع وقوع أيّ نزاع عسكري وخفض احتمال حصول حوادث في شرق المتوسط” وهو ما رحبت به أنقرة قبل أن تنفيه اليونان.
وأوضح ستولتنبرغ الجمعة أنّ جهوده هدفت إلى “خفض مخاطر الحوادث في شرق المتوسط” وقال إنّ “ما يفعله حلف شمال الأطلسي، وما أحاول فعله أنا، ليس معالجة المشكلة الكامنة، بل تجنّب النزاع والسعي إلى وضع وتعزيز آليات تجنّبا للنزاع” أو تجنّبا لحشد قوّات عسكريّة وهو ما يمكن أن يؤدّي إلى معركة عرضية. وأضاف أنّ إجراءات كهذه ضروريّة “طالما هناك سفن كثيرة في شرق المتوسط”.
ونفت اليونان رسمياً موافقتها على عرض الناتو، وقالت وزارة الخارجيّة اليونانيّة إنّ “المعلومات المنشورة التي تزعم أنّ اليونان وتركيا اتّفقتا على عقد ما أطلِق عليها محادثات تقنيّة، لخفض التصعيد في التوتّر في شرق المتوسّط لا تتطابق مع الحقيقة” وشدّدت الخارجيّة على أنّ “خفض التصعيد لن يحصل ما لم تنسحب جميع السفن التركية من الجرف القاري اليوناني” فيما طالب رئيس الوزراء اليوناني تركيا بـ”الكف عن تهديداتها”.
في المقابل، اتهمت أنقرة، أثينا برفض الحوار وبالكذب، وقال وزير الخارجيّة التركي إنّ “هذا يظهر الوجه الحقيقي لليونان (…) لا تريد الحوار” مضيفاً: “اليونان نفت تصريحات الأمين العام، لكنّ مَن يكذب هنا ليس الأمين العام للناتو (حلف شمال الأطلسي) بل اليونان”.
والجمعة، تحدّث رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال عن إمكان تنظيم “مؤتمر متعدّد الأطراف حول شرق المتوسّط” بمشاركة أنقرة، لمحاولة تهدئة التوتّر. وقال “طرحنا هذه الفكرة بشكل غير رسمي مع بعض الزملاء الأوروبيين والزملاء الخارجيّين. مع تركيا أيضًا. لن أقول إنّ هناك نعم واضحة، لكن لا ردّ فعل سلبيًا على ذلك”.
احتمالات الصدام العسكري
وتشير الكثير من التطورات إلى تصاعد مخاطر الصدام العسكري بين تركيا واليونان أو الأطراف الأخرى المشاركة في الأزمة. وفي آخر تصريحاته، الجمعة، قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان: “حين يتعلّق الأمر بالقتال، فلن نتردّد في تقديم شهداء” مضيفاً: “القضيّة هي الآتية: مَن يهاجموننا في المتوسّط و(الشرق الأوسط) هل هم مستعدّون للتضحيات نفسها؟.. لأعدائنا نقول: نقبل التحدّي”.
وفي آخر حلقات التصعيد العسكري بالمنطقة، أعلنت تركيا وقبرص التركية، السبت، أنهما تعتزمان إجراء مناورات “عاصفة البحر المتوسط” بين 6 و10 أيلول/سبتمبر بمشاركة قوات كبيرة من الجانبين، في حين تتواصل مناورات عسكرية تركية في مناطق مختلفة وسط تواصل أعمال التنقيب.
وبينما نفت الرئاسة التركية التقارير التي نشرتها الصحافة الألمانية عن وجود أوامر من اردوغان للقوات التركية بإسقاط طائرة أو إغراق سفينة حربية يونانية، إلا أن لا أحد ينفي في تركيا الأنباء عن أن القوات التركية لديها أوامر قاطعة بالتعامل مع أي طائرة أو سفينة حربية تحاول الدخول في المناطق التركية أو المناطق المتنازع عليها، وإن هذه الأوامر تتعلق بالطائرات والسفن اليونانية والفرنسية وبشكل خاص الطائرات الإماراتية التي لا يعرف إن كانت تتحرك بالفعل بالمنطقة أم أنها مجرد مناورة إعلامية إماراتية.
هذا السيناريو الذي يمكن أن يحدث في أي لحظة وبشكل غير محسوب من أطراف النزاع، يضاف إليه احتمال حصول رد فعل تركي عسكري على قيام اليونان بتسليح الجزير “منزوعة السلاح” أو إعلان توسيع الحدود البحرية، وهي جميعها احتمالات لا يرغبها أطراف النزاع، لكن لا يمكن لأحد القطع بإمكانية عدم حصولها في ظل تصاعد وتوسع وتعقد الصراع ودخول أطراف دولية جديدة فيه.