‘‘لوموند’’: جرائم الاغتصاب من قبل الجنود الفرنسيين.. موضوع محظور في حرب الاستقلال الجزائرية

آدم جابر
حجم الخط
18

باريس- ‘‘القدس العربي’’:

قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن مسألة الاعتداء الجنسي والتعذيب التي ارتكبها بعض الجنود الفرنسيين بشكل منهجي خلال حرب استقلال الجزائر تظل حجر الزاوية في مجال البحوث التاريخية في كلا البلدين. إنه موضوع من بين المواضيع المحظورة الذي لم يكن ليكشف الستار عنه بدون شجاعة امرأة في 20 يونيو 2000، في ذلك اليوم نشرت صحيفة لوموند شهادة حصرية عن عمليات الاغتصاب أثناء حرب الاستقلال الجزائرية بين عامي 1954 و1962 في مقابلة مع الجزائرية لويزة إغيل أحريز.

شهادة تحدثت فيها الفدائية الجزائرية عن ذكريات أليمة تطاردها منذ عقود: ‘‘كنت مستلقية على الأرض وأنا عارية ككل مرة، بمجرد أن أسمع صوت أحذيتهم، يبدأ جسمي في الارتجاف، أصعب ما في الأمر هو الصمود في الأيام القليلة الأولى حتى تتعود على الألم، ثم نفصل جسمنا عن ذهننا، يبدو الأمر كما لو أن الجسم يطفو تدريجيا’’. وهي كلمات قليلة تعكس طبيعة المصلحة التي كانت معتقلة فيها، أين خضعت للتعذيب من طرف القوات الفرنسية بلا رحمة لمدة ثلاثة أشهر. في سبتمبر من عام 1975 كان عمرها 20 سنة، كان ذلك في الدائرة العسكرية العاشرة التابعة لقوات المظلات الفرنسية.

وفي الحقيقة ما دفع لويزة إغيل أحريز إلى الإدلاء بشهادتها هو أملها في العثور على ‘‘القائد ريشود’’ الذي أنقذها حين قام بنقلها إلى مستشفى مايو في باب الوادي بالعاصمة الجزائرية، ثم نقلها إلى السجن. لذلك تود الفدائية الجزائرية أن تعرب عن امتنانها له.

لكن لويزة دفعت ثمنا باهظا مقابل هذه الشهادة الشجاعة، إذ أنها لم تجد ريشود، الطبيب العسكري في الحي الأوروبي من المدينة الرئيسية في الجزائر في الدائرة العسكرية العاشرة في الجزائر والذي توفي عام 1998. واليوم، تبلغ من العمر 84 عاما ولا تزال تعيش في الجزائر العاصمة، لكن ابنها لا يستطيع أن يسامحها على حديثها. تكافح ابنتها للخروج من اكتئاب لا ينتهي بدأ في عام 2000. أما المجاهدون الآخرون خلال الحرب التحريرية الجزائرية، فالكثير منهم يديرون ظهورهم لها، ويتهمونها بالكشف عن سر كتموه منذ ستين عاما.

لويزة اعترفت بأنها لم تقدر عواقب شهادتها، لكنها تقول إنها ليست نادمة على أي شيء، مضيفة أنه كان عليها أن تشارك الآخرين العبء الذي كان ثقيلا عليها للغاية، سعيا لإيجاد سلام داخلي حسب تعبيرها. لكن الفدائية الجزائرية التي أصبحت طبيبة نفسية بعد الاستقلال تقول إنها تشعر اليوم بالمرارة قليلا لأنها كانت تتوقع تحريرا للكلمة وخروج الكثير من صمتهم، لكن ذلك لم يحدث.

وأكثر ما تعانيه لويزة إغيل أحريز اليوم هو نظرة الآخرين، فهي تدرك أنها من “ناحية فعلت الكثير خلال حرب التحرير والتي تستحق الشكر على ما قامت به”، ومن ناحية أخرى، تظل “تلك السيدة التي تعرضت للاغتصاب“.

موضوع اغتصاب الجزائريات من طرف بعض الجنود الفرنسيين يظل ملفا يعتبر حجر الزاوية في البحوث التاريخية

موضوع اغتصاب الجزائريات من طرف بعض الجنود الفرنسيين يظل ملفا يعتبر حجر الزاوية في البحوث التاريخية، وإما تم التقليل من شأنه أو تجاهله، ولم يتم استكشاف الموضوع أبدا. ولسبب وجيه: في بلد كما في آخر، يعد هذا من المواضيع المحظورة القديمة جدا. وكانت شهادة لويزة إغيل أحريز بمثابة انفجار قوي، وانطلاقا من شهادتها بدأ الاهتمام في فرنسا بهذا الموضوع، كما يؤكد ‘‘ترامور كيمنور’’، المؤرخ المتخصص في الحرب الجزائرية.

بعد استقلال الجزائر وإلى اليوم لا يزال موضوع الاغتصاب من الطابوهات، لكن العقليات تطورت مع مرور الوقت، والمجاهدات يتحدثن فيما بينهن عن جرائم الاغتصاب التي تعرضن لها خلال الحرب الجزائرية، وقد لا يستخدمن مصطلح ‘‘اغتصاب’’ بالضرورة لكنهن يشرن إلى ذلك بكلمات وحركات مفتاحية خاصة.  

باية لعريبي الملقبة بـ ‘‘باية السوداء’’ بسبب لون بشرتها، تعتبر هي ولويزة إغيل أحريز من المجاهدات القليلات اللواتي امتلكن القوة لمواجهة نظرة الآخرين. تعيدنا قصتها إلى سنوات الخمسينيات من القرن الماضي، عندما كانت هذه الفتاة الطويلة الجميلة طالبة تمريض. في عام 1956 التحقت بالجبل وتم القبض عليها بعد سنة من ذلك في الجزء الشرقي من البلاد، مع ثلاث ممرضات أخريات ومجموعة من 14 مقاتلا. 

تروي باية عن جريمة حرب وقعت ضد هؤلاء الجنود الذين جردوا من أسلحتهم، واستلقوا على الأرض ثم قامت شاحنة عسكرية بدهسهم وهم أحياء، أما هي فتم وضعها في مركز تعذيب في الجزائر العاصمة.

تقول باية إنها تعرضت لاغتصاب جماعي في ”قصر كلاي” وما يعرف بدار عزيزة في القصبة الجزائرية بالعاصمة.

حسب باية فإن أحد الذين عذبوها كان ابن مستوطن ثري معروف للجميع، قام باغتصابها وهو يصرخ مناديا أصدقائه قائلا: ”هذه السوداء رائعة، هذه السوداء رائعة”، كان ذلك في مقر الدائرة العسكرية العاشرة في الجزائر.

وتضيف باية أنها تعرضت للاغتصاب بعدها من طرف العقيد غراتسياني (الذي توفي في المعركة بعد عامين)، وهو نفس الشخص الذي اغتصب لويزة إغيل أحريز ونساء أخريات، على الأقل واحدة منهن لا تزال على قيد الحياة في الجزائر، لكنها تلتزم الصمت.

تقول باية لعريبي إن بلادها حصلت على الاستقلال لكن بأي ثمن؟ جملة تريد باية أن تشير بها إلى جرائم الاغتصاب ضد الجزائريات لا سيما في الجبال والتي لا يزال مسكوتا عنها حتى اليوم. باية تطالب الأجيال الجديدة بمعرفة ما حدث فعلا خلال حرب التحرير الجزائرية، مشددة على أن الآثار النفسية والمعنوية للتعذيب أشد ضراوة من الآثار الجسدية. لذا فهي معاناة تلازم المرء طيلة حياته. صحيح أن الحرب يقوم بها الرجال، لكن النساء هي التي تدفع ثمنها، تختتم لوموند.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول امحمد:

    لافرق بين ماضي اروبا وحاضرها فالتاريخ اسود……

  2. يقول السعيد من النغرب:

    تحية تقدير واحترام لكل مجاهدات الجزائر العفيفات والخزي والعار على الاستعمار الفرنسي.

  3. يقول يونس عامر:

    الي عبد الحق سنهاجي الجزائر
    بومدين تخرج من الازهر
    وزوجته ماتت منذ زمن ولانعرف فرنسي
    والرجل مات وهو في ذمة الله

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية