باريس- “القدس العربي”: قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن أزمة أوكرانيا والتوتر مع مالي هما ملفان يقوضان خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن “القوة” الأوروبية واستقلالها الاستراتيجي، إذ يريد أن يثبت أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يعمل كقوة تضمن الحماية في ظل الفوضى التي يشهدها العالم حاليا.
وأضافت الصحيفة أن السيناريو كان مثاليا تقريبا لولا أن اصطدم بالواقع، إذ أن إيمانويل ماكرون كان يأمل في أن تكون الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي وحتى يونيو/ حزيران المقبل، بمثابة نقطة انطلاق للانتخابات الرئاسية. وهو طموح كان سيمسح لماكرون بتعزيز نفوذه في القارة الأوروبية وتسليط الضوء على قناعاته المؤيدة لأوروبا، في الحملة غير الرسمية لإعادة انتخابه رئيسا لفرنسا.
الفكرة الأساسية بالنسبة لإيمانويل- تتابع “لوموند”- هي أن يثبت للفرنسيين أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون بمثابة جدار حمائي في عالم غالبًا ما يكون معاديًا، حيث تعتزم حكومته الدفاع عن سيادة القارة القديمة بجميع أبعادها، مع اعتماد سلسلة من النصوص قيد المناقشة في إطار التكتل الأوروبي. لكن في كل ذلك لم يأخذ في الاعتبار جملة من التطورات على الساحة الدولية، بما في ذلك الأزمة الأوكرانية والتوتر مع مالي.
ففي مواجهة موسكو- تشير “لوموند”- تعتمد العديد من العواصم الأوروبية أكثر من أي وقت مضى على واشنطن لضمان دفاعها، في إطار منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي تعيش نفسها حالة إعادة ترتيب للبيت الداخلي، بعد ستة أشهر من الانهيار الناجم عن الانسحاب المتسرع للقوات الأمريكية من أفغانستان. وتنقل الصحيفة في هذا السياق عن سيباستيان ميلارد، مدير معهد جاك ديلور، قوله “إن الأزمة الأوكرانية تعطي سببًا جديدًا لوجود التحالف الأطلسي”، ويضيف هذا الأخير قائلاً إن “هناك صعوبة في الانتقال من خطاب ذي نزعة طوعية إلى اتخاذ إجراءات ثنائية”.
وتواصل “لوموند” التوضيح أن من بين الأولويات الفرنسية تعزيز الدفاع الأوروبي بحلول عام 2030 بما يتماشى وسبل وضع حد للتوترات في الأزمة الأوكرانية، لكن ما يحدث مع روسيا جعل العديد من الدول في شرق أوروبا الشرقية بدءًا من بولندا، تعتبر أن الأولوية تتمثل في تعزيز العلاقة مع حلف والإدارة الأمريكية لجو بايدن، بدلاً من الديناميكية الأوروبية التي ما تزال في طور التكوين في هذا المجال.
من بين الأولويات الفرنسية تعزيز الدفاع الأوروبي بحلول عام 2030 بما يتماشى وسبل وضع حد للتوترات في الأزمة الأوكرانية
وتحشد فرنسا جهودها، بالتعاون مع ألمانيا بشكل خاص، لإعادة إطلاق جهود الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، في إطار “صيغة نورماندي”، وهي مهمة تبدو حساسة، لأن مساعي باريس تم عرقلتها منذ شهور وفشلت محاولات إنقاذ اتفاقيات مينسك، الموقعة في عام 2015 على أمل تخفيف الصراع بين كييف والانفصاليين الموالين لروسيا في دونباس. وقد استؤنفت الاتصالات قبل أسبوع بين المستشارين الدبلوماسيين الروس والأوكرانيين والألمان والفرنسيين، ومن المفترض أن تستمر خلال أيام قليلة في برلين، على أمل عقد اجتماع قمة، لم يتم الاتفاق على مبدأه بعد بين العواصم الأربع.
بالنسبة لباريس وبرلين- تتابع “لوموند” يظل هذا “الشكل” أحد أوجه التأثير المباشر على مجريات الأحداث، في الوقت الذي استبعد فيه فلاديمير بوتين حتى الآن الأوروبيين من المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا والأمن الأوروبي. ومالم يكن هناك هجوم روسي وشيك- وهو السيناريو الذي بالكاد يصدقه الإليزيه- فإن إيمانويل ماكرون مستعد للذهاب إلى كييف وموسكو، إذا كانت هذه الرحلات يمكن أن تسهم في شكل من أشكال تهدئة التوتر في المنطقة.
كل هذه الأحداث تأتي لإحباط رواية الرئاسة الفرنسية الدورية للاتحاد الأوروبي، مع أنها تجعل إيمانويل ماكرون بشكل أساسي ينتبه إلى ضرورة تعزيز العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي. وإذا كانت النزعة الأوروبية الطوعية لماكرون مرحب بها دبلوماسيا إلى حد ما، لكن طموحه يصطدم في الأخير بفرضية الأمر الواقع، نظرًا للفجوة الموجودة بين الخطاب وواقع العمل الأوروبي، كما يقول النائب في البرلمان الأوروبي أرنو دانجون من حزب “الجمهوريين” اليمني المحافظ الفرنسي. هذا الاجتهاد الدبلوماسي لا يُنظر إليه بشكل جيد بالضرورة، بسبب الشكوك التي أثارها الحوار مع موسكو في العديد من العواصم، في شمال أو في شرق القارة، والتي تتجه مباشرة وبطريقة طبيعية إلى توحيد الصفوف حول واشنطن، تقول “لوموند”.
ومضت “لوموند” إلى القول إن قطع العلاقات الوشيك بين فرنسا ومالي يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة للإليزيه، لا سيما بعد دخول مرتزقة فاغنر الروس إلى جانب الجيش المالي الحاكم في باماكو. والآن تمهل فرنسا وشركاؤها الأوروبيون أنفسهم حتى منتصف شهر فبراير الجاري قبل فحص شروط استمرار التزامهم في الساحل. وسيكون الانسحاب المحتمل للجنود الفرنسيين والأوروبيين بمثابة نكسة كبيرة.
وتعد قضية مالي دور باريس “كقوة مؤطرة” في منطقة الساحل، قادرة على تدريب شركائها الأوروبيين في محاربة الجهاديين على أرض أفريقية غير مألوفة. ويرى مصدر دبلوماسي أن الجميع الآن سيشعر بنوع من عدم التحمس خلال مباشرة عملياته في المنطقة، كما تنقل عنه “لوموند”.
وتختتم الصحيفة، أنه من المفترض أن تتم خلال قمة الاتحاد الأوروبي وأفريقيا، التي ستعقد يومي 17 و18 فبراير في بروكسل، إعادة التفكير في العلاقات بين القارتين.